كنت أتمنى أن أواصل الكتابة عن التعذيب والقتل خارج إطار القانون طوال السنوات السوداء لحكم الرئيس المخلوع مبارك، بيد أن تسارع الأحداث جعلني أقطع الكتابة بشكل منتظم عن تلك الجرائم، مع وعد بالعودة إليها من حين إلى آخر. ومن الأحداث التي لابد من معالجتها زيارة السيد المشير القائد محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والوفد المرافق له إلى ليبيا الشقيقة، وما نتج عنها من تداعيات مهمة في صالح تطور العلاقة بين البلدين الشقيقين.
ولقد تم استقبال رجال قواتنا المسلحة استقبالا ً تاريخيًّا في طرابلس الغرب، وبحفاوة غير مسبوقة لأي زعيم أجنبي زار هذا البلد عقب تفجر ثورته.
ولكن بدلا من أن نعرب عن تقديرنا للأخوة قادة ليبيا على استقبالهم الذي نجله للرجل الذي يقود مصر الثورة في مرحلة حساسة للغاية من تاريخ وطننا وأمتنا، وجدنا صغاراً يخرجون علينا من داخل وخارج مصر بأخبار صحفية وإعلامية تشير إلى أن شباب الثورة في ليبيا هاجم طنطاوي ورفاقه وأمرهم بمغادرة ليبيا.
ولقد قرأت بالفعل أخبارا بهذا المعنى أمس في صحف صدرت بعد الثورة في مصر، وتلك الأخبار بثتها فضائيات المارينز الناطقة بالعربية، ونعلم أنها صحف وفضائيات تتلقي تمويلا مباشرا من المخابرات المركزية الأمريكية "سي. أي. إيه".
ولقد اتصلت بعدد من الزملاء والكتاب الليبيين اسأل عن شباب الثورة الذين رفضوا زيارة السيد المشير طنطاوي،فأصيبوا بالذهول لأن ليبيا الثورة كلها رحبت بالرجل واحترمته،لأنه كان على رأس قواتنا المسلحة ولم يطلق رصاصة واحدة تجاه الثوار الحقيقيون الذين خرجوا ليجتثوا نظام حكم الرئيس المتنحي حسني مبارك.
ولم يفعل المشير طنطاوي كما فعل نظيره قائد كتائب القذافي التي لم يكتف بقتل الليبيين، وإنما استباح أعراضهم وأموالهم، وهو ما ترك الفرصة للغرب الأوروبي الأمريكي أن يتدخل لإنقاذ الليبيين من تلك المجازر، بغض النظر عن تأييدنا أو رفضنا لهذا التدخل.
وفي ليبيا ثمة عناصر مرتبطة بالمخطط الصهيوني الأمريكي، لكنها لا تحظى بأية شعبية هناك، تماما مثل العناصر الموجودة بوطننا مصر.
تلك العناصر يجمعها رابط واحد ألا وهو العداء لكل قوى موجودة في مصر أو ليبيا تحافظ على الوطن وتقف شوكة في حلق التدخلات الأجنبية.
ويمثل تلك القوى في مصر المؤسسة العسكرية المتحالفة مع التيار الإسلامي، وهو تحالف اكتسح الانتخابات الأخيرة، وسيكتسح أية انتخابات مقبلة. هكذا نقول بوضوح دون خوف من انسحاب البرادعي أو أي من المرتبطين بهذا المخطط الصهيوني الأمريكي.
لقد انسحب دكتور البرادعي مجبرا لا بطلا، انسحب يأساً من النجاح في أية انتخابات حرة مستقبلية للرئاسة.
