قد يخدع الشيطانُ ضعيفَ العقلِ بشبهة ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى في كلامه القيم في مسألة أجاب عنها الفقهاء وملخصها : ما تقول السادة الفقهاء في رجل نظر إلى إمرأة فعلق حبها بقلبه واشتد عليه الأمر , فقالت له نفسه : هذا كله من أول نظرة , فلو أعدت النظر إليها لرأيتها دون ما في نفسك فسلوت عنها,فهل يجوز له تعمد النظر ثانياً لهذا المعنى ؟ فكان الجواب : الحمد لله , لا يجوز هذا لعشرة أوجه : 1. إن الله سبحانه وتعالى أمر بغض البصر , ولم يجعل شفاء القلب فيما حرمه على العبد . 2. إن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل عن نظرة الفجأة وقد علم أنه يؤثر في القلب فأمر بمداواته بصرف البصر لا بتكرار النظر . 3. إنه صلى الله عليه وسلم قال في النظرة : لك الأولى وليست لك الثانية , ومحال أن يكون داؤه مما له ودواؤه مما ليس له . 4. إن الظاهر قوة الأمر بالنظرة الثانية لا نقصه والتجربة شاهدة به , والظاهر أن الأمر كما رآه أول مرة ولا تحسن المخاطرة بالإعادة 5. ربما رأى فوق الذي في نفسه فزاد عذابه . 6. إن إبليس عند قصده للنظرة الثانية يزين له ما ليس بحسن لتتم البلية . 7. إنه لا يعان على بلية إذا أعرض عن امتثال أمر الشارع , وتداوى بما حرمه عليه , بل هو جدير أن تتخلف عنه المعونةُ . 8. إن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس , ومعلوم أن الثانية أشد سماً , فكيف يتداوى من السم بالسم . 9. إن مُدَّعي تكرار النظرة ليتبين حال المنظور فربما عرف أنه ليس بالحسن الذي رآه أول مرة يناقض نفسه , لأنه إن كان يريد بذلك طاعة ربه فليس صحيحاً , لأنه إن لم يجد المنظور إليه حسناً مرضياً يكون إنما تركه لأنه لا يلائم غرضه , وليس لله تعالى , فأين معاملة الله سبحانه وتعالى بترك المحبوب لأجله ؟. 10) يتبين بضرب هذا المثل وهو : أنك إذا ركبت فرساً فمالت إلى طريق ضيق لا يمكنها أن تستمر فيه لتخرج , ولا يمكنها أن تستدير فيه للخروج , فإذا همت بالدخول فيه فإنك تكبحها لئلا تدخل , فإن دخلت خطوة أو خطوتين فإنك تصيح بها وتردها إلى وراء عاجلاً قبل أن يتمكن دخولها , فإن رددتها إلى ورائها سهل الأمر , وإن توانيت حتى ولجته وسقتها إلى الداخل ثم قمت تجذبها بِذَنَبِها عسر عليك أو تعذر خروجها , فهل يقول عاقل طريق تخليصها سوقها إلى داخل ؟ ! وكذلك النظرة إذا أثرت في القلب فإن عجّل الحازم وحسم المادة من أولها سهل علاجه , وإن كرر النظر وتأمل المحاسن ونقلها إلى قلب فارغ فنقشها فيه تمكنت المحبة وحدث التعلق , وكلما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة فلا تزال شجرة التعلق والعشق تنمو في القلب حتى يفسد القلب ويعرض عن الفكر فيما أُمر به ويفرغ من التعلق بالله والدار الآخرة , فيخرج بصاحبه إلى الوقوع في الفتنة وارتكاب المحظور وانتهاك محارم الله . ولذلك فكما سبق أن ذكرنا إن احتمال مفسدة ألم التشوق مع غض البصر أقل مفسدة من النظر مع التلذذ به , لأن مفسدة النظر تجر إلى هلاك القلب وفساد الدين , وغاية ما يقدر من مجاهدة النفس مع الاستمرار في الإمساك عن النظر وأن تؤدي إلى سقم الجسد , أو هب أنها أدت إلى الموت تفادياً للتعرض للحرام فأين إحدى المفسدتين من الأخرى ؟ مع أن الحاصل أن النظر ونحوه من مقدمات الفاحشة لا يمنع السقم والموت بسبب التعلق والعشق بل يزداد بذلك كما قيل : فما صبابة مشتاق على أمل * من الوصال كمشتاق بلا أمل التساهل في النظر من الرجال والنساء : وقد وقع التساهل من الرجال في النظر ومن النساء في عدم الاحتراز من نظر الرجال إليهن , فإن النظر يحرم إلى جميع بدن المراة , قال الإمام أحمد رحمه الله : لا يأكل مع مطلقته هو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها فكيف يأكل معها ؟ ينظر إلى كفها ! لا يحل له ذلك . ونقل أبوطالب : ظفر المرأة عورة . ومن المهم أن نتذكر أن الحالات التي لا يحرم فيها النظر كخطبة المرأة أو معاملتها في بيع وشراء أو استفتاء أو شهادة , الجواز فيها مقيد بعدم الشهوة , أما مع الشهوة أو مع خوف ثورتها فيحرم كما قرره المروادي رحمه الله في الإنصاف . