الشيشيني وتكوينات جديدة بين الطبيعة والإسلاميات محيط – رهام محمود تحت عنوان " أربعين سنة فن " عرضت الفنانة السكندرية د. نعيمة الشيشيني أعمالها في معرضها الاستيعادي في قاعة "إيزيس" بمتحف محمود مختار ، والفنانة أستاذ بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية وعضو الجماعة الدولية للفن الإسلامي الذي يعد محور إهتمامها، فقد نشرت فيه العديد من الأبحاث وأبحرت في أسراره وجمالياته. شمل المعرض مجموعة منتخبة من أعمالها التي استعرضت فيها مراحلها الفنية على مدى رحلتها بالحركة التشكيلية، والتي شاركت فيها بالعديد من المعارض الخاصة والدولية، كما مثلت مصر على الصعيد الدولي بمعرض الفن المصري المعاصر بالعديد من الدول "فرنسا – يوغوسلافيا – ألمانيا – أسبانيا – الأردن – النمسا – الهند – أوزبكستان ...." كما حصدت العديد من الجوائز من أبرزها وسام بدرجة فارس من فرنسا.
بدأت مراحل الفنانة بمرحلة " الطبيعة المتحركة " التي استمرت نحو عشر سنوات من عام 1969 وحتى عام 1979، والتي عرضت منها مجموعة من اللوحات التي رسمت خلالها بعض الأشخاص والزهور، التي صاغتها برؤيتها الخاصة والمميزة المعتمدة على إثراء اللوحة بتكوينات لونية غنائية. وفي مرحلتها الثانية التي استمرت تسع سنوات "1980 – 1989" وتسمى ب "رحلة الشكل مع ثقافة الشرق" بدأت الفنانة استخدامها للخطوط والكلمات والزخارف الإسلامية في أعمالها، والتي تظهرها بإحساس تجريد تعبيري متفرد معتمدا على المزاوجة بين تلك الخطوط وتكويناتها اللونية التي تسيطر على اللوحة، مما يجعلها لوحات تصويرية وليست خط عربي كما تعودنا أن نراها، فنجدها تحمل كل القيم الفنية التشكيلية التي يجب أن تستوفيها اللوحة، وتبرز خلالها الكلمات أو الأحرف الإسلامية التي تتشكل من نسيج الألوان في بنائيات تأخذنا إلى عالم يبدو صوفيا ، إلا أنه يحمل مجموعة لونية خاصة جدا مهتمة فيه الفنانة بالملمس اللوني الذي نستشعره في جميع لوحاتها. " رحلة أخرى إلى الشرق " هو عنوان المرحلة الثالثة للفنانة التي استغرقت خمس سنوات منذ عام 1990 وحتى 1995، والتي عرضت منها بعض اللوحات في المعرض، والتي ظهر فيها الملمس بشكل أعمق في اللوحات ممتزجا بروح الطبيعة التي غنت بها اللوحة من أزهار وأغصان متشابكة وأماكن خضراء في حوار لوني غنائي يحمل إيقاعات خطية تعكس مدى عشق الفنانة للتاريخ والتراث الإسلامي الذي ينبع من بين ثنايا اللوحة وكأنه تواشيح إسلامية. عادت الفنانة نعيمة الشيشيني في مرحلتها الرابعة إلى " انتصار الطبيعة " والتي امتدت أربع سنوات من عام 1996 وحتى عام 2000، حيث بلورت الفنانة إحساسها بالطبيعة وقدمت لوحات تحتفي بالأزهار والنباتات وتشابك الأغصان والصيف والربيع والخريف، وذلك حينما عادت من رحلاتها من بلاد الشرق الأقصى الغنية بالمشاهد الطبيعية الثرية الملهمة للفنان. أما عن المرحلة الأخيرة للفنانة فهي مرحلة "الوجد" والتي استمرت سبع سنوات منذ عام 2001 وحتى عام 2008، والتي أتقنت فيها استخدامها للخط العربي والأحرف وبعض الجمل الإسلامية، حيث برزت تلك الخطوط أكثر في بعض لوحات هذه المرحلة عن سابقيها، فنجدها تظهر أحيانا باللون الأزرق الدافئ، على خلفية لونية نارية ساخنة صفراء فاقعة اللون ذات إيقاعات لينة، مما يجعلها أكثر وضوحا، كما تتناثر الأحرف في بعض اللوحات الأخرى على تكوينات الفنانة اللونية التي تشكل خلفية اللوحة ولكنها رسمتها مجردة بشكل أكبر، مما يظهرها وكأنها ذائبة الملامح تسبح في نسيج اللوحة. قال عنها الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية أنها فنانة تعتمد على لغة اللون وعلاقاته وبنائياته التي لا تخلو من توهج وطاقات جمالية شديدة الحبكة الفنية. كما أشار الناقد محمود بقشيش إلى أنه يغلب على تكويناتها الاتجاه إلى المساحات والخطوط الأفقية، فتكاد تحتوي على مساحات أفقية أساسية حيث تأخذ المساحة الوسطى دور الارتكاز المحوري للوحة. بينما أوضح كمال الجويلي شيخ النقاد أن أعمال الفنانة يمكن أن نطلق عليها "التجريد الموضوعي" فهي تعكس رؤية ثقافية تختلط بحس رقيق في محاولة للتعبير عما يعتمل بأعماق الذات في صدق .. مشاعر مختزنة تنساب.. صراع التضاد.. اللون يتصارع.. لونان كأنهما في حلبة.. موجة تصد موجة.. أو تحتويها. كما ذكر الفنان د. فاروق وهبة أن تجربة الفنانة مع نهاية الثمانينات تنصب في الإثراء اللوني ونسج السطح بحركة الفرشاة من خلال استيحاء أشكال من التاريخ ومن عبق الماضي، انتهت بأعمال جرافيكية على الورق للمحات من الإسكندرية القديمة. كما قال عنها الفنان د. مصطفى عبد المعطي: في أعمالها الأخيرة إنما هي صدى لرحلاتها إلى بلاد الشرق الأقصى، حيث وقعت أسيرة في حب الطبيعة هناك. رأت في الطبيعة الشيء المختلف عن طبيعة كثير من بلاد زارتها شرقا وغربا. وبشفافية الطفولة التي لازالت تسكن الفنانة تركت لعينيها وأحاسيسها العنان للانطلاق لارتشاف كل هذا الجمال الخاص. وأخيرا نوه الفنان د. مصطفى الرزاز بأنه: تتضح في أعمال الفنانة نعيمة الشيشيني آثار واضحة لفن الصباغة الشرقية "الباتيك" بتأثيراته اللونية والملمسية والشكلية المميزة، وهي تستخدم طرقا مغايرة للمصورين التقليديين في نقل المؤثرات اللونية على سطوح اللوحات القماشية البيضاء ك"النطر، والتسييل" بالألوان. من لوحات المعرض ...