للوقوف على جدية الاتهامات الموجهة لإيران حول سعيها لتصنيع سلاح نووي، يتطلب الأمر تقويما موضوعياً لجدية العداء بين إيران وإسرائيل الذي تحاول وسائل وسائل الإعلام في كلا البلدين تأكيده من ناحية، كما يتطلب تقويم مواقف الأطراف العالمية والإقليمية المعنية بهذا الموضوع من ناحية أخرى : أولا- موقف إيران:
إذا ما افترضنا أن الرسائل الإعلامية التي تبثها وسائل الإعلام في طهران وتل أبيب، تعكس (بصدق) الموقف العدائي المعلن لكل منهما نحو الأخرى، فهذا قد يعني- في نظر الإيرانيين أن عليهم بذل كل جهد ممكن وبأسرع وقت، للحصول على سلاح نووي.
ذلك أن إسرائيل تمتلك حالياً أسلحة نووية تقدر بما لا يقل عن مائتى رأس نووية، كما تمتلك صواريخ بعيدة المدى قادرة على نقل هذه الرءوس والوصول بها إلى كل مناطق إيران، ما يعطيها "خاصة" القدرة على المبادرة في ضرب إيران قبل أن تنجح في الحصول على سلاح نووي، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى تستطيع إسرائيل الإقدام على ارتكاب مثل هذا العمل تحت إغراء بعدها الجغرافي عن طهران، ما يعني أنها لا تتحسب من حدوث أية إشعاعات قد ترتد إليها نتيجة الجغرافيا. أضف إلى ذلك أن إسرائيل قد تعتقد بأن إيران سوف تفكر كثيراً، قبل أن تبادر بقصف إسرائيل بسلاح نووي في حال حصولها عليه، بسبب الأضرار التي ستلحق بدول الجوار العربية فضلاً عن الفلسطينيين، وليس إسرائيل وحدها.
ثانيا- موقف إسرائيل:
المعروف أن إسرائيل هي الكيان الوحيد الذي يمتلك ترسانة نووية في المنطقة، الأمر الذي يجرد أي قوة معادية لها من المخاطرة بشن حرب حاسمة عليها .. تستهدف إزالتها من المنطقة كما تدعو إيران. وهي تدرك أن تفردها بهذه الميزه يوفر لها جدارا صلداًً من الأمن والأمان، كما يمكنها من فرض أجندتها الخاصة بحل القضايا الخلافية العالقة بينها وبين محيطها العربي وبخاصة ما يتصل بحل القضية الفلسطينية.
فإذا ما قدر لإيران أو أي دولة عربية في المنطقة حصولها على سلاح نووي، فهذا يعنى تجريدها من هذه الخاصة .. ومن ثم تهديد طموحات الصهيونية العالمية في تحقيق هدفها الغائي الساعي لقيام الدولة اليهودية العالمية .. كما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون.
والمتابع للخطط والجهود التي تبذلها المنظمات الصهيونية على هذا الصعيد، يدرك أن إسرائيل تستغل تقاطع مصالحها مع الغرب في تنفيذ هذا الهدف إلى أبعد حد. ذلك أن هذا التقاطع يدعم طموحاتها في الهيمنة على المنطقة، وكذلك تحقيق هدفها الغائي .. بدئاً بالاستيلاء على فلسطين التاريخية (بعد طرد أهلها وتهجيرهم)، ومروراً بإقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، وانتهاءً بإقامة الدولة اليهودية العالمية التي نادت بها بروتوكولات حكماء صهيون.
لذلك فإن إسرائيل تبذل أقصى جهدها لمنع إيران من استخدام برنامجها النووي في تصنيع سلاح نووي، وذلك بتوجيه التهديد تلو الآخر بقصف المنشآت النووية الإيرانية من ناحية، وتأليب العالم الغربي عليها بدعوى أن سعي إيران لحيازة سلاح نووي .. يعرض إسرائيل والغرب والسلام العالمي للخطر من ناحية أخرى.
مواقف الدول العربية:
كثير من الشواهد توحي بأن الدول العربية منقسمة على نفسها في مسألة تقويم السياسة الإيرانية نحو إسرائيل من ناحية، ونحو الدول العربية وبخاصة الدول الخليجية من ناحية أخرى.
ففريق منها يرى أن هدف جمهورية إيران الإسلامية الرئيس في المنطقة هو نشر المذهب الشيعي، كما يرى أن إيران تتخذ من عدائها لإسرائيل ودعواتها المتكررة بضرورة إزالتها من المنطقة، الحجر الأساس في تنفيذ طموحاتها في نشر المذهب الشيعي فيها. ويدللون على ذلك بحرصها الشديد على أن تكون عاملاً رئيساً فيما يسمى بمحور المقاومة أو الممانعة الذي يضم كلأ من سوريا وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية إضافة لإيران بالطبع.
كما يرى هذا الفريق أن لإيران مطامع سياسية ومادية ومذهبية في دول الخليج العربية بخاصة، حيث تحتل حاليا جزراً إماراتية. كما تحاول إثارة القلاقل والإخلال بأمن هذه الدول .. عن طريق زرع ما يسمى بالخلايا النائمة التي يمكن أن تستخدمها كوسيلة للضغط على تلك الدول. والمعروف أن أعضاء هذه الخلايا هم من العرب الشيعة الذين يتمتعون بالمواطنة الكاملة في دولهم تماما مثل العرب السنة.
