تعالت أصوات "البدون" في الشهور الأخيرة وارتفعت وتيرتها لتصل إلى مداها في مطالب أبسط ما يقال فيها أنها عادلة وتصب في صالح الكويت كدولة لتبني لحمتها الوطنية بما يليق بها في هذا العصر الحديث، وحسنا فعلت بعض الهيئات ومؤسسات المجتمع المدني الداخلية بدعمها لهذا الحراك العادل، حيث يبلغ عدد البدون في الكويت حوالي 105 آلاف شخص. ورغم تحذيرات وزارة الداخلية الكويتية بمنع تنظيم مسيرات بعد تعهد قطعته الوزارة بمنح الجنسية لما لا يقل عن 34 ألفا منهم، إلا أن البدون استمروا في نداءاتهم بالتظاهر، مما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى واعتقال العشرات عندما فرقت الشرطة تظاهرة للبدون الجمعة، مستخدمة القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه.
وشارك المئات من عناصر قوات مكافحة الشغب مدعومين بآليات، في تفريق تظاهرة لبضع مئات من البدون الذين تحدوا قرارا لوزارة الداخلية بمنع تنظيم مسيرات بعد تعهد قطعته الوزارة بمنح الجنسية لما لا يقل عن 34 ألفا منهم.
ونزف في تظاهرات الجمعة، عدد من الشبان من رؤوسهم بعد تعرضهم للضرب بالهراوات في منطقة الجهراء شمال العاصمة، وقالت جمعية حقوق الإنسان: "إن عددا آخر اعتقلوا بينهم فتى في ال13".
انتقادات حقوقية
وكانت منظمة هيومان رايتس ووتش، انتقدت قرار السلطات الكويتية بمنع تظاهرات البدون .
واعتبرت سارة لي ويتسون مديرة فرع الشرق الأوسط بالمنظمة موقف السلطات الكويتية تعرضا "مخزيا" لحرية التعبير السلمي وحرية اجتماع البدون، مضيفة أن هذه الحقوق الكونية ملك الجميع من دون تمييز، سواء كانوا مواطنين أو يناضلون من أجل الحصول على المواطنة.
ويبلغ عدد البدون بالكويت حوالي 105 آلاف شخص، وهم يتظاهرون للمطالبة بالجنسية، غير أن الحكومة ترى أنهم يخفون أو قاموا بإتلاف وثائق هوياتهم التي تثبت أنهم يحملون جنسية أخرى. ولا يتمتع البدون بالخدمات العامة مثل التربية والصحة التي تقدم للمواطنين مجانا.
قرارات وتحذيرات
وكانت وزارة الداخلية الكويتية دعت المقيمين بصورة غير قانونية "البدون" ومن يساندهم إلى عدم التظاهر، وقالت: "من يخالف ذلك لا يلوم الا نفسه"، كما دعتهم إلى التريث والهدوء انتظارا لجهود الوزارة بالتعاون مع الجهاز المركزي لمعالجة أوضاعهم لتبني نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الداخلية الشيخ احمد الحمود الجابر الصباح لهذه القضية.
وأشارت إدارة الإعلام الأمني بالوزارة إلى تأكيد الوزير الحمود في أكثر من تصريح لوسائل الإعلام الجدية في أن ينال كل ذي حق حقه في الجنسية وفقا لوضعه القانوني ومن لا يستحقون سوف لن يتخلى عنهم وسيتم منحهم الإقامة المؤقتة أو الدائمة كل حسب وضعه القانوني.
وأعلن وزير الداخلية أن بلاده ستبدأ تجنيس عدد من "البدون" اعتبارا من آخر الشهر الحالي أو مطلع شباط/فبراير المقبل، مضيفاً أن المجموعة الأولى التي ستستفيد من منح المواطنة ستعلن نهاية الشهر الحالي او مطلع الشهر المقبل".
وأشار الوزير إلى أن وزارة الداخلية بصدد إعداد قانون بالتعاون مع الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية لتجنيس المستحقين.
وأكد السعي إلى تجنيس "أربع شرائح" هم العسكريون والذين يثبت وجودهم في الكويت أثناء إحصاء 1965 إضافة إلى أقرباء الكويتيين وأبناء المطلقات الكويتيات .
