نعم : يحق لنا أن نصادر ما يزيد عن حاجة الأثرياء من أموال في مقالنا السابق الذي وجهنا فيه نظر القيادة السياسية إلي ضرورة استعادة أموالنا التي تجمعت في يد فئة قليلة من رجال الأعمال نظرا لسؤ القوانين وانتشار الفساد والرشوة في النخبة الحاكمة علي مدي 40 سنة مضت, وأشرنا فيه إلي تقرير التنمية البشرية لعام 2007 من الأممالمتحدة, والذي يوضح أن 160 ألف رجل أعمال يملكون 40 % من ثروة مصر. أي أن هناك أموال كثيرة يمكن أن نستردها وليست القروش القليلة التي نسمع عنها.
اثار بعض من قرأ المقال مخاوف من القيل والقال وما يشكله استرداد هذه الأموال من عودة للتأميم ومن مخالفة للشريعة, وقد بحثت في هذا الشأن ووجدت ما يلي
1- يأمرنا الإسلام بأن يتضامن أبناء المجتمع ويتساندوا فيما بينهم علي اتخاذ مواقف إيجابية لإيجاد المجتمع الأفضل ودفع الضرر عن أفراده , وهذا ما يسمي بالتكافل الإجتماعي.
وهذا المعني من التكافل هو ما يقرره صريح قوله تعالي " وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان", سورة المائدة, الآية 2
وما يؤكده نبينا الكريم, عليه الصلاة والسلام "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"
2-أباح الإسلام للإنسان أن يتملك ما يشاء في حدود حددها الله, ولا يجوز لأحد أن يتجاوزها لعدم الإضرار بمصلحة المجتمع, وجعل المقياس في ذلك الحلال والحرام.. لا المنفعة الشخصية والمصالح الفردية .وقد قارب بين درجات التملك في المجتمع بمبادئ أقرها وأحكام شرعها حتى لا تكون دولة بين الأغنياء.
3- قرر الإسلام أن التملك وظيفة اجتماعية, لهذا يجيز الإسلام أخذ مازاد عن الحاجة بمقدار الضرورة إذا واجهت البلاد أزمة, أو وقعت في الأمة شدة تحقيقا لقوله تعالي "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم" سورة النور, الآية 33. وتنفيذا لقوله عليه الصلاة والسلام " في المال حق سوي الزكاة" . وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال بعد أن انتهي عام المجاعة التي أصابت المسلمين في عهده "لو أصاب الناس سنة (أي مجاعة) لأدخلت علي أهل كل بيت مثلهم, فإن الناس لا يهلكون علي أنصاف بيوتهم"
4- وقد شرع الإسلام الحجر علي التملك الفردي إذا أنفق المال المملوك في الفساد والإنحلال واستعمل في الخمر والزنا والقمار, والجري وراء الشهوات والملذات ... والأصل في قوله تعالي "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" , وفي ذلك إشارة إلي أن الإنتفاع بهذا المال هو من مصلحة المجتمع, ففي حالة السفه يجب أن يمنع عن صاحبه, ويشغل لما فيه نفع المجتمع.
5- والمطلع علي هذه الآيات يظن أن المال المدخر يجب أن ينفق جميعة في سبيل الله..
"ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم, سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة" سورة آل عمران, الآية 80
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال " بينما نحن في سفر مع النبي صلي الله عليه وسلم, إذ جاء رجل علي راحلة له, فجعل ينظر يمينا وشمالا فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : من كان معه فضل ظهر فليعد به علي من لا ظهر له, ومن كان معه فضل زاد فليعد به علي من لا زاد له, فذكر من أصناف المال ما ذكر حتي رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل (أي في شئ فاضل عن حاجته) .
6- والدولة مسئولة أولا وآخرا عن الطبقة الفقيرة التي لا تجد المال, أو العاجزة التي لا تستطيع العمل, أو المشردة التي لا تجد المعيل , أو المعطلة التي لا تجد وسائل الكسب.. فلا يصح في دين الله أن يرتع أفراد قلائل أو ترتع الدولة نفسها في البذخ والترف وتغدو في الرفاهية والنعيم, والآلاف من أبناء الشعب يقتلهم الجوع ويذلهم الفقر ويقعدهم المرض ويخيم عليهم الجهل, ويتخبطون في البؤس والفاقة والحرمان.
لهذا نجد أن الحاكم مسئول أمام الله هل أدي الحقوق' وحكم بالعدل, أم أهمل وقصر؟؟
قال عليه الصلاة والسلام "إن الله سائل كل راع عما استرعاه, حفظ أم ضيع"
و "ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية, يموت يوم يموت وهوغاش رعيته إلا حرم الله تعالي عليه الجنة"
7- وتحدد مسئولية الدولة في واجبين هامين : تأمين موارد المال , وتوزيعه علي المستحقين.
وبدون الدخول في تفاصيل حصر الموارد المالية التي تقوم الدولة علي تحقيقها وتأمينها, نركز علي النقطة المنوط بها الحديث وهي الإستفادة من أموال الأغنياء عند الحاجة :
تقرر الشريعة الغراء أن البلاد إذا أصبحت مهددة بأخطار العدو, أو وقعت بها كوارث عامة.. ولم يكن في خزينة الدولة ما يكفي لمواجهة تلك الكوارث .. وجب علي الدولة أن تأخذ من أموال الناس بقدر ما يدفع الخطر ويحقق المصلحة وهذا الحكم مقرر بناء علي نصوص الشريعة وقواعدها العامة
فمن القواعد العامة, "يجب دفع الضرر الأعلي بتحمل الأدني" فإذا تعارض شران أو ضرران قصد الشرع دفع أشد الضررين , وأعظم الشرين
وقال الإمام بن حزم – رحمه الله- :"وفرض علي الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان علي ذلك إن لم تقم الزكوات (جمع زكاة) بهم
وحينما طعن الخليفة العادل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – قال " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت من الأغنياء فضول أموالهم فرددتها علي الفقراء" , رواه ابن حزم.
8- وقد استدلوا جميعا علي اقوالهم من
نصوص القرآن الكريم "وتعاونوا علي البر والتقوي" , المائدة -2 . و"وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" الحديد-7 .
ومن الأحاديث النبوية "إن الله فرض علي أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم, ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا, ويعذبهم عذابا أليما",و "ما آمن بي من بات شبعان, وجاره جائع"
مما تقدم نجد أننا في بلاء هالك للأمة وظروف صعبة لم نشهدها قبلا, فإن لم نأخذ علي أيديهم هلكنا وهلكو, وما علينا إلا أن نفعل ما أمرنا به الله ورسوله.
ومما هو جدير بالذكر أن مصر جاءت في الترتيب الرابع بين الدول العربية من حيث عدد المليارديرات (أي الذين يملكون 1000 مليون جنية "وانت طالع"
والشئ الذي يجب أن تخجل منه هذه الفئة التي انعدم فيها الإحساس هذا الخبر الذي نصه "11 مليارديرا أمريكي يحذون حذو بيل جيتس وبافيت ويتبرعون بنصف ثروتهم لأعمال خيرية"
وفي حين نطالب المليارديرات المصريين بالتبرع ببضعة ملايين للخروج من هذه الأزمة الطاحنة , وهي أموالنا التي نهبوها بغير حق نجد أن هناك من يتبرع بنصف ثروته مع أن بلادهم ليست في حاجة إلي ذلك. أين أنت ياحمرة الخجل.