أنطونيو تابوكى اعترف تابوكي في إحدي المقابلات: »أحلم عادة باللغة البرتغالية«. الروائي الإيطالي والمغرم بالشاعر بيسوا وبلشبونة وبأرض البرتغال وبلغتها، لم يحرمه القدر من أن يودّع العالم من المكان الذي أحبه. صباح الأحد الماضي، وفي سن الثامنة والستين، رحل تابوكي بمرض السرطان في مستشفي الصليب الأحمر بلشبونة، محاطاً بأصدقائه البرتغاليين والإسبان والفرنسيين والإيطاليين. ولم تتوقف النشرات الإخبارية البرتغالية وإذاعات الراديو والجرائد الإليكترونية عن نقل خبر الوفاة ومتابعته، وبث مقاطع من لقاءاته بالتليفزيون البرتغالي. كان تابوكي يقول دائماً: »عندي بيت في لشبونة، وزوجتي برتغالية، وعائلتي نصفها إيطالي ونصفها برتغالي«. نصفه الإيطالي أيضاً نقل خبر الموت بحزن عميق. لقد كان تابوكي بالنسبة لكثير من الشباب الإيطاليين أول علاقة لهم بالأدب. يقول تابوكي: «ولدتُ في 24 سبتمبر عام 1943. في تلك الليلة بدأ الأمريكان في قصف بيزا لتحريرها من النازيين. كان أبي قد جاء إلي هنا فوق دراجة تحملني أنا وأمي، وكان أجدادي يعيشون في نفس المكان». تُرجم تابوكي إلي 40 لغة، وكان الكاتب الإيطالي الأكثر شهرة بالخارج، وفخر إيطاليا التي لم يكن فخوراً بها بشكل كبير بسبب سيلفيو بيرلسكوني. كان تابوكي، بالإضافة لكونه مؤلف أعمال لا تُنسي -مثل «بيريرا يدعي» »سيدة بورتو بيم» «ليلة هندية»- كان أشياءً كثيرة أخري. في إيطاليا، علي سبيل المثال، كان نشيطاً بشكل ملحوظ وشغوفاً بالشأن السياسي وكان منظِّراً لامعاً. وفي السنوات الأخيرة، كان بيرلسكوني عدوه الأكبر. حتي أن مقاله الأخير لجريدة الباييس، والذي توافق مع سقوط رئيس الوزراء السابق، كان عنوانه «فك إيطاليا من بيرلسكوني»، وبدأه هكذا: «الأسواق الأوروبية تودع سيلفيو بيرلسكوني. كم هو مريح أن نعرف أن حيواناً هكذا سيرحل عن الحياة العامة. غير أنه ليس من السهل تخلص إيطاليا من بيرلسكوني تماماً ولا القضاء علي الميكروب الذي نشره في كل أوروبا». كان تابوكي يعرف دائماً مكانه. وفي لقاء له بالكاتب مانويل ريباس، ورداً علي سؤال: ألا تشعر أنك خارج اللغة لبعدك عن التكنولوجيا الحديثة؟، قال: » البقاء خارج اللعبة وضع يناسبني. ففي الحقيقة، كل الكُتّاب خارج اللعبة قليلاً، وأكثرهم بعداً هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يشغلون المركز «. تابوكي.. مترجم بيسوا قام تابوكي بدراسة أعظم شاعر برتغالي، فرناندو بيسوا، وترجمه إلي الإيطالية، وحوّله كذلك إلي بطل خيالي في بعض كتاباته. قال فرنسيسكو جوزيه فيجاس، الأمين العام للثقافة البرتغالية: «لم يكن تابوكي فقط صديقاً حميماً للشبونة، بل أيضاً لأدبنا، إنه من نشر بيسوا، وكان أكثر الإيطاليين برتغالية». في روايته «بيريرا يدعي»، أشهر أعماله، يحكي قصة صحفي حزين ووحيد، مدمن للأومليت ولحبات القهوة اللشبونية الناعمة التي يقرر اللعب بها ذات يوم ضد ديكتاتورية سالازار. ولم يقتصر نشاط تابوكي علي الأدب، بل ساند بشكل واضح ماريو سواريس في الانتخابات الرئاسية الجمهورية. وفي عام 2004 حصل علي جنسية دولة كان بالفعل ينتمي إليها منذ سنوات كثيرة مضت، ربما منذ اكتشف في شبابه انبهاره بأعمال بيسوا وقرر أن يتعلم البرتغالية ليتمكن من قراءة كتبه بلغتها الأصلية.
عقب وفاة تابوكي مباشرة، أعلنت دار بيسوا بلشبونة أنها ستخصص الثاني من أبريل القادم لتكريم الكاتب، وستنظم قراءة لكتابه الأخير الذي كتبه بالبرتغالية مباشرة. وفي النهاية، دُفن تابوكي في مدافن برازيرس بشمال لشبونة، حيث دُفن في نفس المكان، عام 1935، فرناندو بيسوا.