يختلف الناس فى كون الحب اشد قبل عملية الجماع ام بعده فمنهم من يكون بعد الجماع أقوى محبة وأمكن وأثبت مما قبله ، ويكون بمنزلة من وصف له شيء ملائم فأحبه ، فلما ذاقه كان له اشد محبة واليه اشد اشتياقا 0 ومعلوم ان محبة من ذاق الشيء الملائم وعدم صبره عنه أقوى من محبة من لم يذقه ، بل نفسه مفطومة عنه . والمودة بين الزوجين والمحبة بعد الجماع أعظم من التي كانت قبله 0 والسبب الطبيعي ان شهوة القلب ممتزجة بلذة العين ، فإذا رأت العين اشتهى القلب فإذا باشر الجسمَ الجسم اجتمع شهوة القلب ولذة العين ولذة المباشرة ، فإذا فارق هذه الحال كان نزاع نفسه إليها اشد ، وشوقه إليها اعظم كما قيل :
اعانقها والنفس بعد مشوقة *** إليها وهل بعد العناق تداني والثم فاها كي تزول صبابتي *** فيشتد ما القى من الهيمان ولم يك مقدار الذي بي من الجوى *** ليشفيه ما ترشف الشفتان كأن فؤادي ليس يشفي غليله *** سوى أن أرى الروحين تمتزجان
ورات طائفة ان الجماع يفسد العشق ويبطله او يضعفه ، واحتجت بأمور منها ان الجماع هو الغاية التي تطلب بالعشق فما دام العاشق طالبا فعشقه ثابت ، فإذا وصل الى الغاية قضى وطره ، وبردت حرارة طلبه ، وطفئت نار عشقه .
قالوا : وهذا شأن كل طالب لشيء اذا ظفر به ، كالظمآن اذا روي والجائع اذا شبع ، فلا معنى للطلب بعد الظفر 0 ومنها : انه قبل الظفر ممنوع والنفس مولعة بحب ما منعت منه كما قال : وكانت الجاهلية الجهلاء في كفرهم لا يرجون ثوابا ولا يخافون عقابا وكانوا يصونون العشق عن الجماع ، كما ذكر ان اعرابيا علق امراة فكان ياتيها سنين وما جرى بينهما ريبة ، قال : فرايت ليلة بياض كفها في ليلة ظلماء فوضعت يدي على يدها فقالت : مه لا تفسد ما صلح فانه ما نكح حب الا فسد . ونهاية نقول ان الجماع الحرام يفسد الحب ، ولا بد ان تنتهي المحبة بينهما الى المعاداة والتباغض كما هو مشاهد بالعيان ، فكل محبة فى غير شرع الله آخرها بغض .