رغم ترحيب المعارضة التونسية بموقف الرئيس منصف المرزوقي الذي ينسجم مع موقفها وما تدعو إليه منذ مدة ردّت حركة "النهضة" التي تترأس الائتلاف الحكومي ملمحة بأن تغيير الحكومة الذي يدعو إليه الرئيس قد يشمله أيضا. فما أن أبدى الرئيس التونسي قلقه من الوضع الحالي الذي عليه البلاد من جراء تباطؤ أداء الحكومة في تحقيق تطلعات الشعب في التنمية والتشغيل، حتى تعالت التعليقات من مختلف مكونات المجتمع التونسي – أحزابا ومنظمات - التي تفاجأت بهذا الموقف الناقد من الرئيس.
وأثارت تصريحات المرزوقي التي أطلقها نهاية السبوع الماضي على خلفية الاضطرابات التي شهدتها محافظة سليانةالتونسية، حفيظة حركة النهضة الإسلامية، كما كشفت عن خلافات كبيرة وسط الإئتلاف الثلاثي الحاكم. وحركة النهضة التي تشغل 89 نائبا في المجلس التأسيسي هي الحزب الأكثر تمثيلا في المجلس الذي يضم ما مجموعه 217 مقعدا.
الإقالة واردة ومن جانبه قال وزير الصحة عبد اللطيف المكي وعضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة :"إن التحويرات المقبلة التي ستطرأ على مؤسسات الدولة ستشمل أيضا رئاسة الجمهورية".
وأضاف :"نحن مستعدون لمراجعة كل شيء في مؤسسة الرئاسة من كاتب الدولة إلى رئيس الجمهورية والمسألة ليست مقدسة".
ولوح صحبي عتيق رئيس الكتلة النيابية لحركة النهضة الاسلامية الحاكمة، في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) بسحب الثقة من الرئيس التونسي الذي دعا الأسبوع الماضي إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية مصغرة وغير متحزبة.
وقال صحبي عتيق في تصريح بثه التليفزيون الرسمي مساء الاثنين "من غير المستبعد سحب الثقة من رئيس الجمهورية إن كان هناك طرح لحكومة كفاءات مصغرة، كل المواقع ستطرح للمراجعة بما في ذلك رئاسة الجمهورية".
وأضاف عتيق :"نحن كنهضة وككتلة سنفكر في إعادة النظر في كل هذه المواقع بما في ذلك رئاسة الجمهورية". والجمعة قال الرئيس منصف المرزوقي في خطاب إلى التونسيين إن "مصلحة تونس العليا اليوم تقتضي تشكيل حكومة مصغرة مفعلة تجمع الكفاءات".
ودعا المرزوقي إلى تعيين هذه الكفاءات بالخصوص في "الوزارات ذات الصلة بالتنمية والاقتصاد وبالأمور الاجتماعية". وشدد على ضرورة أن يتم تعيين الوزراء في الحكومة المصغرة "على قاعدة الكفاءة ثم الكفاءة فالكفاءة وليس على أي قاعدة أخرى وخاصة المحاصصة الحزبية أو الولاءات الحزبية".
تهديد الثورة
وكان الرئيس التونسي قد حذر من توسع المظاهرات في مدينة سليانة، واصفاً إياها بأنها قد تشكل تهديداً لمستقبل الثورة التونسية، على حد قوله.
وبدأت أحداث سليانة الثلاثاء الماضي، عندما خرج عدد من أهالي الولاية في تظاهرة احتجاجية على أوضاع معيشية متردية دعا إليها الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمال في تونس.
وطالبت التظاهرة بالإفراج عن 14 شاباً اعتقلوا في أبريل/نيسان الماضي في أعمال عنف في المنطقة، وتدخلت قوات الأمن التي تصدت للتظاهرة الاحتجاجية بالسلاح والغاز المسيل للدموع.
فيما ندد حقوقيون بإطلاق الشرطة رصاصاً انشطارياً على المتظاهرين، الأمر الذي أثار احتجاجات عارمة في سليانة.
وتوسعت احتجاجات سليانة لتشمل أكثر من مدينة خرجت فيها تظاهرات منددة بقمع السلطة، بينها صفاقس وسبيطلة وسيدي بوزيد والكاف والقيروان، ووصل صدى الاحتجاجات إلى مبنى الداخلية في قلب العاصمة، حيث طالب المحتجون الغاضبون برحيل رئيس الوزراء حمادي الجبالي، مرددين شعار ثورتهم "Degage" (ارحل) لأول مرة منذ الثورة التونسية.
اتهامات ل "النهضة"
ويتهم معارضون حركة النهضة الإسلامية الحاكمة بغض الطرف عن ملفات رجال الأعمال الفاسدين بعد أن أصبحوا موالين لها سياسيا، فيما تنفي الحركة هذه الاتهامات.
وليس للمرزوقي صلاحيات تغيير الحكومة التي يرأسها حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة. وقال مراقبون إن تصريحات المرزوقي الأخيرة أثارت غضب قياديين فاعلين في حركة النهضة.
