أكد الاقتصادي الأول في وحدة دول مجلس التعاون الخليجي التابعة لإدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالبنك الدولي الدكتور كيفن كاري أن «أزمة منطقة اليورو تنطوي على مخاطر واضحة لدول مجلس التعاون الخليجي»، بيد أنه أشار إلى العمل فعلا على تخفيف تلك المخاطر عن طريق اتباع عدد من السياسات والإجراءات. وقال كاري، خلال ندوة نظمتها الجمعية الاقتصادية الكويتية حول موضوع «أزمة منطقة اليورو وتداعياتها على دول مجلس التعاون الخليجي» مساء الخميس الماضي، إنه وبالرغم من ذلك، تظل هنالك بعض المجالات، التي قد تكون عرضة للتأثر بهذه الأزمة، وبشكل ملحوظ في القطاع المالي.
ونقلا جريدة الرأى، فإن أزمة منطقة اليورو تشير، على المدى الطويل، إلى قضايا جوهرية تتعلق ببنية أي اتحاد اقتصادي، لافتا إلى أن «لدى دول المجلس الوقت الكافي لمعالجة بعض القضايا، طالما أنهم تعلموا الدروس والعبر من هذه الأزمة».
وأضاف كاري، الذي شارك في الحوار ضمن فريق من خبراء البنك الدولي ضم مدير مكتب البنك الدولي بالكويت بسام رمضان، أن «المخاطر الرئيسية المتوقعة على المدى القصير تتمثل في أن تفاقم أزمة منطقة اليورو سيؤدي إلى حدوث انخفاض كبير في معدلات النمو على المستوى العالمي.
الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي على أسعار النفط ويجعلها تتجه نحو الهبوط، وهذه الأخيرة تعتبر حدثت فعلا بشكل أو بآخر نظرا لأن أسعار النفط كانت ارتفعت بسبب الكثير من أوجه الخلل، التي وقعت في العام الماضي، (كخسارة الانتاج الليبي والزيادة في الطلب على النفط من قبل اليابان)، فضلا عن ارتفاع أقساط التأمين على المخاطر بسبب المخاوف من التوترات الجيوسياسية في منطقة الخليج».
وكان فريق البنك الدولي اعتمد، في شرحه المخاطر الناجمة عن أزمة منطقة اليورو، على مطبوعات البنك الدولي على المستوى العالمي والإقليمي لشرح الآليات والسيناريوات الواجب اتباعها، وتشمل هذه المطبوعات بالتحديد النشرة الاقتصادية العالمية (يناير 2012)، والتطورات الاقتصادية والنشرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (سبتمبر 2011) ونشرة «مينا مونيتور» (نوفمبر 2011).
وتابع كاري أن الارتفاع المستمر في أسعار النفط شكل في حد ذاته سببا في ضعف الطلب على المنتجات البترولية، مع تزايد الإرهاصات حول التوازن الهش في سوق النفط، في ضوء الأسعار ومعدلات الطلب الحالية، إذ لعبت الزيادة الكبيرة في الإيرادات الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط.
وكذلك الزيادة في حجم الإنتاج خلال العام 2011، دورا مهما في تمويل التزامات الزيادة في الإنفاق العام في دول مجلس التعاون الخليجي، ما أدى إلى حماية اقتصاديات دول الخليج من تداعيات الأزمة، التي تجتاح منطقة اليورو حاليا.
وأوضح أنه ولهذا السبب أظهرت معدلات النمو في منطقة الخليج انخفاضا طفيفا، رغم موجة الاحتجاجات، التي عمت المنطقة خلال العام 2011، غير أن تقلب أسعار النفط يعني أن إنفاق الفوائض المالية لا يمكن أن يكون في حد ذاته استراتيجية سليمة ومواكبة.
وعن القطاع المالي، أكد خبير الاقتصاد الأميركي أن «عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي في منطقة اليورو، تمخضت عنها مخاطر غير مباشرة لمنطقة الخليج»، موضحا أنه «عندما تعمل دول منطقة اليورو على تقليص ميزانياتها الخارجية، فإنها بذلك تكون انسحبت من مجالات الأعمال، التي تلعب دورا مهما في اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي، أي تقليص التمويل الموجه للمشاريع والتجارة والمعدات.
وناقش فريق البنك الدولي علاقة الأزمة في منطقة اليورو، كإتحاد اقتصادي ونقدي، في سياق فكرة مجلس التعاون الخليجي نفسه، خاصة في ظل إقرار قادة دول المجلس أثناء قمتهم، التي عقدت في ديسمبر الماضي بالرياض، المرحلة الجديدة من مسيرة مجلس التعاون الخليجي للاتحاد بين الدول الأعضاء فيه. وشدد الفريق، بعد وضعه في الاعتبار أن كل من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو يمثلان نموذجا حيا لمجلس التعاون الخليجي، على أهمية دراسة الأخطاء، التي وقعت فيها منطقة اليورو.
معتبرا أن الأهم من ذلك كله هي الدروس المستفادة والمتعلقة بالحاجة للإعداد والاستعداد الجيد للدخول في اتحاد نقدي (توحيد العملة) بنظام متوافق، من حيث الترتيبات أو الاتفاقيات المالية، التي تؤدي إلى ترقية وتطوير القدرة على الاستدامة المالية وتقاسم المخاطر بين دول الاتحاد.
وبين فريق البنك الدولي أن «هنالك فارقاً كبيراً جدا بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي في بعض النواحي؛ فمجلس التعاون يضم 6 دول فقط، مقارنة ب27 دولة في الاتحاد الأوروبي. ولكن هنالك أوجه شبه قوية في الهياكل أو البنيات الاقتصادية، فضلا عن الخبرة الطويلة في ثبات أسعار الصرف، ومع ذلك، كشفت أزمة منطقة اليورو أنه يمكن أن تحدث صدمات كبيرة وبوتيرة متسارعة نسبيا، مع الأخذ بعين الاعتبار درجة التعقيد، التي تتميز بها القطاعات المالية الحديثة.
وشدد الفريق على أن "النقاط التي تمت مناقشتها لا تعتبر دعوة للتشاؤم"، مؤكدا أن دول مجلس التعاون الخليجي تعمل حاليا على تطوير المؤسسات، التي يمكن أن تستفيد من هذه الدروس ووضعها في سياساتها في هذا الصدد.
وتشمل هذه المؤسسات، بالإضافة إلى الأمانة التأسيسية لمجلس التعاون الخليجي، المجلس النقدي لدول مجلس التعاون الخليجي (بالنسبة للدول الأربعة الراغبة بالاستمرار بتوحيد العملة)، والاجتماعات الدورية لوزراء دول مجلس التعاون الخليجي، ومحافظي البنوك المركزية، والمجموعة الاستشارية لهيئة الاستقرار المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
وقال الفريق إنه وبما أن الجهات المصرفية التنظيمية والرقابية لمجلس التعاون الخليجي ظلت دائما تعمل بشكل حذر، إلا أن بلدان المجلس، في المقام الأول، تمكنت بالطبع من تجنب بعض الإخفاقات الكبرى.
وأكد الفريق أن «الدرس الأخير المستفاد من ذلك هو الحاجة للضمان للوصول بشكل أكبر للقطاع المالي، والعمل على تعزيز الاستقرار، فعندما تصبح البنوك متوافقة ومنسجمة تماما مع القطاع المالي ومع التمويل من قبل الحكومات، عندئذ تصبح المخاطر واضحة للعيان بالنسبة للجميع، آخذين بعين الاعتبار تجربة منطقة اليورو.