لم أتمالك نفسي والدموع تنهمر غزيرة من مقلتي، وأن أقرأ تصريحات لأرملة، من نحسبه عند الله شهيداً، الشيخ طلعت ياسين -من قيادات الجماعة الإسلامية- لا لكون أن المرحوم كان متفوقا ودمث الخلق، ومن أبناء جيلي، ونحن ندرس في جامعات مصر العليا أوائل الثمانينات من القرن الماضي، ولكن لأنه ذكرني بحقبة دموية سوداء من تاريخنا. نعم، حقبة توحشت خلالها أجهزة وزارة الداخلية، ولا سيما الجهاز الملعون مع رجاله "مباحث أمن الدولة" التي باتت تقتل خيرة الناس وأطهرهم وأكثرهم غيرة وحبا لهذا البلد، تقتلهم على الهوية وبالشبهات، وبغير الحق، وتحتضن أحط أنواع البشر بل حثالتهم، لتستخدمهم في تنفيذ مخطط التوريث، وترسيخ أعمدة فساد الحُكم.
ووفق ما قالته زوجة المرحوم طلعت ياسين بتصريحاتها،حيث ظلت ممنوعة من رواية الواقعة حتى رحيل النظام، فإن المذكورون داهموا شقته قبيل الفجر أمامها، وفي ظل رعب تملك طفليه، واعتدوا عليه بالضرب المبرح حتى أًصيب بالإغماء، ثم أخرج أحدهم طبنجته وأمطره بها فأرداه قتيلا، بدون اعتبار لقانون ولا دستور.
ولم يكتفوا بذلك وإنما اصطحبوا زوجته وطفليه وأودعوهم بمقر مباحث أمن الدولة بلاظوغلي لمدة شهر، وخلال هذا الشهر عذبوا زوجته أمام أطفالها وهي حامل بجنينها، في محاولة منهم لانتزاع اعترافات منهم لا تعلم عنها شيئا، والمدهش أن مجرمي مباحث أمن الدولة الذين ارتكبوا الجريمة وقتها تبادلوا التهنئة بقتله.
وأيا كان ما فعله المرحوم طلعت ياسين من تجاوزات تراها مباحث أمن الدولة جرائم كبرى، ما كان لتلك العناصر الإجرامية أن تقتله بغير الحق وبدون محاكمة، وهنا يتوجب أن نشير إلى أن وزراء داخلية مبارك وأبرزهم الراحل زكي بدر كانوا يؤمنون بسياسة الضرب في سويداء القلب، أو الضرب في المليان.
وبالفعل تم عمل تصفيات واسعة النطاق لعناصر بالجماعة الإسلامية، كان ضباط مباحث أمن الدولة يقتلون أعضاء الجماعات الإسلامية، ونفاجأ ببيانات تخرج علينا بأنهم تبادلوا إطلاق النار مع قوات الأمن، وبالطبع كان البيان غشا وخداعا وتدليسا، لأن من قتلوهم إما قتلوهم بمنازلهم، أو في سلخانات التعذيب، وأحيانا وهم نيام.
ولن أنسى تصفية عناصر أمن الدولة لأحد عناصر الجماعة بمنطقة الإسعاف بقلب الشارع بمسدس صوت كاتم، وكان هذا العضو هو الدكتور علاء عاشور.
بل.. نزعم أن عناصر أمن الدولة هي التي بدأت التحرش بالجماعات الإسلامية فور تولي حسني مبارك الحكم، وكان هناك إصرار على اجتثاث تلك الجماعات وإيداع عناصرها بالسجون وتصفية قياداتها.
وكان الغرب الأوروبي الأمريكي العنصري، ومعه طابوره الخامس داخل مصر، يتفرج وهو سعيد بجرائم القتل ويدعم نظام مبارك بمساعدات تستهدف تدريب قواته وتقويتها لتؤدي دورها على الوجه الأكمل.