أما في ليبيا، فالتيار الإسلامي بجميع فصائله يمثل القوى الرئيسة التي تقف شوكة في حلق التدخلات الأجنبية، ومن هنا تسببت زيارة المشير القائد إلى ليبيا في صدمة لتلك القلة من شباب ينتسبون للثورة الليبية، فأصدروا بياناً هزيلاً يرفضون فيه زيارة السيد المشير طنطاوي، وهو البيان الذي سوقه الأعلام المتصهين على أنه صادر عن ثورة ليبيا، وذلك يمثل هرطقة إعلامية وأكاذيب يتعين فضحها.
والفقير لله يريد أن يعرف بأي حق ترى حفنة من الشباب المنتسب لمصر "كريمة الأديان" -هذا الشباب الكاره للدين وللجيش، وبالتالي الكاره للوطن- أنها الممثلة الوحيدة للثورة المصرية، ومن ثم تتاجر بذلك أمام مصادر تمويلها، والتي لا تعنينا؛ لكون أن بيعنا وتجارتنا مع الله سبحانه وتعالى.
إن غالبية شباب مصر كانوا ثواراً، شاء من شاء وأبى من أبى، والفقير لله وغالبية رجال ونساء مصر كانوا أمامهم ومعهم يحمونهم.
وكان الإسلاميون أول من فجر الثورة في مصر وحمل السلاح ضد خيانة مبارك وفساده، ويوم 25يناير الماضي كان غالبية الشباب الموجود بالتحرير وميادين مصر من الإسلاميين. وهذا الشباب المصري شباب عادي لا علاقة له بتلك الحفنة من الشباب، التي التقطتها المنظمات التي تتلقى تمويلا من الخارج، والصحافة الممولة من الخارج، والمحطات الفضائية الممولة من الخارج أيضا.
نعم، تم التقاط تلك الحفنة من الشباب في توزيع أدوار غريب، فأحدهم ظهر على فضائية وهو يذرف دموع التماسيح والأخرى ظهرت على قناة قاعدة السيليه وهي تلطم، والثالث برز من خلال لقاءات نشرتها صحف معروفة بتمويلها أمريكيا.
نعم، وسائل إعلام المار ينز ومنظماته التقطت هؤلاء الشباب وسوقتهم، وبمجرد انتهاء فعاليات الثورة انهالت عليهم الدعوات من خارج مصر لزيارة واشنطن، وهناك نُظِّمت لهم الندوات والمؤتمرات، وتمت عمليات غسيل مخ لهم، وتم ربطهم بمصالح اقتصادية، وعادوا إلى مصر أكثر سُعارا من ذي قبل، بعد أن فهموا أن المؤسسة العسكرية تقف شوكة في حلوقهم وحلوق من يوظفهم ويشغلهم ليعملوا لحسابه.
وتحت شعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، أصرت قيادات تلك الحفنة من الشباب بعد عودتها لمصر أن يصطدموا بالقوات المسلحة ورجالها، ويتطاولوا على قادتها وضباطها بدون أسباب موضوعية أو منطقية.
ولم يستمع هؤلاء الشباب لآراء رجال أكثر منهم وطنية وعمرا وخبرة، ومضوا يستفزون رجال الأمن والجيش في عمليات مخططة، حتى اصطدموا بالجيش، وحاولوا الوقيعة بينه وبين الشعب، وحولوا ثورة بيضاء إنسانية رفيعة المستوى إلى ثورة أريقت فيها دماء، بعد أن اتخذوا مطية للفلول والبلطجية ولأعداء مصر ولكل من هب ودب.
والآن تطالبنا تلك الحفنة وأدواتها الإعلامية التي يفوح من بين سطور صحفها وأثير فضائياتها التمويل الأمريكي، تطالبنا تلك الحفنة بأن نخرج في تظاهرات ضد من؟ ضد جيشنا ومجلسه الأعلى، صاحب الفضل علينا كشعب وعلى ثورتنا، مع العلم أن هذا الجيش وعلى رأسه السيد المشير القائد جزء لا يمكن أن يتجزأ من ثورة 25يناير المجيدة، شاء من شاء وأبى من أبى.
