في تعليق لها على رد فعل الشارع المصري على النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية ذكرت وكالة أنباء نوفوستي الروسية اليوم أن الأكثر غرابة من نتائج هذه الانتخابات هي ردود فعل قوى الثورة التي اعتبرت احتلال المرشح أحمد شفيق المرتبة الثانية في عدد الأصوات كارثة وطنية تهدد مستقبل الثورة وإنجازاتها. وقالت الوكالة انه رغم المفاجأة الثقيلة التي حققها أحمد شفيق في الجولة الأولى، إلا أن حسابات الجولة الثانية لا تعطيه حظوظا واقعية لتكرار المفاجأة، لأنه حصل على سقف ما يمكن أن تعطيه له الماكينة الانتخابية التي تقف خلفه، ولأنه سيواجه بحاجز صد قوي من تحالف عريض مع "الإخوان المسلمين" يمتد قوسه من أقصى اليمين (السلفيين) إلى قطاعات واسعة من الليبراليين والقوميين واليساريين، الذين وضعوا بين خيارين أحلاهما مر في المفاضلة بين محمد مرسي وأحمد شفيق.
وأردفت الوكالة تقول ان الاخوان المسلمين - على عكس ما يظنه كثيرون - قد أراحهم وصول شفيق إلى جانب مرسي للجولة الثانية، فبغير ذلك لم يكونوا يحلمون بأن تتداعى قوى الثورة للاصطفاف معهم، وربما لو استكمل المرشح حمدين صباحي مفاجأته باحتلال المركز الثاني لاختلفت الصورة تماما، بما يجعل من سقوط مرشح "الإخوان" احتمالا منطقيا، بتوجه غالبية أصوات الليبراليين والأقباط، التي حاز عليها أحمد شفيق وعمرو موسى، لانتخاب صباحي ، فضلا عن استفادة الأخير من التصويت الاحتجاجي، لأعضاء ومناصري "الحزب الوطني" المنحل، على مرشح "الإخوان".
ومضت الوكالة تقول انه بالنظر إلى مجريات الثورة بعد سقوط مبارك، سنجد ان الثورة فقدت قوة دفعها، وكأن هدفها الوحيد هو إسقاط نظام الحكم السابق، دون الاخذ في الاعتبار بقوة وتأثير شبكة المصالح التي بناها على امتداد أكثر من أربعين عاما، وان هناك الكثير من التداعيات السلبية للأخطاء التي ارتكبها "الإخوان المسلمون" على وجه الخصوص، والنماذج التي قدموها في إدارة الصراع مع المجلس العسكري الحاكم، وتوجهاتهم في مجلس الشعب المنتخب، وإصرارهم على مصادرة أدوار الشركاء الذين سبقوهم في الانضمام إلى صفوف الثورة وتمليكها عنصر التنظيم . وذكرت الوكالة ان جماعة الاخوان المسلمين خذلت قطاعات واسعة من المصريين بصفقاتها مع المجلس العسكري، ونكثها بالوعود، ففي الانتخابات البرلمانية تعهد "الإخوان" بأن لا يرشحوا أكثر من ثلاثين بالمائة من أعضاء مجلس الشعب، وتعهدوا بعدها بألا يقدموا مرشحا للانتخابات الرئاسية، لكنهم لم يفوا بعهدهم، وراحوا يعملون على احتكار كل مفاصل السلطة، رئاسة الجمهورية والوزراء ومجلس الشعب، لإعادة انتاج نظام شمولي -بصبغة إخوانية- يرث النظام الشمولي لمبارك. والحال أن نتائج انتخابات الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لم تخالف المنطق، إنما جاءت لتصويب مسيرة الثورة المصرية، واستئنافها من النقطة التي توقفت فيها، وعلى الجميع أن يتعلم الدرس، وفي مقدمتهم "الاخوان المسلمين"، فنتائج صناديق الاقتراع عبرت عن واقع المجتمع المصري في بحثه عن نظام سياسي جديد، لا يكون فيه ل"الإخوان المسلمين" والسلفيين اليد الأطول. وأوضحت الوكالة ان احتلال المرشح حمدين صباحي المركز الثالث بجدارة، بما عكسه من قوة التيار اليساري، يرسم إطار النقطة التي يجب أن تستأنف منها الثورة، ببلورة توافق وطني عام يبدد الهواجس بين القوى المحركة لها، ويبعث الطمأنينة في نفوس كل المصريين، إلى أن ثورتهم في الطريق الصحيح نحو ببناء دولة مدنية ديمقراطية يضمن دستورها المساواة في المواطنة، والحقوق الأساسية السياسية والاجتماعية للمواطنين مع التأكيد على أن تغيير منظومة المفاهيم والقيم التي غرست في عهود القمع والاستبداد قد يستغرق وقتا طويلا، ستتخلله صراعات كي يدب التغيير على الأرض كظاهرة نوعية وعامة، تفرض نفسها على بنية النظام السياسي والمنظومة الكلية للمجتمع.