ووالله لولا الدعم الأوروبي الأمريكي لكان نظام مبارك قد انتهى على أيدي هؤلاء الثوار الذين خرجوا ورفع بعضهم السلاح ضد نظامه، عندما وجدوا أنفسهم معرضين للقتل بغير الحق، على أيدي عصابات مبارك الأمنية.
ونحن نصف عناصر أمن الدولة بالعصابات، لكون أن تلك العناصر تخلت عن القانون، ولم تحترم الدستور، ولم تراعي أية معايير إنسانية، وعادت بنا لقانون الغاب، قانون اللصوص والعصابات المسلحة، قانون الغاب الذي مكنها من أن تقتل بغير الحق، وبشكل سجله التاريخ في أسود صفحاته ،وهو منطق ظل المخلوع حسني مبارك يتبعه في التعامل مع كل من يراه خطر ا على نظامه.
ورأينا كيف أن أيادي جنود الأمن المركزي عندما انتفضوا، وكيف كون "مبارك" جهازا إجراميا بوزارة داخليته، فهذا الجهاز لديه سيناريوهات متعددة لتلفيق الاتهامات والتغطية علي أية جريمة خروج على القانون.
وصدق من ليس مثله شيء في الأرض ولا في السماء عندما قال «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً» المائدة 32 «والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النّفس التي حرّم الله إلا بالحق» الفرقان 68.
وكأن الذين يقتلون الأبرياء ماقرءوا الآيتين السابقتين، وكأنهم ماقرءوا قول الله تعالى: «ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً» النساء 93 فإلى أي دين ينتمون؟؟!! وبأي عقيدة يؤمنون؟؟ ولأجل من يقتلون؟؟ إنهم ينتمون إلى دين الإرهاب.
لذلك يتوجب على من فازوا بأغلبية في البرلمان المصري، أن يعملوا على إصدار تشريع لتتبع من عذبوا أبناء وطننا في السجون والمعتقلات حتى الموت، ومن قتلوا أبناء وطننا بغير الحق، حتى يتسنى إلقاء القبض على ضباط مباحث أمن الدولة الذين تورطوا في جرائم التعذيب والقتل، وتقديمهم لمحاكمات عاجلة.
وذلك لكي يكونوا عبرة أمام أي عنصر أمني تسول له نفسه أن يمارس أعمال القتل بغير الحق وخارج نطاق القانون.
إن الرئيس المتنحي حسني مبارك بدوره هو المسئول الأول عن تلك الجرائم، ويتوجب أن يقدم إلى المحاكمة، لأن وزراء داخليته الذين قتلوا شبابنا المتدين خارج إطار القانون، هؤلاء الوزراء تلقوا التعليمات منه.
ونناشد أبناء الجماعات الإسلامية أن يحصوا الأعداد التي قتلت منهم بدون محاكمة، وأسماء الضباط الذين قتلوهم أو عذبوهم حتى الموت من أجل تتبعهم وتقديمهم لمحاكمات عاجلة؛ لأن في ذلك حياة لوطن عظيم صاحب حضارة ورسالة.
هذا الوطن هو مصر العظيمة، كريمة الأديان، فالعنف بدأته الشرطة من الأصل، فكان هناك عنفا وعنفا مضادا، ونحن نعلم أن عشرات الآلاف من شبابنا اعتقلوا أعواما طويلة، وحبسوا ظلما، ولا تزال أعداد منهم في السجن ظلما، ونتمنى أن يتدخل السيد المشير محمد حسين طنطاوي للعفو عمن تبقى من المساجين السياسيين، وألا يستمروا في محبسهم بعد قيام ثورة 25يناير المجيدة.
كما نتمنى أن يلعب مجلس الشعب المنتخب الجديد دورا ً يساهم من خلاله في إنهاء هذا الملف، ويطوي من خلال ذلك حقبة دموية سوداء من تاريخ وطننا العظيم.
لذا فإن مبارك مع تشكيله الإجرامي الراهن لا يتعين إعدامهم لمرة واحدة، بل يستحقون الإعدام جميعا ألف مرة؛ لأنهم مارسوا كافة أشكال الإفساد في الأرض والقتل والإجرام. [email protected]