وقالوا إن الثورة لم تكمل أهدافها.. واتفقنا معهم وقلنا لهم توجد خريطة طريق، وإن الثورة تسير بناءً عليها في طريقها لتحقيق أهدافها، فزعموا أن المجلس وقائده من الفلول وقالوا بأنهم يعيدون إنتاج النظام، وقد انضم إليهم مؤخرا كبيرهم محمد البرادعي الذي ظن أنه بمجرد إعلانه مقاطعة الانتخابات قبيل 25 يناير المقبل ستقوم تلك الحفنة وأعلامها بتنصيبه رئيسا لمصر.
ربما يتم حفل التنصيب هذا في الأحلام فقط، فلن نسمح لأن تعصف تلك الحفنة بأعظم تجربة انتخابية ديمقراطية حقيقية -أجرتها القوات المسلحة- خلال تاريخ مصر.
والمدهش أن تلك التحرشات المفتعلة من قبل تلك الحفنة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة تجيء في وقت قال فيه الشعب كلمته، بعد أن صوت ثمانون بالمائة من الجماهير لصالح التيار الإسلامي في انتخابات البرلمان، وبعد أن تم تحديد موعد لتسليم الحكم، وموعد لانتخاب رئيس لمصر، إذن ما الذي تريده تلك الحفنة؟
هل تريد تلك الحفنة أن يقوم الجيش باستئصال التيار الإسلامي الذي وثق فيه الشعب، وأن يسلم السلطة لرجال وشباب متأمرك، ومن ثم يقوم بتسليم الرئاسة للبرادعي، اعتمادا على ديكتاتورية الأقلية؟!!
لقد أتيحت لتلك الحفنة فرصة للترشيح في البرلمان، وأتيحت لكبيرهم البرادعي فرصة لخوض انتخابات الرئاسة، ولكن لكون أنهم يعلمون أن الشعب ليس معهم هرب كبيرهم البرادعي -مع احترامي لشخصه- من المواجهة.
والآن تحاول تلك الحفنة المدعومة أمريكيا وصهيونيا أن تقوم بأعمال تخريبية في ذكري ثورة 25يناير المجيدة، وهو ما لن نسمح به أبداً كثوار حقيقيين، وسيرون الملايين بالشوارع تهتف "الجيش والشعب .. ايد واحدة".
وختاماً لا بد أن أعرب عن أسفي؛ لكون أن الأستاذ عبد الرحمن الأبنودي الذي زرت منزله بالزمالك، وشربت معه القهوة قبيل 12 عاما وأحمل له تقديراً وحبا كبيرا لأنه أهدى مكتبتنا الغنائية أروع الأغاني، وأهدانا أروع الأزجال، يخرج علينا في صحيفة صفراء معروفة مصادر تمويلها ليقول لنا بالنص: "إننا قد نصنع الثورة كل يوم، وسوف يستولي عليها الأغبياء والمتخلفون والمعادون، والذين لا صلة لهم بها في كل يوم، بل إن الثورة قد تتحول إلى عمل رجعي لا حدود إلى رجعيته".
هكذا وصف الشاعر المنتمي للفكر الشيوعي إرادة الشعب في هذا القول، بعد أن تطاول على التيار الإسلامي الفائز في الانتخابات، بعد أن حصر الثورة في فئة تمتلك وسائل إعلام وصحفا ممولة من الخارج، ومنظمات مجتمع مدني ممولة من الخارج أيضًا، وقلة من الشباب هي جزء لا يكاد يذكر إذا ما قارناها بالثوار الحقيقيين.
يا للخسارة، حتى أنت يا أستاذ عبد الرحمن الأبنودي؟ .. كنت أفضل أن تصمت يا سيدي العزيز، وتتأمل في عيون بهية إلى أن ترى نصر ثورتها تماما، وترى أنها انتزعت حريتها، رغم أنف المتأمركين .. [email protected]