يدلي الجزائريون اليوم الخميس بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية، التي تتعهد الحكومة بأن تكون نزيهة. ومن المقرر ان يشارك في تلك الانتخابات اكثر من واحد وعشرين مليون ناخب لاختيار أربعمائة واثنين وستين مرشحا.
ويعتقد معظم المراقبين ان نسبة الاقبال على التصويت في هذه الانتخابات أهم بكثير من نتيجتها الفعلية وعدد المقاعد التي سيحصل عليها كل من الأربعة واربعين حزبا المتنافسة.
وبلغت نسبة الاقبال في الانتخابات التي جرت عام 2007 نحو 35 بالمائة، وطوال الاشهر الماضية ناشدت الحكومة الجزائرية والرئيس عبد العزيز بوتفليقة الجزائريين الادلاء بأصواتهم.
دعوات للمقاطعة
ويقاطع هذه الانتخابات حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني، مقابل مشاركة غريمه السياسي التقليدي في منطقة القبائل، حزب جبهة القوى الاشتراكية بزعامة حسين آيت أحمد.
كما دعت جبهة الإسلامية للإنقاذ المُحلّة، بقيادة شيخها عباسي مدني ونائبه علي بن حاج، إلى إلغاء هذه الانتخابات التي كانت دعت قبل أيام إلى مقاطعتها.
ويشارك حزب الرئيس بوتفليقة، جبهة التحرير الوطني، في هذه الانتخابات وسط انقسام داخلي في صفوفه، بين مؤيدين للأمين العام عبدالعزيز بلخادم ومعارضين له.
أما حليفه في الحكومة حزب التجمع الوطني الديمقراطي بزعامة رئيس الوزراء أحمد أويحيى فيدخل الانتخابات النيابية بصفوف مرصوصة. وتشهد هذه الانتخابات تنافساً قوياً ليس بين الأحزاب المشاركة فحسب، بل حتى على مستوى الجنس، إذ لم تعد المرأة ورقة بين المرشحين بعدما تحولت مهمتها من المشاركة إلى الترشح وصنع القرار.
ويبدو أن قانون تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة دفع الأحزاب الجزائرية إلى البحث عن مرشحات للانتخابات حتى تتطابق قوائمهم مع القانون الجديد ولا يتم رفضها، بعد أن كان الطلب على المرأة في السابق ناخبة فقط، في حين تشارك في هذه الانتخابات 7647 مترشحة من بين 25 ألفاً و800 مرشح يتنافسون على 462 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى في البرلمان).
ودعا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مطلع الشهر الجاري النساء إلى "المشاركة في الانتخابات وإثبات وجودهن، خاصة أن الظروف أصبحت مؤاتية حاليا أكثر من أي وقت مضى لتجسيد طموحاتهن".
موقف مزدوج
لكن المرأة في الحقيقة تخضع إلى موقف مزدوج من الدولة ذات النظام الجمهوري الذي ينص دستورها على أن الاسلام هو دين الدولة، حيث إن الكثير من النساء يشغلن مناصب عليا في الإدارة أو كقاضيات أو وزيرات، حتى إن إحداهن تحمل رتبة جنرال في الجيش، لكنهن لا يملكن حق السلطة الأبوية كالرجال.
ويساوي صوت المرأة في البرلمان صوت الرجل، وهي تسهم في المصادقة على القوانين، غير أن الداعين الى تطبيق الشريعة الإسلامية يريدون أن تصبح شهادة المرأة أمام القضاء تساوي نصف شهادة الرجل.
ومضى الربيع العربي دون المرور على الجزائر، ولكن بينما أدى ثراء الدولة الغنية بالنفط والموارد إلى تجنب وقوع اضطرابات، إلا أن ثقة الجزائريين في العملية السياسية ضعيفة.
وقال حامد بوشنة وهو خريج هندسة الكترونية عاطل عن العمل :"جميع الاحزاب متطابقة، ممتلئة بالفاسدين".
وتعهد الرئيس الجزائري بإجراء اصلاحات وانتخابات نزيهة يشرف عليها مراقبون أجانب في محاولة لتهدئة الشعب الغاضب.
ولكن الاسابيع الثلاثة الخاصة بالحملة الانتخابية تميزت بالاقبال الضعيف على التجمعات الانتخابية، مما يشير إلى ان الجزائريين لا يصدقون وعود التغيير.
حكومي اسلامي
ويتوقع ان تكون نتيجة التصويت تشكيل برلمان منقسم بين الاحزاب الحكومية وتحالف اسلامي واحزاب متفرقة أخرى.
ويعتقد الكثير من المراقبين إن بوتفليقة سيقوم اثر ذلك بتشكيل حكومة وحدة وطنية من الاحزاب الرئيسية لتطبيق جدول الاصلاحات.
وبعد ان رحبت الجزائر في بادئ الامر بمراقبين من الاتحاد الاوروبي والاتحاد الافريقي، منعت الحكومة الجزائرية المراقبين من الحصول على قوائم الناخبين وحذرتهم من الانتقاد الزائد للانتخابات.