ويطالب البدون بالجنسية غير أن الحكومة ترى أنهم يخفون أو اتلفوا وثائق هوياتهم التي تثبت أنهم يحملون جنسية أخرى، ولا يتمتع البدون بالخدمات العامة مثل التربية والصحة التي تقدم للكويتيين مجانا.
وقال مسئول عن جهاز رسمي مكلف بإعداد توصيات بشان مشكلة البدون: "إن السلطات الكويتية يمكن أن تمنح الجنسية لحوالي 34 ألفا من البدون من أصل 105 آلاف يعيشون في البلاد".
التشكيك مرفوض ورفضت وزارة الداخلية إطلاق دعوات التشكيك المضللة والمغرضة عبر وسائل الإعلام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي وانتهاز فرصة استغلال ما يتردد في ندوات وتصريحات المرشحين لأهداف انتخابية بحتة طمعا في الحصول على المزيد من الأصوات على حساب وزارة الداخلية.
وأضافت الوزارة أنه وصل الحد ببعضها إلى إيهام الأخوة المقيمين بصورة غير قانونية في عدم جدية وزارة الداخلية والجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية في حل قضيتهم وأوضاعهم غير عابئين بالمصالح العليا للبلاد ومسئوليتهم الوطنية تجاه ناخبيهم.
ولفتت الوزارة إلى التأكيد على أن وزارة الداخلية تعاملت مع قضية وأوضاع الأخوة المقيمين بصورة غير قانونية بالكيفية التي سمحت لهم فيها بحرية التعبير عن آرائهم وعرض مطالبهم كاملة وإيصال صوتهم إلى الجهات المعنية في الدولة على مدى أيام عدة ولجمع متتالية الأمر الذي يشير إلى أن القضية تأخذ طريقها إلى الحل العملي والتنفيذي والذي سيحقق نتائجه قريبا.
وبينت الوزارة أن الشحن الزائد بالتشكيك في عدم جدية الإجراءات والدعوات المغرضة المستمرة للاعتصامات والتظاهرات والتجمهر مجددا والاحتكاك برجال الشرطة والاعتداء عليهم وإصابتهم وإتلاف الآليات الأمنية والممتلكات العامة والخاصة والمس بالنظام العام وغيرها من الأمور التي تعد جريمة في حقهم ولن تفيد من له حق في التجنيس أو البحث في أوضاع من لم تطبق عليه الشروط بالعيش الكريم والإقامة القانونية بل تعرضهم للمساءلة القانونية وتوقعهم في إشكالات قضائية تحول دون حصولهم على ما يهدفون إليه نتيجة أفعالهم في مخالفة القوانين والإضرار بالأمن الوطني والمصالح العليا للبلاد.
البدون يطالبون
ورداً على تحذيرات وزارة الداخلية أكد مساعد الشمري الأمين العام لتجمع "الكويتيين البدون"، أكد أنه ضد قانون حقوق الإنسان الذي يعطي الحق في التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق، وأكد أن البدون سيخرجون بعد صلاة الجمعة في كل أسبوع إلى أن يتم تحقيق المطالب ال 11 التي وصلت إلى المسئولين واطلعوا عليها جيدا.
وأهم مطالب البدون هي منح الجنسية للمستحقين وإصدار عفو عن البدون المتهمين في الأحداث الأخيرة ورفع القيود الأمنية، وإحالة المدان منهم إلى القضاء، ومنح الحقوق المدنية والإنسانية للبدون كافة، وأن تنفذ هذه المطالب ولا تبقى مجرد أقوال فقط.
وأكد الشمري أنهم لا يتمنون الصدام مع رجال وزارة الداخلية، التى تعرف خلفيات المشاكل التي ستنجم، بالإضافة إلى تواجد قوى طلابية وشبابية ومجاميع من المؤسسات المدنية الناشطة في مجال حقوق الإنسان وأعضاء من منظمة "هيومن رايتس" لمراقبة الأحداث وتسجيل جميع الملاحظات التي قد تحدث وتخالف حقوق الإنسان.