وتشكل حركة النهضة ائتلافا ثلاثيا حاكما مع حزبين علمانيين هما "التكتل"، و"المؤتمر" الذي أسسه منصف المرزوقي.
اليد العليا للاسلاميين
وتونس التي تعتبر "أم ثورات الربيع العربي", الذي تحوّل في فترة قياسية إلى شتاء إخواني أصولي عاصف, تشهد أزمة سياسية عميقة لا يبدو حلّها بالحوار ممكناً, بل ثمة في حزب حركة النهضة الذي يقوده راشد الغنوشي الذي خرج علينا قبل أيام بفتوى جديدة, نزل وحيها عليه في محاضرة له بمعهد تشاتام هاوس "المعهد الملكي للدراسات الدولية في لندن" تقول: أن اليد العليا في البلاد العربية ستكون للاسلاميين.. في النهاية!!.
ويبدو أن حزب حركة النهضة الذي يقوده راشد الغنوشي يقوم الآن بإرهاب خصومه, وخاصة بعد الاحداث المأساوية الأخيرة بولاية سليانة والتي تورّط فيها والي (محافظ) المدينة المنتمي لحزب النهضة, والذي طالب المتظاهرون والمحتجون باستبداله, لكن النهضة أبدت وتبدي عناداً ولا تُعير أدنى اهتمام بمطالب الجمهور, هذا الجمهور الذي أوصلها إلى السلطة .
والمعركة محتدمة إذاً - كما في مصر تماماً - والسباق على أشده بين التيار الحاكم والتيارات ، ولا يتورع راشد الغنوشي في هذا الشأن عن المزايدة بالقول لصحيفة "فايننشيال تايمز": إن بعض العلمانيين في تونس يفعلون كل شيء لإقناع العالم الخارجي بان الإسلاميين ضد الحداثة, ولم يتردد في الذهاب إلى ابعد من ذلك في مزايدة أكثر تهافتا.
"مد وجزر"
وبما أن العلاقة بين حركة النهضة الإسلامية الحاكمة والاتحاد العام التونسي للشغل تتميز بالمد والجزر ، حيث شهدت هذه العلاقة فترات من التوتر بسبب تحريض قيادات في النهضة ضد الاتحاد باعتبار أنه يقود الإضرابات التي تعرقل عمل الحكومة - بحسب قولهم ، قامت مجموعات من المواطنين، ظهر أمس الثلاثاء، بالاعتداء بالضرب على النقابيين أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) وذلك خلال اجتماع شعبي في العاصمة التونسية لإحياء الذكرى الستين لاغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد.
ويأتي هذا الهجوم بعد عودة الهدوء النسبي إلى محافظة سليانة شمال غربي البلاد التي شهدت في الأيام الماضية مواجهات دامية بين المتظاهرين المطالبين بإقالة المحافظ وبين قوات الأمن التي استخدمت رصاص "الرش" (المستخدم في الصيد)، مما خلّف مئات الجرحى بعضهم فقد البصر.
وتعرّض عشرات النقابيين إلى جروح جراء الضرب بالهراوات والرش بالغاز المشّل للحركة في العاصمة تونس. ويتهم نقابيون وناشطون أنصار حركة "النهضة" ولجان "حماية الثورة" بالوقوف وراء الاعتداء الذي استهدفهم، والذي حصل في ظل غياب شبه كامل لقوات الأمن التي يؤكد النقابيون أنهم أعلموها مسبقاً بتنظيم تظاهرتهم الشعبية.
"الاغتيال الثاني"
من جانبه اعتبر حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، أن الاعتداء الذي استهدف ساحة محمد علي بالعاصمة (معقل اتحاد الشغل) بمثابة "الاغتيال الثاني" للزعيم النقابي فرحات حشاد الذي اغتالته قوات تابعة للاحتلال الفرنسي بتونس سنة 1952، متهماً مقربين من الحزب الحاكم (أي حركة النهضة الإسلامية) بالاعتداء على مقر منظمته.
وسادت حالة من الغضب في صفوف المواطنين والحقوقيين الحاضرين أمام مقر الاتحاد والذين سارع بعضهم إلى اتهام حركة النهضة ورابطات حماية الثورة بتدبير الاعتداء. كما طالت الاتهامات قوات الأمن بأنها متواطئة مع المعتدين خصوصاً أنها لم تتدخل إلا بعد فض الاشتباك بقرابة الساعة. ورغم الزيارات المتكررة التي أداها الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، إلى مقر الاتحاد لامتصاص التوتر بين الطرفين، إلا أن قيادات في النهضة توجه الاتهام للاتحاد بالتورط في كل الأزمات التي تشهدها البلاد منذ صعود الإسلاميين إلى الحكم في انتخابات تشرين الأول / أكتوبر من العام الماضي. مواد متعلقة: 1. متظاهران يفقدان البصر بإحدى العينين بسبب استخدام الأمن التونسي البارود 2. بعد "سيدي بوزيد" .. "سليانة" التونسية تنتفض ضد "الوالي" 3. تونس: الآتحاد العام للشغل يعقد اجتماعا وسط دعوات للإضراب