تواصل تونس أزمتها السياسية التي تعد الأكثر حدة منذ وصول حركة النهضة الإسلامية للحكم، خاصة بعد الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها محافظة سليانة واستمرت أسبوعاً كاملاً، فضلا عن قرار الاتحاد العام التونسي للشغل امس الأربعاء الدخول في إضراب عام. وبالإضافة إلى موقف الاتحاد، فهناك توقعات بأن تشهد الساحة أيضاً تطورات دراماتيكية، بعد دعوة الرئيس المرزوقي إلى حل الحكومة وتعويضها بحكومة "كفاءات مصغرة"، وهو ما رفضته النهضة ولوحت بعزل الرئيس.
اضراب عام
فبعد يوم من المواجهات التي وقعت في العاصمة بين مؤيدين لحركة النهضة الإسلامية الحاكمة وبين أعضاء في نقابات عمّالية تصاعدت حدة التوتر الاجتماعي في تونس.
وقررت إدارة الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبرتجمع نقابي في تونس، أمس الأربعاء، إعلان الاضراب العام في كامل انحاد البلاد يوم 13ديسمبر في تصعيد جديد لأزمة سياسية واجتماعية، قبيل الذكرى الثانية للثورة التونسية، كما أعلنت ستة اتحادات عن دخولها اليوم الخميس، في إضراب عام.
وأوضح الاتحاد أن الاضراب بسبب الاحتجاج على هجوم أنصار حركة النهضة الإسلامية الحاكمة و"رابطة حماية الثورة" على أعضاءه الثلاثاء، والتي خلفت 10 جرحى أمام المقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل بالعاصمة، بين نقابيين ومجموعة من الشباب المحتج على سياسة قيادة المنظمة الشغيلة المناوئة للحكومة.
وطالب الاتحاد بتوقيف المهاجمين وحل "رابطة حماية الثورة"، التي يعتبرها معارضوها نوعا من المليشيات المقربة من السلطات التي تستخدم وسائل عنيفة، وتقدم نفسها على إنها ضامنة لتحقيق مطالب الثورة التونسية.
خطأ تاريخي
ومن جهته أعلن راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة الإسلامي الحاكم، الأربعاء، خلال ندوة صحفية أن الاتحاد سيرتكب خطأ تاريخياً يحاسب عليه إذا قرر الدخول في إضراب، متسائلاً: "لماذا يقدم الاتحاد على الإضراب اليوم في حين لم يضرب طيلة 23سنة من حكم بن علي".
كما وصف الإضراب بالعمل المضاد للثورة، معتبراً أنه سيربك البلاد ويعاقب مئات الآلاف من المواطنين رغم أنهم ليسوا أطرافاً في الموضوع.
وأضاف الغنوشي: "حركة النهضة طالما حُرقت لها مقرات وتم الاعتداء على بعضها لكن لم تدعُ إلى إضراب عام"، مشيراً في ذات السياق إلى أنه على الاتحاد أن يتجه نحو القضاء وإذا انعدمت ثقته به يمكن القيام بتحقيق مستقل.
وشدد الغنوشي على أن "حركة النهضة تتبرأ من أعمال العنف التي وقعت يوم الاثنين، وتطالب بمحاسبة مقترفيها حتى لو كانوا ينتمون إلى الحركة".
ورفع زعيم "النهضة" الشيخ راشد الغنوشي من سقف التوتر باتهامه الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة التحركات والاحتجاجات في البلاد من أجل إسقاط الحكومة الشرعية، حيث اتهم "ميليشيات الاتحاد" بأنها بادرت إلى العنف وهاجمت مجموعات قدمت لإحياء ذكرى اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد.
واضاف ان المواجهات التي أوقعت إصابات في معقل النقابيين في العاصمة، تسببت فيها ميليشيات نقابية مسلحة بالهراوات والغاز، مطالباً بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة تحدد من المسؤول عن المواجهات.
واعتبر الغنوشي، أن قيادات اتحاد الشغل، تخدم أجندات أحزاب اليسار "الفاشلة في الانتخابات"، وقال: "إنها تراهن على إسقاط الحكومة التي يرأسها الأمين العام ل "النهضة" حمّادي الجبالي".
"خفافيش الظلام"
ومن جانبه، تحدث حسين العباسي الأمين العام لاتحاد الشغل في تصريح لوسائل الإعلام، بلهجة حادة وشديدة عما حصل أمام مقر المنظمة، ووصف "أنصار النهضة" بخفافيش الظلام.
كما اعتبر العباسي أن الحكومة تعتمد دائماً على ازدواجية الخطاب باعتبار أنها تنادي للحوار من جهة وتخطط على أرض الواقع لعكس ذلك.
وقال العباسي: "إن الاتحاد هو قوة توازن، وسيبقى دائماً المدافع عن مشاغل العمال وحقوقهم"، ولا يستبعد أن يقرر الاتحاد إضرابا عاما في كامل محافظات تونس.
ومن جانبه، صرح رئيس تحرير جريدة "المغرب" زياد كريشان بأن المواجهة المفتوحة بين الحكومة واتحاد الشغل ستسهم في رفع حدة "العزل لحركة النهضة".
وأكد كريشان أن "الحكومة راكمت عدة أخطاء، بسبب نقص الكفاءة والرغبة القوية في الانفراد بالحكم، وإعادة إنتاج ديكتاتورية بن علي".
"الاتحاد" وتاريخه
والاتحاد العام التونسي للشغل تم تأسيسه في 1946 ، ويضم نحو نصف مليون منتسب وهو المركزية النقابية الاساسية والتاريخية في البلاد.
ولم يسبق للاتحاد العام التونسي للشغل ان اعلن الاضراب الوطني العام إلا مرتين الأولى كانت في 26 يناير/كانون الثاني 1978 وترافقت مع أحداث دامية وقمع شديد من السلطات.
أما المرة الثانية فكانت دعوة للاضراب العام بساعتين فقط يوم 12 يناير/كانون الثاني 2011 قبل يومين من سقوط نظام زين العابدين بن علي.
والمطلب الاساسي للمركزية النقابية هو حل "رابطة حماية الثورة" (جمعية مرخص لها) التي يعتبرها معارضوها نوعا من المليشيا المقربة من السلطات ويحملونها مسئولية الهجوم على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل بالعاصمة الثلاثاء، بحسب ما ذكر مسئول نقابي.