عيار 21 الآن بعد الارتفاع العالمي.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 30 مايو 2025 بالصاغة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 30 مايو 2025    استعدادًا للعيد.. الطريقة الصحيحة لتقطيع اللحمة    الوكيل: شراكة قوية بين الحكومة والقطاع الخاص.. والقطاع الخاص يساهم بأكثر من 80% في الاقتصاد المصري    "مصر الخير" تطلق جائزة ريادة العطاء 2025 لمحور المياه النظيفة    فلسطين.. قصف مدفعي على بلدة القرارة شمالي مدينة خان يونس    وسائل إعلام لبنانية: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة شمسطار في قضاء بعلبك    من أجل السلام في أوكرانيا وروسيا.. صلاة تجمع الرئيس الأوكراني والإنجيلي فرانكلين في برلين    كيف تناولت صحف جنوب أفريقيا انتقال ريفيرو إلى الأهلي؟    بمشاركة منتخب مصر.. بث مباشر قرعة كأس العالم تحت 20 سنة    نجم الأهلي: أفشة قالي إن هدفي هيجيب الدوري.. ومثلي الأعلى حسام غالي    ديوكوفيتش يحافظ على سجله المثالي ويصعد للدور الثالث في رولان جاروس    إمام عاشور يكشف كواليس مشادته مع الأمن في احتفالية الدوري.. وحقيقة مطالبته بتعديل عقده    موعد نتائج سنوات النقل للمرحلة الإعدادية في الغربية الترم الثاني برقم الجلوس (روابط)    ننشر أسماء 23 مصاب في حادث انقلاب اتوبيس نقل عمال بالمنوفية    انقلبت سيارته.. مصرع شاب في حادث سير بالوادي الجديد    ضبط 3431 أسطوانة غاز و1000 لتر سولار قبل بيعها في السوق السوداء بالبحيرة    «الطقس× أسبوع».. ربيعي «مائل إلى شديد» الحرارة والأرصاد تحذر من 3 ظواهر جوية    610 ساحة للصلاة وتشديدات صارمة للتصدي للمخالفات.. كيف استعدت «أوقاف الإسكندرية» ل عيد الأضحى المبارك؟    مسجلوش على سيستم الامتحانات.. منع 65 طالبًا بمدرسة من دخول امتحانات الثانوية التجارية في سوهاج (خاص)    مصرع شاب صدمته سيارة والده بالخطأ في مدينة العاشر من رمضان بالشرقية    والدة إبراهيم شيكا: "عايزة كل قرش في ورث ابني ومراته بصمته في المستشفى"    4 أبراج «بيحبوا السيطرة».. قياديون يتمتعون بالكاريزما لكن ثقتهم الزائدة قد تتحول لغرور    ليلى علوي تحتفل بنجاح نجلها خالد في مشروع التخرج.. ماذا قالت؟    بعد إزالة الوشم.. أحمد سعد يصلي في غار حراء والمسجد النبوي (صور)    الإمساك.. الأسباب الشائعة وطرق العلاج بوصفات طبيعية    تجاهل تنظيف منطقة في الأذن قد يعرض حياتك للخطر.. تحذير خاص لأصحاب «النظّارات»    روسيا تتهم حليفتها صربيا بالخيانة لتوريدها الأسلحة إلى أوكرانيا    ترامب يكشف عن أمر يهمه أكثر من 5.1 تريليون دولار عاد بها من السعودية وقطر والامارات    ترامب يبحث مع رئيس الاحتياطي الفيدرالي التطورات الاقتصادية دون التطرق لأسعار الفائدة    اعتماد برنامجي علم الحيوان والبيوتكنولوجي والبيئة البحرية بكلية علوم جامعة قناة السويس    رئيس حماية المستهلك: تلقينا أكثر من 32 ألف شكوى متعلقة ب"التسوق الإلكتروني"    23.1 مليون جنيه حصيلة مزاد علني لبضائع وسيارات جمارك بورسعيد    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. حماس: مقترح ويتكوف حول غزة لا يستجيب لمطالبنا.. 23 وفاة و1375 إصابة جديدة بالكوليرا فى السودان.. ولماذا غادر الملياردير إيلون ماسك إدارة دونالد ترامب    شيكابالا يكشف تفاصيل أزمته مع حسن شحاتة    عضو مجلس الأهلي: كنت أثق في اللاعبين للتتويج بالدوري    جراديشار بعد التتويج بالدوري: الأهلي لا يستسلم وشكرا لدعم الجماهير فى كل خطوة    وزير الأشغال العامة الفلسطينى: نشكر مصر على دعمها للقضية الفلسطينية    متحدث الأوقاف: صكوك الأضاحى بدأ فى 2015 ووصلنا إلى 10 ملايين أسرة    وكيل أوقاف الفيوم يشهد فعاليات كتاب مسجد على مفتاح.. صور    بوتين: القرم عادت إلى روسيا باختيار شعبها    نابولي يعلن استمرار أنطونيو كونتى فى قيادة الفريق بالموسم المقبل    «الإسعاف»| 123 سنة إنقاذ.. 3200 سيارة حديثة و186 مقعدا لاستقبال البلاغات يوميًا    المنوفية تُطلق جيلًا رقميًا جديدًا في وحدات الرعاية.. وتُنهي 96 دورة تدريبية    البيت الأبيض: إسرائيل وافقت على اقتراح وقف إطلاق النار والمناقشات مستمرة مع حماس    خاص| أمينة خليل تستعد لحفل زفافها في بلدين مختلفين.. تفاصيل الفرح    مطار سفنكس يستعد لاستقبال الوفود الرسمية المشاركة في افتتاح المتحف المصري الكبير    "مستقبل وطن" يستقبل وفدًا من السفارة الأمريكية بالقاهرة لتبادل الرؤى حول العلاقات الثنائية والقضايا الدولية    خالد الجندي: لا يصح انتهاء الحياة الزوجية بالفضائح والانهيار    أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    الوزير محمد عبد اللطيف يلتقي عددا من الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج.. ويؤكد: نماذج مشرفة للدولة المصرية بالخارج    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة- صور    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقعة النبى دانيال
نشر في محيط يوم 11 - 09 - 2012

