استقال الدكتور عماد أبوغازي من الحكومة السابقة حين وجد أنها تصمت على قتل شباب الثورة . وهو اليوم يتحدث ل"محيط" عن أن أي حكومة ستأتي محكوم عليها بالفشل ما لم تتغير المنظومة التي يديرها المجلس العسكري . ويتساءل أبوغازي : كيف تتحكم فئة من المجتمع في صياغة دستوره كاملا ؟ ويؤكد على جانب آخر أنه لا ينوي قبول أي حقيبة وزارية مقبلة، مشيرا إلى أن واجبه وواجب المثقفين أصبح الدفاع عن الثورة والديمقراطية والحريات .. إلى نص الحوار
محيط : ما رأيك باللجنة التأسيسية لصياغة الدستور؟ - المشكلة ليست في اللجنة التأسيسية في حد ذاتها، بل في المسار الخاطئ الذي بدأ بالتعديلات الدستورية "المعيبة" التي وضعتها لجنة المستشار طارق ، ثم جاء الاستفتاء الذي لم يعرف المصريون على ماذا سيصوتون فيه تحديدا، بالإضافة لتشتيت الناس باستخدام الدين الذي لا دخل له بتعديلات الدستور . أيضاً المسار الخاطئ الذي نسير فيه جعلنا نجري الانتخابات النيابية أولاً قبل وضع الدستور، وجعل البرلمان يشكل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، لنجد أنفسنا نسير في مسار مقلوب، كان من الطبيعي أن يصل بنا إلى لجنة لا تحقق التوافق في المجتمع.
وبأية حال لا يمكن أن تتحكم الأغلبية في انتخاب الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، لأنها ليست إرادة الشعب، فالشعب اختار برلماناً ليحكم، لا ليصيغ دستوراً، لكننا فوجئنا بهذا البرلمان لا يمارس الحكم أو يشكل الحكومة، بل يريد صياغة الدستور، ولا يمكن للسلطة التي ينشئها الدستور أن تشكل الجمعية التي تصيغ الدستور!.
على الأغلبية في البرلمان وأعني حزب "الحرية والعدالة" أن يسعوا لتشكيل الحكومة، وأن يختاروا من يتحالف معهم من باقي الأحزاب، مثلما حدث في المغرب الذي يتحالف فيها الحزب الإسلامي مع الحزب الشيوعي، أما الدستور فيجب أن يتم عبر توافق الجميع ، وهو ما جرى في وثيقة السلمي التي شهدت هجوما كبيرا من الإسلاميين المناهضين لفكرة مدنية الدولة المصرية، كما رفضوا تأكيد المواد القانونية الدولية لحماية الحريات والحقوق . محيط : ما هي النتائج التي تتوقعها إذا صاغت اللجنة الحالية الدستور؟ - بالتأكيد النتيجة ستكون اضطراب الدولة ، لأنه بالأساس لن يكون دستورا يتوافق الجميع عليه . وحتى طرح الدستور للإستفتاء الشعبي لن يجعله شرعيا لأنه من قبل شهدنا عبدالناصر والسادات ومبارك يطرحون الدستور للإستفتاء الشعبي، وذلك لم يكن يعني أن الدستور يحقق الديمقراطية . لذا أظن أنه من الأجدر الاستفتاء على كل مادة من مواد الدستور على حدا . وأظن أنه من دلائل عدم توافق المجتمع على الدستور تلك الاستقالات من الأحزاب والشخصيات الوطنية، والوقفات الاحتجاجية أمام مجلس الدولة، والقضايا المرفوعة ضده ، لذا نرى أن المعركة بدأت من الآن. محيط : لو انتقلنا لعملك بالوزارة منذ شهور .. ما أبرز المشكلات التي واجهتك في واقعنا الثقافي ؟ - المركزية هي أبرز المشكلات، لأن القاهرة تستأثر بالنصيب الأكبر من الخدمات والأنشطة الثقافية، تليها المحافظات الكبرى، ثم الفتات يذهب للمواطنين في القرى والنجوع، وهو توزيع غير عادل، فرغم العدد الكبير لقصور الثقافة إلا أن نصفها مغلق، والقصور الباقية إما لا تعمل، أو تعمل ولكن ليس بالكفاءة المطلوبة، لأن الموازنات المخصصة لها لا تكفي.