الإفراج عن البدون
وكانت النيابة العامة الكويتية قررت ديسمبر الماضي، إخلاء سبيل 32 من "البدون" المتهمين بالتنظيم والمشاركة في تظاهرة بمنطقة تيماء، بكفالة 200 دينار لكل منهم، بعد أن وجهت لهم اتهامات جرائم أمن دولة، منها مقاومة رجال الأمن ، وإلحاق الأذى بالقائد الميداني وإصابته ، وتنظيم تجمع بدون ترخيص بقصد ارتكاب جريمة وزعزعة الأمن وإتلاف مرفقات عامة.
حيث أنكر المتهمون جميع التهم الموجهة لهم، مؤكدين أن المظاهرات التي خرجوا فيها كانت سلمية، وكانوا يرغبون في إيصال رسالة إلى المسئولين وليس للتخريب أو مواجهة رجال الأمن، وقد انهالت التبرعات المادية لإنهاء الإجراءات وخروج آخر محتجز، بحضور المحامين الذين تولوا الدفاع عنهم.
كما أفرجت الإدارة العامة للمباحث الجنائية الكويتية سبتمبر 2011 عن 20 شخصا من البدون كان قد ألقي القبض عليهم بعد تظاهرات في منطقة تيماء.
واكتفى رجال المباحث الجنائية بتسجيل تعهدات على المفرج عنهم بألا يعودوا إلى المشاركة في مثل هذه التظاهرات وإخلاء سبيلهم بضماناتهم الشخصية.
وفى نفس الوقت أجلت محكمة الجنايات القضية الثالثة لمتظاهري البدون في مناطق تيماء والصليبية والأحمدي خلال شهر فبراير من العام الماضي والمتهم فيها 17 شخصا إلى جلسة 22 يناير للدفاع وحضور ضابط الواقعة، بعد أن وجهت لهم تهم التعدي على موظفين عموميين، ومقاومتهم بالعنف، واشتراك في تجمهر الغرض منه الإخلال بالأمن العام، وتنظيم مظاهرة دون ترخيص.
من هم البدون؟ والبدون أو غير محددي الجنسية أو مقيم بصورة غير شرعية هم فئة سكانية تعيش في الكويت ولا تمتلك أي جنسية، ومعظم "البدون" يخدمون في سلكي الجيش والشرطة في الكويت قبل إقدام العراق على غزو الكويت سنة 1990 ، وتعتبر قضية البدون من القضايا المؤثرة بشكل كبير على سجل الكويت في حقوق الإنسان.
ويعرف البدون بهذا الاسم نسبة لكونهم "بدون جنسية" أي عديمي جنسية، التسمية القانونية لهم هي مقيم بصورة غير شرعية حيث تعنى بهم اللجنة التنفيذية لشئون المقيمين بصورة غير قانونية.
وأقر مجلس الأمة الكويتي في مايو من العام 2000 تعديلا قانونيا نص على أن أفراد فئة "البدون" الذين يريدون التقدم بطلب اكتساب الجنسية لابد أن يكونوا مسجلين في إحصاء عام 1965، ولابد أن يثبتوا أنهم أقاموا في الكويت بصفة مستمرة منذ ذلك الحين، وهو مالم يتحقق حتى الآن.
تعداد "البدون"
ويحمل أكثر من 49 ألف من فئة غير محددي الجنسية إحصاء سنة 1965 ويبلغ تعداد فئة غير محددي الجنسية في الكويت طبقا لبيانات هيئة المعلومات المدنية 220 ألف نسمة في يونيو 1985 في حين يعتقد البعض أن العدد الحقيقي هو أربعة أضعاف هذا العدد أي حوالي 400 ألف نسمة قبل غزو الكويت عام 1990 ، ثم انخفض تعدادهم إلى حوالي 118 ألف نسمة وفقا لآخر الإحصائيات في إبريل 1991، في حين يقدر تعداد من بقي من البدون في نهاية التسعينيات داخل الكويت ب 120 ألف نسمة، منهم 55% من دون سن الخامسة عشرة، ويصل معدل الإعالة في عائلاتهم إلى 7 أفراد في المتوسط، وتبلغ نسبة من هم دون التعليم المتوسط 87% حالياً، حيث ازدادت نسبة الأمية في صفوفهم بعد عام 1990.
بينما تقدر منظمة مراقبة حقوق الإنسان "هيومان رايتس ووتش" عددهم في تقرير عام 2000 ب 120 ألف نسمة، كما يوجد عدد كبير منهم في المهجر في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا.