أسدل الستار على الدورة السادسة من مهرجان عمّان السينمائى الدولى – أول فيلم، التى انعقدت فى العاصمة الأردنية من 2 إلى 10 يوليو الجارى، وسط إقبال جماهيرى غير مسبوق. الدورة الجديدة، التى حملت شعار «عالم خارج النص»، شكّلت محطة نضج وتوسّع حقيقى لتجربة المهرجان الذى انطلق قبل ست سنوات فقط، لكنه سرعان ما رسّخ مكانته كأحد أبرز المهرجانات العربية الداعمة لصناع الأفلام الجدد. شهدت الدورة عرض أكثر من 62 فيلمًا من 23 دولة، بينها 23 عرضًا أول فى المنطقة العربية، و16 عرضًا عالميًا أول، تنوعت بين أفلام روائية ووثائقية وقصيرة، إلى جانب 3 عروض مجانية فى البوليفارد - العبدلى، وبعض العروض خارج عمان. كما تميزت هذه الدورة بمشاركة قوية للأفلام الفلسطينية، بما فى ذلك ستة أفلام من غزة، عُرضت للمرة الأولى عالميًا، وقدمت شهادات مؤثرة عن صمود سكان القطاع فى ظل العدوان. وعلى صعيد المشاركة المصرية، حضرت بقوة من خلال أفلام ضمن المسابقات الرسمية ومشاركات مهنية فى ندوات وورش. كما شاركت مشاريع مصرية فى سوق الأفلام، ضمن أيام عمّان لصناع الأفلام. ندوات سينمائية بين الحاضر والماضى على مستوى النقاشات والحوارات، فقد تميّزت الدورة بندوات عميقة، منها جلسة خاصة مع المخرج الإيرلندى الكبير «جيم شيريدان»، الذى حل ضيفًا على المهرجان بمناسبة اختيار إيرلندا كبلد ضيف الشرف. فى الجلسة، التى أدارها المخرج المصرى «يسرى نصر الله»، تحدّث شيريدان عن تجربته الشخصية، مؤكدًا أن «الإبداع هو أن تقدم فكرتك وسط القيود من دون أن تفقد روحك»، مشددًا على أن المخرج لا يحتاج أن يسيطر بل أن يحب، وأن يتعامل مع الممثلين كأشخاص حقيقيين.
أما ندوة «فى وجه العاصفة: صناعة الأفلام فى زمن التقلبات الاقتصادية»، فناقشت واقع الإنتاج المستقل فى ظل التحديات الاقتصادية، وشارك فيها الأردنية «نجوى النجار»، والمصرى «حسام علوان»، واللبنانية «جيسيكا خورى». واتفق الحضور على أهمية إيجاد حلول إنتاجية محلية، وتوسيع التوزيع، والاستفادة من المنصات، مع التأكيد على ضرورة احتضان الأفلام المستقلة فى دور العرض.