فكيف ننفق على مهرجان السينما 7 مليون جنيه، في حين أن نصيب المواطن من الخدمات الثقافية 35 قرشاً فقط في السنة، وبالطبع لست ضد المهرجانات، لكن ما حاولت فعله أثناء وجودي في الوزارة هو توزيع تلك المهرجانات على المحافظات، والخروج بها خارج القاهرة، وأن تكون دعم الوزارة لها متوازن، أي لا تتعدر مساهمة الوزارة فيها نصف الميزانية المقررة للمهرجان.
كذلك تعاني المؤسسات الثقافية في مصر من التضخم الإداري، وهي مشكلة لا تختص بها وزارة الثقافة فقط، بل تخص الجهاز الإداري للدولة، فمثلاً هيئة قصور الثقافة بها 50 ألف موظف، وهناك بعض القطاعات يفوق عدد الموظفين بها عدد الفنيين، فمثلاً البيت الفني للمسرح به 750 موظف مالي وإداري مقابل 600 فنان فقط، بما يعني موظف وربع لكل فنان!
ويحتاج علاج هذا التضخم إلى سياسة طويلة المدى، ورؤية على مستوى الوطن، وأن تعمل الدولة على خلق فرص عمل حقيقة خارج الجهاز الإداري. المشكلة الأبرز كذلك غياب ديمقراطية الثقافة في مصر، منها ديمقراطية الإدارة، فيجب ألا ينفرد رؤساء الهيئات والمؤسسات الثقافية بإدارة مؤسساتهم، بل أن يتم ذلك عن طريق مجالس الإدارات، التي يجب ألا تتكون من موظفي الوزارة، بل أن يمثل بها الجماعات الثقافية والمجتمع المدني، وقد نجحنا في فعل ذلك جزئيا في عهد عصام شرف، وتم تكوين مجالس إدارات للهيئات التابعة للوزارة، ومجالس امناء للمتاحف، وكذلك إعادة تخصيص الموازنة.، فمثلاً مهرجان ليالي المحروسة الذي كان يقام كل عام بتكلفة ربع مليون جنيه في رمضان، تم توزيعه على محافظات مصر كلها.
محيط : هل تتوقع أن يكفل الدستور القادم حرية التعبير بالمطبوعات والأعمال الفنية ؟ - مسئوليتنا كمبدعين الدفاع عن حرية الإبداع والتعبير، فليس من حق الأغلبية مهما كانت ما تلقاه من دعم أن تصادر حرية التعبير والاعتقاد والحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي.
هي معركة المثقفين، وإن فشلنا فيها فسيأتي من يكمل الطريق بعدنا، فمصر طوال تاريخها تتعرض لحملات من هذا النوع، صحيح هي المرة الأولى التي تكون فيها الحملات مستندة إلى الدين بشكل واضح، ليحدث تزاوج بين الثروة والسلطة والمؤسسة الدينية، وهو ما يشكل خطراً حقيقياً، لكننا قادرون على المعركة.
محيط : هل ترى أن لجنة صياغة الدستور استبعدت المثقفين؟ - اللجنة لم تهمش المثقفين فقط، بل فعلت ذلك مع المسيحيين والنوبيين والمرأة والسيناوية، والقوى السياسية المختلفة، والشباب، فكيف يمكن أن يصيغ "العواجيز" السدتور، آن لدولة العواجيز التي سيطرت علينا منذ سنوات بعيدة أن ترحل، وتعطي فرصة للشباب، فرغم أن النظام الاستبدادي قائم منذ 60 عاما وأكثر، إلا أن الحلقة التي كانت تحيط بالمستبد الأكبر كانت تتغير، إلا أن في العقود الأخيرة أصبحت الصفوف الثانية والثالثة أيضاً من الكبار، فكيف يمكن أن يكون مرشحو الرئاسة الآن أعمارهم فوق السبعين، ورغم أنني لم أصل للستين بعد إلا أن جيلي عليه أن يفسح الطريق أمام الشباب فقد صادرنا الماضي والحاضر، وليس من المنطقي أن نصادر المستقبل. محيط : كيف تقيم أداء حكومة الجنزوري؟
- أداؤها ضعيف جدا، وعموما ما لم تتغير المعادلة السياسية في المجتمع ستفشل الحكومات، فهناك ثلاثة قوى في الشارع، هم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقوى الاسلام السياسي، والقوى الثورية، يجب أن يحدث توازن بين هذه القوى لتسير البلاد.