تكشف الغارة البربرية التى جرت وقائعها بالأسكندرية قبل ثلاثة أيام عن غباء منقطع النظير, وحماقة تتحلى بهما السلطات المحلية بالأسكندرية , وجهل أصيل ومتأصل لدى المسؤلين عن هذه المجزرة المعرفية والثقافية , وعدم وعى بالمكان الذى يتولون مسؤليتة , وقيمته ومكانته وتاريخه .. ذلك أن هذا "الجزء" من شارع "النبى دانيال" الذى كان مسرحا للغارة أو "موقعة الكتاب" , هو بمثابة "سور الأزبكية" الأسكندرانى .. والنبىى دانيال "الشارع" هو من أكثر الشوارع حيوية في الإسكندرية بسبب وجود المحال التجارية التي تبيع كل شيء على جانبيه بدءا من الملابس والاحذية , والاجهزة الكهربائية, وإنتهاء بالكتب فى الجزء الصغير منه الممتد من تقاطعه مع شارع الملك فؤاد , حيث توجد مكتبة لمؤسسة الأهرام , وحتى مشارف وحدود محطة مصر.

ولمن لايعرف .. فإن شارع "النبى دانيال" هو أحد أهم وأشهر شوارع مدينة الإسكندرية التاريخية، يمتد من محطة الرمل حتي محطة مصر، يرجع ميلاده إلي بداية بناء المدينة ذاتها , وبحسب موسوعة "ويكيبيديا" الحرة , فإن "النبى دانيال" هو أحد أنبياء بني إسرائيل ربما يعود تاريخه إلي القرن السادس قبل الميلاد، ولذلك يحمل المعبد اليهودي الموجود بالشارع أسم هذا النبي ..وعندما أمر الإسكندر الأكبر ببناء الإسكندرية , فقد تم البناء وفقا ل"الشكل الشبكي" أو "رقعة الشطرنج"، حيث كانت المدينة مقسمة إلي شارعين رئيسيين أحدهما طولي والآخر عرضي، يخلق تقاطعهما ميدانا كبيرا في المنتصف، ويُعتَقد أن شارع النبي دانيال جزء من الشارع الرئيسي الطولي الذي كان يمتد من شمال المدينة إلي جنوبها .

هذا "الشارع" تنبعث منه رائحة التاريخ , وتتجلى فيه شاخصة للعيون , "سماحة" المصريين عموما والشعب السكندرى خصوصا , وهو يجسد الإعتدال والعمق الحضارى فى الشخصية المصرية , قبل النكبة التى تعيشها البلاد الآن , بصعود المتطرفين والمتشديين على كل لون , وإحتلالهم للمشهد , تعميقاً للطائفية , وتغييباً لكل ماهو جميل فينا, من قيم وصفات إنسانية يتميز بها شعبنا عبر التاريخ .. ففى بداية الشارع , يوجد مسجد النبي دانيال الذى يضم ضريحا على عمق خمسة أمتار يُرَجَح أنه لأحد شيوخ المذهب الشافعى ,وهو العالم العراقى محمد بن دانيال الموصلى ،القادم للأسكندرية فى القرن الثامن الميلادى , وعلى بعد أمتار منه , يقع "المعبد اليهودي" ,والمركز الثقافي الفرنسي الذي أنشيء عام 1886, وعلى الجانب الآخر من الشارع توجد الكنيسة المرقسية أقدم كنيسة في مصر وأفريقيا والتي بناها القديس مرقس في القرن الأول الميلادي عام 43 م وتوجد بها رأسه , وفى الجزء الأخير منه القريب من محطة مصر ,يقع مسرح الغارة البربرية التى جرت على الكتب ..

