منذ عشرين عاما عُرض فى المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى فيلم «ليه يا بنفسج»، أول أفلام المخرج الراحل رضوان الكاشف، وفى الندوة التى أعقبت العرض أثنينا جميعا على سيد عبد الكريم الشهير ب«زينهم السماحى»، وتوقع الكثيرون أن يحصل على جائزة عن دور «العربجى»، وليلة إعلان الجوائز سألنى: هل أحصل على جائزة؟ قلت له تستحق يا أستاذ، إلا أن المهرجان لا يمنح جائزة الدور الثانى.. أتذكر أننى كتبت عنه أنه يذكرنا بجينات استيفان روستى وزينات صدقى وعبد الفتاح القصرى، هؤلاء الذين لا يحصلون على البطولة، ولكن بعد نهاية عرض العمل الفنى يحتلون على خريطة مشاعرنا مكانة الأبطال. انتظرت أن يحتل مساحة أكبر على الشاشة الفضية، إلا أن الحقيقة هى أن الشاشة الكبيرة ظلت علاقته بها محدودة لا تتناسب مع حجم موهبته. شاهدناه مع يوسف شاهين فى «المهاجر» وعاطف الطيب فى «كتيبة الإعدام»، وساندرا نشأت فى «حرامية كى جى تو»، وبقدر ما اتسعت له قلوب الناس بقدر ما ضاقت الفرص المتاحة أمامه حتى جاء خبر رحيله، قبلها ربما بأسبوع واحد كنت أقرأ عن معاناته فى المستشفى، وكيف أن الإدارة ضنت عليه بالرعاية التى يستحقها كمواطن قبل أن يكون فنانا.
نسج سيد عبد الكريم علاقة دافئة مع الجمهور منذ دوره «زينهم السماحى» قبل ربع قرن، المعلم صاحب المقهى فى «ليالى الحلمية»، المسلسل الأشهر فى تاريخ الدراما المصرية، والذى أصاب الكثير من نجومه بلعنة النجاح الطاغى، حيث إن الناس لم تعد ترى نجومه إلا فى هذه الشخصيات.
الفنان صلاح السعدنى كان يأتى إلى الندوات التى تقام للمسلسل وهو يرتدى زى العمدة «سليمان غانم»، وكانت صفية العمرى قد وصلت إلى قمة نجاحها فى «نازك السلحدار»، ولم تستطع أن تعبر إلى آفاق أعلى بعد هذا الدور، وكان «زينهم السماحى» إحدى العلامات التى اخترقت صندوق التليفزيون، لتستقر فى وجداننا، باعتباره المعلم الشهم الجدع، ولهذا أعرب عبد الكريم عن حزنه عندما علم أن صديقه الكاتب الدرامى أسامة أنور عكاشة، لن يمد حلقاته فى الجزء الرابع من «ليالى الحلمية»، حيث قرر رحيله عن الحياة.
كان سيد عبد الكريم صاحب بصمة خاصة فى دور المعلم الذى أصيب بحالة من التنميط بعد المعلم «رضا»، الذى أدى هذا الدور قبل نحو نصف قرن.. كل من لعب شخصية المعلم بعد الفنان الراحل الكبير محمد رضا، كان مجرد صورة باهتة من «رضا»، بينما سيد عبد الكريم من خلال سيناريو عكاشة وإخراج إسماعيل عبد الحافظ، نسج رؤية أخرى، وكان لديه مفتاح مغاير صدّقه الناس.
ظل سيد عبد الكريم واحدا من الشخصيات الهامة والرئيسية التى يقدمها دائما أسامة أنور عكاشة فى كل أعماله الدرامية، وشاهدناه مع المخرج محمد فاضل فى «الراية البيضاء»، وجمال عبد الحميد فى «زيزينيا»، حتى «المصراوية» آخر أعمال أسامة للمخرج إسماعيل عبد الحافظ.. ورحل أسامة أنور عكاشة قبل عامين، و«كانت فجيعة، عبد الكريم» مضاعفة، فلقد فقد الصديق وفقد الكاتب الذى يعرف بالضبط كيف يرسم ملامحه على شاشة التليفزيون.
ورغم ذلك، فأنا لا أنسى دوره فى «أهل كايرو» للمخرج محمد على والكاتب بلال فضل، لعب شخصية التُربى، كان دورا صغيرا فى عدد مشاهده، ولكن سيد عبد الكريم منحه ألقا وعمقا.
أشعر دائما أن هناك عددا من الفنانين نضن عليهم بالضوء فى حياتهم، وهم بالتأكيد يستحقون منا أن نتوقف عند إبداعهم بالتحليل والنقد، ولا أعفى نفسى من المسؤولية.
د.عبد الكريم الأستاذ الجامعى الذى لم يترك موقعه فى السلك الأكاديمى، ولكنه لبّى نداء نداهة الفن، وهكذا درس فى معهد السينما، لكى يلم بتفاصيل الفيلم السينمائى، وكان طموحه الدفين هو الفن السابع، إلا أن السينما لم تضعه على خريطتها إلا قليلا.
عانى سيد عبد الكريم كثيرا فى السنوات الأخيرة عندما اكتشف أنه خارج الدائرة، وكان يعتز بكرامته فلم يطرق هو باب أحد، وهكذا مرت الأيام والسنوات الأخيرة ما بين مرض وتجاهل، لنقول وداعا للمعلم «زينهم السماحى».