أما الفريق الثاني، فيرى أن تأييد أمريكا والغرب وإسرائيل لإجهاض البرنامج النووي الإيراني هو موقف عدائي للعرب. ويدللون على ذلك بأن المستفيد الوحيد من وقف البرنامج النووي الإيراني، هي إسرائيل التي تحرص على أن تكون الكيان الوحيد الذي يمتلك التكنولوجيا النووية فضلاً عن السلاح النووي في المنطقة.
فتفردها بهذا السلاح يؤمن لها الهيمنة على بلدان المنطقة، كما يعينها في فرض اجندتها الخاصة بحل القضايا الخلافية مع الدول العربية وبخاصة القضية الفلسطينية كما ذكرنا.
كذلك يرى هذا الفريق أن الادعاء بأن إيران تسعى لإقامة الدولة الفارسية أو نشر المذهب الشيعي في المنطقة، ينطوي على قدر من المغالاة الذي لا ينبغي أن يصل إلى حد الاصطفاف بجانب إسرائيل والغرب ضد إيران الإسلامية.
غير أن موقف إيران الراهن والداعم لنظام بشار الأسد في سوريا .. يعني- بشكل أو بآخر- تأييدها للجرائم التي يرتكبها بشار ونظامه بحق الشعب السوري الذي يطالب بحقوقه المشروعة التي حرم منها على يد نظام الأسدين طيلة أربعين عاماً ونيف. وهذا ما أدى لتنامي اتجاه ثالث يرى أن شبهة أهداف إيران المذهبية وأهدافها في الهيمنة على المنطقة، تتمتع بقدر لا يستهان به من الصواب.
وفي نظرنا، أن استمرار تأييد حكومة طهران لجرائم بشار، سيكون بمثابة القول الفصل في تقويم موقفها الحقيقي تجاه إسرائيل. وهذا قد يؤدي لعدم تصديق كل التصريحات الإيرانية التي تطلقها بشأن ضرورة زوال إسرائيل، وبشأن ادعائها الحرص على إقامة علاقات جيده مع بلدان المنطقة وبخاصة الخليجية منها.
ثالثاً- موقف الغرب:
انطلاقاً من حقيقة أن المصالح المشتركة هي التي تحكم العلاقات بين الدول، فإن ثمة أبعاداً ثلاثة تنتظم الموقف الغربي من مسألة امتلاك جمهورية إيران الإسلامية لسلاح نووي:
الأول- يتصل بدعم وجود إسرائيل في المنطقة بحكم تقاطع مصالح الغرب معها .. ذلك التقاطع الذي يجعل من إسرائيل الحارس الأمين على مصالحه في المنطقة.
الثاني- اتجاه مادي غربي يتمثل في تخوف الغرب من أي حراك سياسي أو ثوري يجتاح المنطقة العربية .. يمكن أن يؤدي لتعريض مصالحه للخطر وبخاصة البترولية منها .. (كما هو حاصل الآن في البلدان التي اجتاحتها رياح التغيير). ويتبنى هذا الاتجاه شركات النفط العالمية وأباطرة صناعة السلاح والرساميل الغربية والصناعات الثقيلة.
الثالث- اتجاه عقائدي يتبناه أولئك الذين يرون أن الحضارة الإسلامية، هي الخطر الداهم الذي يهدد وجود الحضارة الغربية، والذين يتخذون من الحرب على ما يسمى بالإرهاب، وسيلة للقضاء على قيم الحضارة الإسلامية ومبادئها.
وبغض النظر عن آراء فريق من الدول العربية في قيام جمهورية إيران الإسلامية .. وتحفظاته على طموحات طهران المذهبية والسياسية في المنطقة .. فإن نظرة الغرب نحو استمرار هذه الجمهورية، يعنى إمكان ريادتها لعمل إسلامي كوني يستهدف تدمير قيم الحضارة الغربية ومبادئها ،،،
،،، تلك الحضارة الغارقة في وحل المادية المفرطة التي جعلتها تعيش الآن مرحلة الاحتضار، على ما يقول المفكرون وفلاسفة التاريخ في الغرب أمثال شبنجلر وتوينبي وغيرهما من أصحاب النظريات الدائرية، التي تعنى بنشأة الحضارات الإنسانية وتطورها حتى مرحلة اضمحلالها وفنائها.
في ضوء ذلك .. نجد أن من الصعب على الغرب أن يقبل بحيازة إيران لسلاح نووي، طالما ظلت سياستها نحو الغرب وإسرائيل على النحو الذي هي عليه الآن. وحتى لو كان ثمة شك حول هذا القول، ففي اعتقادنا أن الغرب لا يريد للدول العربية والدول الإسلامية أن تمتلك التكنولوجيا النووية التي تمكنها من تنفيذ برامج إنمائية، يمكن أن تضر بمصالحه التجارية والصناعية إذا ما نجحت .. ناهيك عن سيادة أسلوب "الندية" التي يمكن أن تتوافر لدى الدول العربية والإسلامية في تعاملها مع الغرب، إذا ما نجحت في تصنيع أسلحة نووية.
ومهما يكن من أمر .. فأغلب الظن أن الإيرانيين يدركون أن ثباتهم على سياساتهم المعلنة نحو إسرائيل، وسعيهم ليكونوا دولة عظمى في المنطقة، يتطلب منهم المضي قدما في تطوير برنامجهم النووي بحيث يصبح قادراً على أنتاج أسلحة نووية، من شأنه أن ينهي تفرد إسرائيل بهذا النوع من السلاح، ولعل هذا هو سرٌّ الموقف الغربي المعارض لاستمرار البرنامج النووي الإيراني، الذي يؤكد الإيرانيون على أنه برنامج سلمي ليس إلاَّ.