وهذا الجزء هو عبارة عن سوق شعبى صغير للكتب , فيه الكتب الجامعية التى لطالما ساعدت على مر السنين الكثيرين من الطلاب أبناء محدودى الدخل بجامعة الأسكندرية , بل وتلاميذ المدارس بالكتب الدراسية الخارجية , مقابل مبالغ زهيدة لاتُقارن , بأثمان الكتب الجديدة , وأيما كانت هواياتك القرائية , وغاياتك المعرفية , عربية كانت أو أجنبية , فأنك سوف تجد فى هذا الجزء من شارع النبى دانيال مُبتغاك من الكتب العربية والأجنبية , سواء كانت كتب تراثية , أو أدبية أو دواوين شعر أو رويات وقصص , بكافة تنوعاتها , أومراجع علمية فى كافة فروع العلم , فضلا عن مؤلفات يندر وجودها من الأربعينات والخمسينيات , بل ومجلات ومطبوعات نادرة .

إن هؤلاء الباعة للكتب يمثلون الجانب المضئ و الجميل من معدن هذا الشعب ,فيهم النقاء والطيبة والحفاظ على المبادئ , أنهم أكثر ثورية من النخب الفاسدة والفاشية التى أفرزتها ثورة 25 يناير, فهم يناضلون طوال سنوات عمرهم فى سبيل التنوير والتثقيف بتوفير بضاعتهم الثمينة لمحدودى الدخل , إن هؤلاء الباعة يجسدون قيم التحضر والسماحة والوعى , وأياً كانت درجة التعلم للواحد منهم , فكم من مثقف ,لايملك مؤهلا عالياً , لكنه يعلو بقيمه وثقافتة على كثير من المتعلمين وحملة الشهادات العليا , وقد عشت أحلى سنوات عمرى بالأسكندرية فى السبعينات والثمانيينات , وكنت ولازلت حتى اليوم عاشقاً ومدمناً لهذا الشارع , إدماناً مرضياً أعترف وأفخر به , بحيث كنت أترجل فيه ذهابا وإيابا ,ولازلت كذلك حين تواتينى الفرصة للتواجد بالأسكندرية ولو لساعات , وأتوقف كثيرا عند هؤلاء الباعة , أتفرس وجوههم الطيبة , التى تعكس بملامحها أصالة المصريين وسماحة "الأسكندرانية" , وروحهم المرحة الجميلة , وشهامتهم التى تجعل الواحد منهم إذا ما سألته عن شارع ,أو عنوان لاتعرفه , يكون على استعداد أن يترك مصالحه الشخصية و محل عمله , أوبضاعته وتجارته كى يدلك على طريقك ويكاد يذهب معك إلى مقصدك حتى لاتتوه .. وهكذا حال الأسكندرانية جميعاً أولاد بلد إلا فيما ندُرَ .

إن أى بائع للكتب , كان يمكنه أن يكسب أضعاف ما يكسبه من عائد بيعها , لو أنه أتجه إلى أى أدوات أخرى مما يبيعها الباعة الجائلين , لكنهم متحضرين , يحبون الكتاب ويعشقون مهنتهم , ومنهم من كان مناضلا يساريا فى شبابه , ولم يعرف التمويل ولا تاجر بمبادئه ,ولا تكَّسب من المعارضة والثورة مثل الكثيرين , بل أن البائع منهم تجده يتواصل معك وأن تبحث بعينيك فى الكتب المرصوصة , سائلا لك عما تبحث , وما أن يعرف الموضوع أو التخصص الذى تهتم به ,حتى يبادرك بما لديه من كتب تغطى هذا المجال , وكأنه قد سبق له قراءة هذه الكتب .

أن سور الأزبكية الأسكندرانى , الذى تعرض للغارة الغاشمة التى تعبر عن أسوأ مافينا , ساهم فى تربية أجيال وتعليمهم , وإنارة عقولهم بقروش قليلة حين كانت القروش عُملة سارية بلا قيمة , وبأسعار زهيدة بمعايير أيامنا هذه , وعن شخصى الضعيف فأنا واحد ممن يدينون ل "شارع النبى دانيال" فى كثير مما تعلمت وقرأت , ولطالما حصلت على مئات الكتب , كنت أشتريها بقروشى القليلة من هذا السوق .. ومن هنا فأننى أُقَّبل رأس كل بائع للكتب سواء أضير من تلك الغارة المدفوعة بحماقة السلطة وظلام العقول , أونجا ممن نجاهم الله , وأعتذر لهم جميعا بالأصالة عن نفسى وعن كل من يشاطرنى الدَّينَ لهذا السوق الشعبى التعليمى و التنويرى والتثقيفى فى زمن تعلو فيه قامات الجُهَّال, ويريدون بجهالتهم إطفاء كل مشعل للتنوير.

(كاتب وصحفى مصرى)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.