عرف الجمهور الفنان سيد عبد الكريم فى بداية الثمانينيات عندما قدم دور"زعفرانى"، الزراع اليمنى لرئيس العصابة رشوان بك "جميل راتب" فى مسلسل أحلام الفتى الطائر الذي كتبة السيناريست وحيد حامد وأخرجه المخرج محمد فاضل ولعب دور البطولة فيه الفنان عادل أمام مع نخبه من النجوم ، توفيق الدقن وعمر الحريري وصلاح منصور وأمينة رزق وعلي الشريف وزيزي مصطفي ورجاء الجداوي وآخرين .. كان هذا هو الظهور الأول للفنانة سوسن بدر والدور الأبرز للراحل سيد عبد الكريم ، الذي أهلته ملامحه وبنيته الجسدية للقيام بدور الرجل القوي في عصابة التصفية الجسدية وتهريب الأموال . لفت الفنان الأنظار بسرعة فكرر الشخصية في أكثر من عمل بأشكال مختلفة كان لكل منها مذاق خاص ، فلم يستسلم للتشابه وجعل يطور من أدائه في كل مره إلي أن جاءته الفرصة الحقيقية في مسلسل " ليالي الحلمية " مع المخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ الذي أسند إليه مهمة أداء شخصيه محورية غاية في الأهمية هي شخصية المعلم زينهم السماحي في سيناريو كتبه الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة الملقب بنجيب محفوظ الدراما التليفزيونية والذي قال في شهادة له عن سيد عبد الكريم أنه كان بالفعل المعلم زينهم بلا زيادة أو نقصان ، بما يعني أن الصورة المتخيلة في ذهن عكاشة هي ذاتها التي جسدها الممثل القدير لحماً ودماً .. وقد استمرت الشخصية بثرائها طويلاً في الجزء الأول وما تلاه وأثرت كثيراً في عقل ووجدان الجمهور لكونها تمثل فتونة ورجولة ووطنية المعلم إبن البلد ، حتي أنه عندما مات زينهم السماحي وخرج من سياق الأحداث بكي الملايين من الجمهور من فرط تعايشهم مع الشخصية وانفعالهم بها ولا أبالغ إذا قلت أن كثيرين من البسطاء أهملوا بقية حلقات المسلسل ولم يحرصوا علي متابعتها .. بهذا الصدق تكونت العلاقة بين الفنان وجمهوره وأزدادت حميمية في أعمال أخري كانت علي نفس المستوي كتبها أيضاً أسامة أنور عكاشة الذي كان شديد التفاؤل بعبد الكريم ومؤمن بموهبته إلي أقصي درجه . لقد اكتسب الراحل خبرات تراكمية جعلته الأقدر علي الإقناع والتقمص فبدا متوهجاً ناضجاً في علامة إضافية من علاماته الدراما ، شخصية المقدس " بشاي " حسبما أتذكر في مسلسل " خالتي صفية والدير " المأخوذ عن قصة الكاتب الروائي الكبير بهاء طاهر وهو القمص الذي يسكن الدير ويُظهر تعاطفاً قوياً مع أزمة صفية " بوسي " ويعبر بما يمتلكه من خصال إنسانية ثرية عن سماحة رجل الدين ويضرب مثالاً يحتذي في الوحدة الوطنية والخلق الكريم . ظلت الصورة الإيجابية للقس عالقة في أذهان الجمهور علي اختلاف دياناته واعتبرها النقاد الشخصية " الماستر سين " في رحلة سيد عبد الكريم الفنية فهي التي أفرغ فيها كل طاقاته الإبداعية وتغلب علي صعوبتها وأعطاها من جهده ووقته الكثير ، وبرغم هذا التفوق وتلك المقدرة للفنان والممثل الكبير في الدراما التليفزيونية ، إلا أن السينما لم تعطه حقه ولم تتعامل معه علي نفس المستوي من الأهمية ، وربما هذا ما ترك في قلبه غُصة وجعل الشك يساوره في عدالة الفرص ومعطيات الاستحقاق ، فلم يكن الأداء التمثيلي أصعب علي الشاشة الكبيرة بالنسبة لرجل مخضرم مثله ولكنه الحظ أبا أن يمنحه الفرصتين كاملتين في التليفزيون والسينما ، وكذلك كان المسرح أيضاً بخيلاً عليه وهو الأصدق إحساساً والأوفر موهبة ! في الفيلم الروائي القصير " الغرفة رقم 12 " أعيد اكتشافه من جديد فقد أدي دورة بإمتياز مع الفنانة سحر رامي ولطفي لبيب وأحمد صيام ففي خلال دقائق معدودة هي زمن المساحة المتاحة له في الفيلم القصير كان قد وضع بصمته بما لا يدع مجالاً للشك في أنه الأكفأ والأنسب لأداء الدور المركب المتمثل في رجل يعشق الوحدة ويقضي ساعات طويلة بمفردة في غرفته بالفندق يكتب رسائل إلي شخصية مجهولة ويطرح خطاباً إنسانياً بالغ الرقة . السيناريو المكتوب إستقاه الكاتب الروائي والسيناريست مكاوي سعيد من قصه لأديب نوبل نجيب محفوظ وقام بإخرجه كفيلم متميز المخرج عز الدين سعيد الذي كرر التجربة مع مكاوي في تجارب أخري سينمائية أُخذت قصصها أيضاً عن أدب محفوظ .. لو أن سيد عبد الكريم كان قد وجد من يقدر موهبته حق التقدير ويفتح له المجال الأوسع في السينما لأصبح علماً من أعلامها الذين نباهي بهم الأمم في المهرجانات الدولية والعالمية فهو ليس أقل ممن حصلوا علي بطولات مطلقة وجوائز كبري مادية وأدبية ، ولكن لا بأس فيكفيه ما تمتع به من الحب والثقة والإحترام .. عاش الفنان محباً لفنه مخلصاً لجمهوره ، قانعاً بما حققه وما تركه من رصيد قليل في الكم عظيم في الكيف .