محيط : هل تقبل منصب الوزير في الحكومة القادمة؟ - لن أقبل إذا عرض علي المنصب، من جديد، رغم أنه لن يعرض، فمن المفترض أن الحكومة القادمة ستمثل الأغلبية وهم الإسلاميون، ومن حق الحكومة حينها أن تختار وزير ثقافة يعبر عنها، وفي حالة تشكبل وزارة ائتلافية، لن أدخل بها أيضاً لأنني غير منتم لأي حزب.
قمت بدوري فترة وجودي في الوزارة، وعلى الوزير القادم أن يكون من الشباب، فمثلا دكتور ثروت عكاشة كان وزيراً للثقافة في سن ما قبل الأربعين، وتوني بلير كان رئيس وزراء انجلترا في أوائل الأربعين من عمره.
محيط : كنت قريبا من فاروق حسني هل تسبب بسياساته في إفساد وزارة الثقافة؟
- لم يفسد "حسني" الوزارة، ومشكلات الثقافة ليس لتوليه الوزارة، بل لوجود ضعف في التمويل، ولحصار أنشطة الوزارة في مقارها، وعدم خروجها للخارج، والمسئول عن ذلك النظام الأمني، فإفساد الحياة الثقافية مسئول عنه أطراف عديدة منها مؤسسات التعليم والمؤسسات الدينية.
وقد استن حسني تقليداً لوزارة الثقافة منذ تولاها وهي تفويض جميع رؤساء الهيئات بسلطات الوزير كاملة، فقد كان كل منا وزير في موقعه، ولم يتدخل طوال سنوات عملي في المجلس العلى للثقافة في العمل الثقافي سوى بالدعم.
كما أن الوزارة ضمت اتجاهات مختلفة، فهناك أعضاء في الجزب الوطني، وهناك المحسوبين على المعارضة، ومنهم من تولى مناصب قيادية مثل د.فيصل يونس الذي تولى العلاقات الثقافية الخارجية وهو عضو في حركة 9 مارس. محيط : هل شعرت عند تقديمك الاستقالة أن الحكومة على وشك الإطاحة بها ؟ - حين قلت أنني جندي كانت مهمتي هي الدفاع عن الثورة والدفاع عن المواطنين وليس قتلهم، حين يقتل الشباب في الشارع لا يمكن الاستمرار في المشاركة في تلك الحكومة.
حين استقلت كانت الحكومة كلها مقررة أنها ستضع استقالتها تحت تصرف المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبت فيها، وتوقعنا أنها سترفض بنسبة كبيرة مثلما حدث في أحداث ماسبيرو، حين تطورت الأمور عصر اليوم وازداد عدد الشهداء إلى 19 شهيد، قررت أن يكون موقفي مستقل عن باقي أعضاء الحكومة، وأعلنت الاستقالة وقدمتها، وعدت إلى منزلي بعد أن مررت بميدان التحرير، وبالفعل رُفضت استقالة الحكومة لثلاثة أيام متتالية، فحين قدمت الاستقالة لم أكن أتوقع أن تقبل استقالة الحكومة.
محيط : ما الذي تستعد لتقديمه للمكتبة المصرية ؟ - كتاب أوشكت الانتهاء منه عن السياسة الثقافية، وأعرض فيه خلاصة تجربتي كوزير خلال 8 شهور، وهناك مشروعات لكتب أخرى، منها عن مصطفى النحاس، وثورة الشباب عام 1935.