أثارت بعض الأعمال تفاعلًا خاصًا لدى الجمهور والنقاد، ومنها الفيلم التونسى (الذرارى الحمر) للمخرج «لطفى عاشور»، الذى تناول فيه أول حادثة إرهابية ضد الأطفال فى تونس عام 2015. يقول «عاشور» ل«روزاليوسف»: «الفيلم ليس فقط عن الإرهاب كظاهرة، بل هو رحلة داخلية لطفل يبحث عن فهم الصدمة الكبرى، وعن معنى العنف فى عالم هشّ». وأضاف: «عملنا على دعم الأطفال نفسيًا طوال التصوير، وكان التحدى أن ننقل المأساة دون أن نؤذى أرواحهم.. ومدة التحضير للفيلم كانت طويلة تعدت العامين حتى نستطيع إعداد الممثلين نفسيًا لمثل هذا الحدث». بينما قال: إن هذا ليس فيلمه الأول ولكنه الفيلم الأول لأبطاله الصغار حيث قرر أن يكون كل الأبطال من المجتمع التونسى القريب من الجبل حيث استعان بالبطل الطفل الذى كان يعيش فى قرية بجانب أحد جبال تونس والذى كان يحتوى على إرهابيين أيضًا.. مما جعل عملية التصوير فى الجبال والبرية ملائمة وواقعية. ومن الأعمال اللافتة أيضًا، الفيلم البلجيكى التونسى الم(Têtes Brûlées ) للمخرجة مايا عجمية، التى تحدثت ل«روزاليوسف» قائلة: «اخترت قصة فتاة صغيرة تتجاوز فقدان أخيها بنشر الحب، كنت أبحث عن طريقة لتقديم الصمود دون خطابية أو مباشرة، وذلك من خلال نموذج «آية» الفتاة الصغيرة التى قررت أن تقف بجانب أصدقاء أخيها الأكبر بعد رحيله لتقدم لهم الدعم المتبادل.. وأردت أيضًا أن أقدم نموذجًا لعائلة مهاجرة مترابطة تشبه عائلتى، حيث أن العائلات بالغربة لا تتشابه عادة ولكنى اخترت أن أقدم نموذجًا للعائلة المترابطة الداعمة لبعضها البعض حيث أن هذا النموذج الذى يجب أن تكون عليه العائلات». نحو صناعة سينما عربية تتحرر من القيود وبعد انتهاء فعاليات الدورة السادسة التقت «روزاليوسف» مع «ندى دومانى» مديرة المهرجان لتقييمها لنجاح تلك الدورة.. حيث قالت: «أنا راضية عن الدورة 100%. بالنسبة لى المهرجان حقق أهدافه من الصدى الواسع والتغطية الإعلامية الكبيرة والإقبال على الأفلام والندوات. نحن كل سنة نهتم أن المهرجان يكبر خطوة بخطوة مثل الولد الصغير، ولا يهمنا فقط أن يحقق انبهارًا فى أوله وبعد عامين أو ثلاثة يفقد بريقه». وتتابع: «ميزانية المهرجان كبرت قليلًا وعدد الضيوف أيضًا، ولكن ظروف الحرب أضرت بعدد الضيوف بعض الشىء. المهرجان يعبر عن مرحلة ثقافية مهمة فى البلد، ويقدَّم لكل العالم ولكننا نُخاطب بالمقام الأول أهل الأردن». أما عن التحديات التى قابلتها إدارة المهرجان قبل هذه الدورة، فتقول «دومانى»: «المهرجان تأثر بالحرب بكل تفاصيل الإنذار، ولكننا كفريق للمهرجان كنا مصرين على إقامة المهرجان رغم كل شىء. حتى لو ظل المجال الجوى مغلقًا، كنا سنقيمه ولو لأهل البلد فقط. فكرنا فى إقامة بعض الأنشطة أونلاين بما يتناسب مع الأوضاع. منذ بداية الحرب على غزةوالأردن قريب جدًا منها فكنا نتساءل: هل يجوز إقامة المهرجان؟ وكان الجواب أن المهرجان جزء من الصمود الثقافى». وفيما يخص السينما الأردنية، أكدت «دومانى»: «السينما الأردنية فى تطوير مستمر، ويكفى الأرقام، ففى هذه الدورة شارك 11 فيلمًا أردنيًا، ولم نختارها فقط لأنها أردنية، بل لجودتها العالية. من ضمنها فيلم من مدينة إربد وصُنّاعه منها وهو فيلم (سمسم)، وكذلك فيلم (أم المدارس) من مدينة السلط. إضافة إلى 5 مشاريع أردنية فى أيام صناعة السينما». وعن مستقبل المهرجان تقول: «نفكر فى تقديم عروض مستمرة طوال السنة وتطوير المهرجان بشكل دائم». وحول التكريمات، قالت «دومانى»: «نحن لا نهتم بالتكريمات التقليدية، لكننا نخصص فقرة «الأول والأحدث» التى نستضيف فيها مخرجًا أو مخرجة للحديث عن أول وآخر أعمالهم. قد يُعد ذلك تكريمًا بشكل مختلف. نترك التكريمات للآخرين، بينما نحتفى بتاريخ صُنّاع السينما حول العالم بطريقتنا الخاصة». 1