وفي حملتهم الانتخابية حاول زعماء الحزبين الرئيسيين في الحكومة تصوير الربيع العربي على أنه سبب للفوضى في المنطقة.
وقال رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى والامين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي "الربيع العربي بالنسبة لي كارثة. لسنا في حاجة إلى دروس من الخارج. ربيعنا جزائري وثورتنا هي ثورة الاول من نوفمبر 1956". لمسة دينية
وقد ابتعدت انتخابات البرلمان الجزائري عن إطارها السياسي ليغلب عليها الجانب الديني، تجلى في "فتاوى رسمية" وأخرى غير رسمية تصف الانتخاب بمثابة "شهادة لا يجوز كتمانها"، في مقابل ذلك، يقول رأي ديني آخر إن الانتخاب موقف يبنى على حرية الاختيار، بين التصويت والعزوف عنه.
وانتهت حملة انتخابات البرلمان الأحد، بخروج قادة الأحزاب ال44 المشاركة في المنافسة لإقناع الجزائريين بوعودهم. ولوحظ بروز "لمسة دينية" على الانتخابات منذ انطلاق الحملة قبل ثلاثة أسابيع، المغزى منها الدفع إلى التصويت بأعداد كبيرة اليوم والرد على جزء من المعارضة التي تدعو إلى مقاطعة الاستحقاق.
وقال وزير الشئون الدينية والأوقاف بوعبدالله غلام الله، للإذاعة الحكومية :"إن المتخاذلين هم من يدعون إلى المقاطعة وهم منافقون ولا يصح أن يبنى بهم المجتمع، ولا تستطيع أن تعقد شراكة مع المنافق. والغياب عن الانتخاب ليس موقفا، وإنما هو تهرب من المسئولية لا يليق بالإنسان الذي يحترم نفسه". وبدا الوزير متشددا حيال دعاة ما يعرف اختصارا ب"المقاطعة".
عزوف المواطنين
وأعرب رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات التشريعية الجزائرية محمد صديقي عن خشيته من تزايد عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات المقررة اليوم الخميس بنسبة تبلغ أكثر من 80% من المسجلين في الجداول الانتخابية والبالغ عددهم 21 مليونا في ظل وجود شرائح كبيرة من أفراد المجتمع تعيش حاليا تحت أوضاع اجتماعية صعبة بسبب عدم توفير وظائف عمل أو وحدات سكنية شعبية.
وقال صديقي ممثل حزب عهد 54 والذي تم انتخابه من أعضاء اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات التشريعية الجزائرية لرئاسة اللجنة أواخر فبراير الماضي - "من العوامل التي ستؤدي لعزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات القادمة هو حصول أعضاء البرلمان المنتخب عام 2007 على 370 ألف دينار أي ما يقرب من خمسة آلاف دولار شهريا كمكافآت على حضور الجلسات بينما أغلب الموظفين يتقاضون راتبا شهريا ما بين 150 دولارا إلى 200 دولار بالإضافة إلى الامتيازات التي يحصل عليها النائب مثل الحصانة وغيرها". وأوضح صديقي - في تصريحات لمراسل وكالة أنباء "الشرق الأوسط" بالجزائر- أن الأحزاب الجديدة التي تمت الموافقة على اعتمادها من قبل وزارة الداخلية خلال الشهور الأربع الماضية والبالغ عددها 22 حزبا لم تأخذ فرصتها كاملة لتعريف المواطنين ببرامجها خاصة وأن الإعلام الحكومي كان مغلقا طول السنوات الماضية أمام أحزاب المعارضة. تعزيزات أمنية
وكانت السلطات الأمنية الجزائرية قد عززت من إجراءاتها الأمنية فى أنحاء البلاد وذلك قبل 48 ساعة من إجراء الانتخابات التشريعية المقررة اليوم ، وهي الانتخابات التي تعد الأولي في الجزائر بعد ثورات الربيع العربي . ويتنافس في هذه الانتخابات 25 ألفا و 800 مرشح موزعين على 44 حزبا ، بالإضافة إلى المستقلين والذين ينافسون على 462 مقعدا.
وشملت التعزيزات الأمنية شملت نشر 60 ألف رجل أمن حول المقار الانتخابية فى جميع الولايات لتأمين عملية الانتخابات وتشديد الخناق على الجماعات الإرهابية التي تسعى لاغتنام فرصة وجود المراقبين الدوليين ووسائل الإعلام الأجنبية بالجزائر من أجل تنفيذ أعمال إجرامية بالعاصمة أو في مختلف أنحاء الوطن.
وشملت الخطة الأمنية إلغاء أجازات ضباط وأفراد الشرطة وتوجيه تعليمات صارمة لأفراد الجيش والدرك الوطني لأخذ أقصى درجات اليقظة واتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لإحباط أي هجمات إرهابية محتملة.