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "ومن استحله لشهوة كفر إجماعاً . وقال : ويحرم النظر بشهوة إلى كل أحد سوى الزوجين وأمته غير المزوجة , فيدخل في ذلك الأجنبية , والأمرد , والذي له لحية , وأمة غيره,وذوات المحارم , والعجوز , والبرزة , والتي ينظر إليها عند الشهادة عليها , والبيع والشراء , والتي يخطبها , وكذا نظر المرأة إلى الرجل والطبيب وغير ذلك , فهذا كله حرام إذا كان معه شهوة ." أ ه بل قال بعضهم - كما في الغاية وغيرها – وحَرُمَ نظرٌ لدابةٍ يشتهيها , وخلوةٌ بها , كقرد تشتهيهه المرأة . ومعنى الشهوة التلذذ بالنظر كما في الإنصاف . 4. حسن الخلق : فقد جمع صلى الله عليه وسلم البر في حسن الخلق فقال : " البر حسن الخلق " وسبق قوله صلى الله عليه وسلم في أكثر ما يدخل الناس الجنة قال : " التقوى وحسن الخلق " والمسلم يدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم0 وأصحاب الأخلاق الحسنة أقرب الناس مجلساً منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة 00 وحسن الخلق يجمع اللطف في المعاملة والرقة وطيب الكلام في المخاطبة والحياء سواء في الخلوة أو المخالطة , إلا في أمر بمعروف أو نهي عن منكر, والتجافي عن فاحش القول وفاحش المزاح , وعن الهياج والغضب ورفع الصوت , إلى غير ذلك مما يسهل إدراكه إذا دققت النظر لرجل اتفق معاشروه على حسن أخلاقه . 5. لزوم الجماعة : فهذا أيضاً من الزاد المنجي من الهلاك إن شاء الله تعالى كما قال ابن عباس رضي الله عنهما لسماك الحنفي : الجماعة الجماعة فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها أما سمعت قول الله عز وجل ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا 0000) فالمراد ان يكون كل منا متعاوناً مع إخوانه المسلمين على البر والتقوى , فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه , وفي الأثر : " لا يأكل الذئبُ من الغنم إلا القاصية ". وفي إطار الجماعة يتم التناصح والتواصي المنجي من الخسران كما قال الله تعالى : ( والعصر0 إن الإنسان لفي خسر0 إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) وقال سبحانه وتعالى أيضاً في وصف المؤمنين : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) والمنقطع عن الركب يفقد الناصحين والمعينين ومن ثم يأكل الذئب من الغنم القاصية .. فالمسلم ينشد في الجماعة العون على الطاعة والعون على الدعوة على الله جل وعلا بكل درجاتها من الدعوة بالقدوة وحتى ذروة سنام الاسلام الجهاد في سبيل الله . ومن بركة الجماعة تنوع العمل الصالح فيها كتنوع الأطعمة في سفر الدنيا , وبالتالي يرى المؤمن كافة أنواع العمل الصالح فيصحح ما في نفسه ويغترف من فضل أصحابه أو يصحح كل مؤمن خطأ أخيه وتتكامل الأعمال قال ابن خويز منداد : والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه : فواجبٌ على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم , ويعينهم الغني بماله , والشجاع بشجاعته في سبيل الله , وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة " المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم " ويجب الإعراض عن المعتدي وترك النصرة له ورده عما هو عليه . ا ه القرطبي 4/164 والخلاصة أن الزاد : علم وعمل . فالعلم دافع للعمل . والعمل جماعة لا بد فيه من الإخلاص لله جل وعلا , والتقوى وحسن الخلق . وبلزوم الجماعة يتم الاستمرار والتدارك للأخطاء والثبات على الطريق بعون الله تعالى . فإذا اجتمع لك ذلك فامض في سفرك إلى ربك مستبشراً بالوصول في سلامة وأمان . واستعن في سفرك بالصبر والتوكل على الله , وتقدم ولا تحجم , فإن النفس- كما قال ابن القيم رحمه الله – متى خافت تأخرت وأحجمت وأخلدت إلى الأرض , والمؤمن تهون عليه نفسه في الله فيقدم ولا يخاف الأهوال ( فبالصبر تصير الأهوال ريحا رخاء تحمله إلى مطلوبه وتصير أعظم خدمة وأعوانه وهذا أمر لا يعرفه إلا من دخل فيه )اه التبوكية اللهم نجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن , اللهم نسألك سلامة الصدر وسلامة المنهج , والبعد عن حب الدنيا وأسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما قرأنا وسمعنا وأن يثبتنا على دينه ويحسن خواتيمنا وأسألكم الدعاء لمن جمع ورتب هذا الكلام الطيب ودعا إليه وعمل به وعلّمه وصلى اللهم على نبينا محمد وعى آله وصحبه وسلم