مع بداية الربيع تهفو نفوسنا للزمن الجميل والرومانسية المفقودة وسط إيقاع العصر الصاخب والأحداث المتلاحقة التى أدت لتراكم طبقة من الصدأ على القلوب فأعمتها عن رؤية الجمال وقتلت معانى الحب الصادقة، ومن عشاق الزمن الجميل أ.د. حجاجى إبراهيم رئيس قسم الآثار بجامعة طنطا الحاصل على وسام فارس من رئيس إيطاليا فى الترميم والآثار حيث يطوف بنا فى عالم الرومانسية فى محاضرة عنوانها " مدخل إلى حضارة النوبة " أعدها للعرض والمناقشة فى مؤتمر آثار وثقافة النوبة الذى يستضيفه المجلس الأعلى للثقافة بساحة دار الأوبرا المصرية فى الفترة من 25 إلى 27 مارس. أنس الوجود
كان لأحد الوزراء العرب فى مصر ابنة جميلة تسمى زهرة الورد التقت صدفة مع فتى مصرى جميل يسمى " أنس الوجود " فأحبا بعضهما البعض لتكرار اللقاء ووصلت علاقتهما إلى والدها الذى كان يعمل عنده حبيب القلب، فخشى الفضيحة وأبعد الابنة العاشقة عن العاصمة وسجنها فى مكان حصين وكان هذا المكان هو معبد إيزيس بجزيرة الفنتين ( فيلة ) بأسوان، ولما طالت غيبتها ترك الفتى أنس قصر والدها الذى كان يعمل فيه وهام على وجهه يسأل كل من يلقاه من بشر وحيوانات فى الصحراء عن حبيبة قلبه، متنقلا من بلد إلى بلد.
وكان عطوفا على ما يلقاه ومن يلقاه مما جعل الحيوانات تأنس له ويذكرنا هذا بعلاقة مجنون ليلى بالحيوانات عند سؤاله عن محبوبته، وفى طوافه فى الصحراء أخبره أحد الرهبان أن حبيبته سجينة فى معبد إيزيس فوصل إلى الموقع حيث البناء الضخم المحاط بمياه النيل بتماسيحها التى تفصل بينه وبين جزيرة فيلة، ووقف الحبيب المشتاق يفكر فى طريقة إلى الوصول ولما شاهده كبير التماسيح ( سوبك ) على هذه الحالة رق له قلبه ونقله على ظهره للمعبد ومعه حيواناته المصاحبة له، ولما دخل المعبد أخبره طائر من الطيور أن حبيبته فتلت من ملابسها حبلا وتدلت به من حجرة سجنها من المعبد وهربت سرا، فأخذ الفتى يندب حظه العاثر وهام من جديد على وجهه إلى أن لقيها وتوسط أهل الخير فى إقناع والدها الوزير العربى لتزويجها إياه وبالفعل رضخ الوزير رغم الفوارق الاجتماعية بينه وبين عامله وزوج ابنته لأنس الذى كان يعمل يوما فى قصر بالعاصمة
معابد فيلة
وعن آثار معابد فيلة يصف د. حجاجى جزيرة الفانتين التى تقع أمام مدينة أسوان بأن صخورها جرانيتية مصقولة السطح، لونها أسود تشبه أقدام الفيل وسماها القدماء " أبو" وتعنى الفيل وسماها الإغريق الفانتين وسماها البعض الآخر بيلاق وبلاق، وتعرف أيضا بجزيرة أنس الوجود وكانت الفانتين منطقة محصنة ومركزا تجاريا بين أسوان والسودان وكان يستخرج من محاجرها الجرانيت وأطلق على قادتها أمراء الجنوب باسم حراس الباب الجنوبى وكان لها مكانة تجارية وعسكرية، وكانت جزيرة فيلة قبل عام 1903 قبل إنشاء خزان أسوان من أجمل الجزر ومن أقدم مبانيها مقصورة الملك طهارقا النوبى ثم مقصورة الملك النوبى نقتانبو الأول ثم مقصورة إيزيس والغريب ظهور إيزيس فى منطقة تقدس خنوم معبود الفانتين ( جزيرة أسوان ) أما المعبد الرئيسى فيرجع إلى العصر البطلمى
حضارة النوبة
يشير د. حجاجى لصفات أهل النوبة ومنها الحنين إلى موطن مهدهم والأمانة وعدم معرفة السرقة والصراحة والبساطة وحب الادخار والنظافة وحب السلام والتعاون مع أبناء عشيرتهم و الحماس للنوبية وهو يتحلون بها الآن وأن لغتهم من أصل نوبى حامى، تأثرت بالمصرية القديمة والقبطية واليونانية.
يضيف أنه لولا إنشاء سد أسوان وخزانه لم يكن لأحد الكشف عن مناطق الآثار ببلاد النوبة حيث كلف ماسبيرو مدير مصلحة الآثار المصرية آنذاك بعض مرؤوسيه بإعداد تقرير عن آثار بلاد النوبة ثم تلتها حفائر عام 1907 وعام 1929 بعدما غرق ما غرق بعد سنة 1912 ثم حفائر 1931 وحفائر 1934 وعندما فكر الرئيس جمال عبد الناصر فى إقامة السد العالى أوفدت مصلحة الآثار بعثة عام 1954 لحصر الأماكن التى يجب التنقيب فيها وتسجيل آثارها وتم البدء فى تسجيل معبدى أبى سمبل عام 1956 وفى عامى 1958 ، 1959 أجريت حفائر فى مقابر المنطقة لاسيما مقابر قسطل وبلانة وقامت جامعة الإسكندرية بحفائر فى عمدا عام 1959 م كما قامت جامعة القاهرة بحفائر فى غيبة عام 1960
وكشفت كل هذه الحفائر بالنوبة عن عمائر جنائزية منها جبانات ملكية ومقابر كهنة وكاهنات معابد فيلة و نهبت معظمها أما بعض مقابر الملوك فنجت من اللصوص بسبب المياه والرطوبة والأملاح التى دمرتها وفى عام 1931تم اكتشاف مقابر فخمة فى منطقة كيمان جحا معظم كنوزها فى المتحف المصرى ومن عادات الدفن لدى أهالى النوبة دفن الميت وبجوار مقبرته إناء من الفخار المملوء بالماء علاوة عن سعف النخيل الذى يغرس فى الأرض على الجانبين