اعتبر الكاتب الإيطالي الراحل أنطونيو تابوكى، في آخر حواراته الصحفية، أن الهدف من الكتابة هو ترويض الموت على نحو أو آخر. ووسط تأبين الصحافة الثقافية الغربية لهذا الكاتب الكبير، نقلت أكثر من صحيفة عن تابوكي قوله في سياق حوار مستفيض مع "المجلة الأدبية الفرنسية": "لا أعلق آمالا على الخلود"، مضيفا، أن "الخوف هو الوقود لمحرك الكتابة"، وذهب إلى أنه أصبح كاتبا بالمصادفة، وبسبب الشعور بالضجر، ورأى أنه "إذا كان الكاتب يجني ألوانا من المعاناة بسبب الكتابة، فإنه يجني منها أيضا مسرات وملذات عظيمة".
وأضاف، "ربما تعتبر حياتنا في العمق بحثا عن ذواتنا، والسرد وسيلة لفهم من نحن وما ننشده ونسعى إليه، فالحياة غير مفهومة، ومن هنا نشعر بالحاجة لمنحها قالبا سرديا منطقيا يربط الأحداث ويخلق معنى".
ويحدد النقاد ملامح كتابات تابوكي في السرد الحداثي المتشظي وتفكيك أوصال الحكي ونزعة غرائبية مع نبرة غنائية تعكس ولعه كروائي بالشعر، واهتمام بالزمن كعنصر محوري، فيما وصفت روايته "تريستانو يحتضر"، بأنها تحفة تجسد هذه الخصائص المميزة.
وشكلت إيطاليا المصدر الأساسي للكتابة الروائية لهذا الأديب، الذي عرف أيضا بحبه للبرتغال بسبب شغفه بكتابات المبدع البرتغالي فيرناندو بيسوا، حتى إنه تعلم اللغة البرتغالية لترجمة أعمال بيسوا للإيطالية، ومنها قصيدته "دكان التبغ".
وكان تابوكي قد توفي مؤخرا بالبرتغال عن عمر ناهز ال68 عاما، بعد مسيرة إبداعية بدأت بروايته "ساحة إيطاليا" التي صدرت عام 1975 لتتوالى أعماله التي بلغ عددها 30 رواية.
وتزوج تابوكي من سيدة برتغالية، وكان قد شغل منصب مدير المركز الثقافي الإيطالي في لشبونة في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، لتتوزع حياته ما بين إيطاليا والبرتغال.
وأكد تابوكى، الذي كتب بالبرتغالية رواية "صلاة لراحة الموتى"، أن لكل لغة كينونتها وسياقها المغاير، ومن ثم فإنه عندما كتب بالبرتغالية كان يكتب بذاته الأخرى، فهو ليس الشخص نفسه عندما يكتب بالإيطالية والبرتغالية معا".
ويوصف تابوكى بأنه "مثقف عضوي وكاتب ملتزم وصاحب مواقف سياسية احتجاجية"، وهو كان من أشد خصوم رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني بتوجهاته الرأسمالية المتوحشة، بقدر ما عبرت مواقفه الاحتجاجية عن خلاف مع كتاب آخرين، مثل أمبرتو إيكو حول دور المثقف، حيث ذهب الأخير إلى أنه "على المثقف أن يصمت".
وفيما جاءت روايته الأخيرة بعنوان "الزمن يشيخ بسرعة"، قال تابوكى: "ربما يكتب المرء لأنه يهاب الموت، غير أنه بوسعنا أن نقول أيضا إننا نكتب لأننا نهاب الحياة.. أخاف من الأشخاص الذين لا يشعرون بالخوف، وأفضل الأشخاص الذين يخافون لأن الخوف إنساني".