عاد الفنان محمد المصري إلى مصر بعد إقامته معرض خاص في قاعة "فيدا جاليري" ببلجراد عاصمة صربيا، والذي ضم نحو 12 لوحة أنتجها الفنان خصيصا للمعرض. تم استضافة معرض المصري بدعوة خاصة من القاعة، وكان من المفترض أن يستمر العرض حوالي خمسة عشر يوما، لكن السفير المصري في صربيا "علي بسيوني" استضاف المعرض مرة أخرى في السفارة المصرية في "بلجراد"، وقام بافتتاحه رئيس صربيا، وذلك ضمن برنامج احتفالية مصرية، واستمر المعرض حوالي أسبوع. اهتم الفنان المصري في هذا المعرض باللون الذي اتسم في جميع أعماله بالزهو والوضوح، واستخدامه الألوان الصريحة، معتمدا على تسطيح اللون الذي أبرز العمل وأضاف له ملمحا خاصا به، أوضح رمزية الأشياء التي رسمها الفنان من الطبيعة، لكنه قام بتحليلها وإعادة صياغتها من جديد، مما جعلها تظهر وكأنها دراسات في تكوين اللون وحجم الكتلة تصالحت على سطح اللوحة في بناء تشكيلي محكم. ومن الأشياء التي تناولها الفنان "الموديل"، الذي تعودنا أن نراه بشكله الطبيعي في أغلب أعمال الفنانين، لكن المصري لم يتناوله كما هو، بل فككه وأعاد صياغته من جديد؛ ليبدو وكأنه لوحة تجريدية عبارة عن تكوينات لونية لم تتطرق إلى موضوع بعينه، سوى لمحات من هذا الجسد تقودنا لاستكشاف العنصر الذي قام الفنان بتحليله ثم تشكيله من جديد. ففي إحدى اللوحات نجد مساحتين لونيتين باللون الأزرق يبدو وكأنهما ساقي شخص حلله الفنان وقام بصياغته من جديد بحسب رؤيته الخاصة. كما نجد في لوحة أخرى مساحة لونية مسطحة بلون واحد أو منقسمة إلى لونين تمثل جذع امرأة، لكن الفنان استبدل الجزء العلوي من الجسد بمجموعة من المساحات اللونية اندمجت وترابطت أعلى اللوحة لتغير من مفهوم الجسد الإنساني لدى المتقلي، وتحوله إلى تكوين لوني جمالي اعتمد على حركة الخطوط التي فككها الفنان من الجسد وقام بتركيبها من جديد. وفي عمل آخر نشعر وكأننا أمام عازف موسيقي، ساقيه في واجهة اللوحة، ومن جانبها يمسك بيده آلته الموسيقية، أما عن باقي الجسد فهو يغوص وتمحى تفاصيله داخل التكوينات اللونية التي شكلت العمل ككل. بينما نجد بناء الجسد الإنساني واضح في لوحة أخرى؛ حيث يرسم الفنان مجموعات لونية مسطحة غير ممتزجة تقوم ببناء جسد إنساني يبدو وكأنه جالس كتماثيل المصري القديم الذي استبدل فيها الرئيس بأحد الكباش. وفي لوحات أخرى نستشعر وكأن الفنان حلل الإنسان من شكله الخارجي ولم يبق سوى عظامه؛ حيث نجد التكوينات اللونية وكأنها تعيد صياغة هذا العظم البشري في تكوين جمالي جديد. والجميل في تلك اللوحات أن الفنان جريء في استخدام اللون، فهو لم يغشى استخدام الألوان الأساسية بصراحتها ووضوحها في عمل واحد، كالأصفر والأحمر والأزرق، والغريب أنه يصالح تلك الألوان على سطح اللوحة فلم تظهر متنافرة بل تكون بمثابة راحة للعين حينما تقع عليا. والفنان اعتمد في أعماله على التعبير عن الواقع وإعادة صياغته بطرق مختلفة عن طريقة تفكيكه وتجميعه من جديد ليخلقه بطريقته الخاصة، فهو يخرج عن الإطار الرئيسي للتكوين لبناء هيكل جديد للعناصر الطبيعية، التي تناولها في العديد من الاسكتشات للعنصر الواحد، ثم قام بدمج هذه الاسكتشات لعمل نمط جديد للصياغة يعبر عن رؤيته الجديدة للعالم، معتمدا على تناقضات اللون والتي يطرحها بشكل مسطح وتناغمه مع بناء العمل وعلاقته بالمساحات. يذكر أن الفنان محمد المصري سيشارك في الدورة الخامسة من بينالي "بكين" في نهاية شهر سبتمبر الجاري، وسوف يقدم عملا واحدا في البينالي. كما سيشارك في بينالي "ايكوريا جيونبوك" الأول في كوريا في بداية أكتوبر المقبل، وسوف يقدم في هذا البينالي ثلاثة لوحات.