كان متوقعا بعد الثورة ان تختفي ظاهرة الأفلام التجارية ، وبالتالي يختفي كل ما علق بها من أوجه الكوميديا وإشكالها ، ولكن لان الظواهر السيئة تستمر طويلاً فقد ظلت مركبات النقص في السينما كما هي ولم تؤثر الثورة فى كل الأفكار أو كل الأشخاص . النموذج الدال علي أن تطور الوعي فى الفكر السينمائي والفني لم يكن مرهوناً علي ثورة 25 يناير ولن يكون هو ذلك الفيلم الموجود حالياً بدور العرض باسم "تك تك يوم" والمأخوذ حسب ما ورد فى التترات عن فكرة للفنانة إسعاد يونس وربما يكون هذا ما دفعنا أصلا للكتابة عنه فما عهدناة من كتاباتها في الصحف السيارة عن الهم العام والقضايا الكبرى يتنافي تماماً مع ركاكة الكتابة الفنية والسيناريو الردئ الذي أسندت مهمته الي البطل الكوميدي محمد سعد فحولة إلي مسخرة ! ليس مفاجأة ان يأتي الطرح علي هذا النحو ولكن المؤسف حقاً ان يتم تناول الثورة المجيدة بتلك السطحية عبر مشاهد وافيهات رسمها البطل لنفسه فلم يخرج بالأحداث بعيداً عن بلاهة أفلامه السابقة حتي وان حاول استغلال الإشارات والرموز التي كتبتها إسعاد فى فكرتها الأولية لتدعم بها مفهوم الوحدة الوطنية وتدلل علي تماسك الأمة بكل طوائفها أمام الظرف العصيب . فقد رأينا نماذج للتكاتف والتعاطف والإخاء بين المسلمين والمسيحيين ومواجهة شرسة للبطلجية ، خاصة فى الأيام الأولي للثورة وبالتحديد عقب انسحاب قوات الأمن من الشارع وخلو الساحة للمأجورين ومحترفي السرقة والقتل والإبادة تشيع الفوضى ويحل الخراب .. ما قصدت أن تسجله صاحبة الفكرة من خواطر ايجابية بتوثيق العمل البطولي للشعب المصري أهدره السيناريو والحوار المكتوبان بيد محمد سعد ، فيما يشبه سبق الإصرار والترصد فى الإساءة للثورة التي وضعته فى القائمة السوداء ضمن الفنانين الذين هاجموها في بدايتها ووقفوا منها موقف الرافضين تملقاً للنظام السابق قبل أن يسقط ، لذا اعتبر سعد الفيلم فرصة للانتقام فكتب السيناريو المهلهل علي طريقته الكوميدية العشوائية ، ودون حذر وقعت إسعاد يونس صاحبة الفكرة والمنتجة في شرك الإدانة ودائرة الاستخفاف والاستظراف بل والسخرية أحيانا من الثوابت كما حدث في المشهد الذي هتف فيه البطل "تيكا" أو محمد سعد مردداً الشعب والجيش أيد واحدة عندما داهمة خطر الدبابة بما يعني أن الشعار العظيم جاء اضطرارياً من جانب الشعب خوفا من بطش القوات المسلحة وليس حباً فيها وإيماناً بدورها وهو ما يعد تزييفاً للحقيقة وخلطاً لجميع الأوراق ومراوغة للوقيعة بين القطبين الأساسين للوطن . بيد أن كثير من المواقف والمشاهد والأحداث التي رسمها المخرج احتوت علي كمية من الهزل لا تناسب إلا فيلماً سابقاً من أفلام البطل المشخصاتي كالمبي وبوحه وكتكوت و8 جيجا وغيرها من علامات الهبوط التجارية المسجلة بإسمه وليس فيلماً مفترض ان به الحد الأدنى من النضج والجدية بوصفة يناقش قضية من الخطورة ،بمكان لكونها تتصل بمرحلة إنتقالية من تاريخ مصر ، لكن ما شاهدناه كان عكس ذلك تماماً ولا يزيد عن محاولة فاشلة لإعادة إنتاج نفس الشخصيات بالأفلام المذكورة بأشكال مختلفة فمثلاً شخصية رياض المنفلوطي مأمور السجن هي ذاتها الشخصية التي سبق أن قدمها محمد سعد فى فيلم اللمبي 2 فنحن إذاً أمام مستنسخات متعددة من فيلم واحد يحمل نفس الشخصيات والمواصفات ولا يختلف إلا في العناوين ، ثم أن مبدأ الكوميديا فى سياق التعبير عن أزمات الوطن فى الوقت الراهن يعطي دلالة حتمية علي السخرية من كفاح الشعب الذي ناضل ودفع ضريبة ثورته دماً وأرواحاً فى وقت كان يختبئ فيه البطل الخفيف الظريف اختفائه المريب هو ومن معه فلم يسمع لهم أحداً صوتاً . نأتي أيضاً إلي الحكمة من أن يكون بطل الفيلم "تيكا" صاحب مصنع "بومب " ولا أظن أنها مصادفة ولا مفارقة للضحك وإنما القراءة الدقيقة لما بين سطور الدراما تعطي معني دلالي آخر ينطوي علي علاقة قسرية من وجهة نظر كاتب السيناريو والحوار بين دوي الثورة والبمب .. أي أن كلاهما "فرقعة" وهذا هو الجهل بعينه والتعسف فى استخدام الفن استخداماً سلبياً علي غير طبيعته لتهييف أي شيء مهما كانت عظمته ! الفنانان الكبيران جمال إسماعيل ولطفي لبيب لعبا دوران متميزان برغم الضعف العام للفيلم فقد مثلا كلا منهما معنيان جديران بالاحترام والتقدير هما وحدة الوطن والمواطنة وعدم الاستثناء فى الخطر والكوارث لأي من عنصري الأمة مسلماً كان أو مسيحياً . كذلك الفنانة دُرة اجتهدت قدر استطاعتها لتقديم صورة واقعية للفتاة الشعبية التي تهيم حباً بخطيبها وزوجها وتعلق عواطفها رهن الاستقرار والإحساس بالأمن فتظل طوال الوقت فى انتظار اللحظة المناسبة للتعبير عن شعورها تجاه من اختارته زوجاً وتجري خلفه من سجن إلي سجن ، حتى حين ينصبه أهل الحي حارساً علي الحارة ويكلفوه بحمايتها تقف بجواره ولا تتخلي عنه ، وهذه المشاهد الإنسانية كان من الممكن تفعيلها أكثر لولا غياب العمق الدرامي والوقوف عند بديهية المفهوم الذي توحي به الصورة ويشير إليه الحوار بسذاجة تُفقد المشاهد حرارتها وتبتعد بها عن المعني المستهدف فتكون النتيجة النهائية ابتذال الفكرة والموضوع وإضافة جديدة لقاموس المهازل التي تندرج هذه المرة تحت شعار تك تك بوم . ** كاتب وصحفى مصرى