جولات ولقاءات قامت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال اليومين الماضيين بدأتها داخل مصر ثم تونس، ليتصدر ملف اللاجئين قائمة محادثاتها مع رئيسي كلا البلدين، خصوصا وأنه من أكثر الأزمات التي تؤرق القارة العجوز منذ العامين الماضيين، فضلا عن العمليات الإرهابية التي تحدث في الداخل الأوروبي بين الحين والآخر. ومنذ 2009 لم تزر ميركل مصر، لكنها وبعد زيارات مماثلة في عدد من الدول الإفريقية جاءت وتوجهت بعد مصر إلى تونس، وربما لسوء الأوضاع الداخلية في ليبيا لتوجهت إليها أيضا فهي دولة من الدول الرئيسية التي يتدفق منها المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، فألمانيا والغرب تريد للوضع في ليبيا أن يهدأ. مصر وتونس البداية مع مصر، لتحل ميركل ضيفة على مصر في الزيارة الثالثة لها منذ توليها المنصب والأولى منذ تولي السيسي رئاسة البلاد، حيث بحثا الطرفان عدد من القضايا والملفات أبرزها اللاجئين والهجرة غير الشرعية فضلا عما يخص المجالات الاقتصادية فتعهدت ميركل بتعزيز دعم التنمية الاقتصادية في مصر. وبقيت قضية اللاجئين محور اهتمام ميركل فطالبت مصر بتعزيز قوات خفر السواحل لوقف المرور غير القانوني عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، إذ يموت الآلاف من المهاجرين في البحر كل عام، قائلة إن "مصر تواجه تحديا كبيرا وهناك العديد من اللاجئين في مصر، نريد أن يحصلوا على أفضل الفرص". وقالت "إننا نتعاون ويمكننا تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ونتمنى كل النجاح لمصر كما تود المانيا أن تكون شريكه في هذا المجال، مؤكدة أن مصر قامت بالكثير في الشهور الأخيرة لمواجهة الارهاب والهجرة غير الشرعية"، أما فيما يخص تنظيم داعش قالت: "يجب أن تكون هناك مكافحة دولية مشتركة ضد تنظيمات الإرهاب مثل داعش". كما التقت كلا من الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وكذلك عدد من السياسيين المعارضين أبرزهم مزن حسن ومحمد أنور السادات، والكاتب إبراهيم عيسى. أما في تونس فبعد لقائها مع الرئيس الباجي قائد السبسي أعلنت توقيعها اتفاقا يتضمن إرجاع 1500 مهاجر تونسي ممن رفضت ألمانيا طلب لجوئهم، كذلك أعلنت أن الحكومة الألمانية ستقدم مساعدات لتونس قيمتها 250 مليون يورو لمشروعات تنمية داخل البلاد، وتوجهت ميركل أيضا بخطاب لنواب الشعب التونسي من داخل البرلمان. وقالت ميركل في خطابها إنه بإمكان التونسيين التعويل على جمهورية ألمانيا في دعم تونس سياسيا واقتصاديا، باعتبار وجود عديد النقاط المشتركة بين الطرفين من بينها محاربة الإرهاب، مضيفة أن تحسّن الوضع الاقتصادي سيساهم في قطع الطريق أمام الإرهابيين والمهربين والمتاجرين بحياة الشباب في الهجرة غير الشرعية. قضايا مشتركة أم طلبات؟ "ماذا تريد ميركل أو الغرب بشكل عام من شمال أفريقيا؟" سؤال يجيب عليه الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع السياسي، قائلا: إن ألمانيا أصبحت قائدة أوروبا والمعسكر الغربي بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفي ظل تراجع الولاياتالمتحدة عن المساهمة في التحالف الغربي وأضحت ألمانيا هي المدافعة عن المصالح الأوروبية. وأوضح أن ألمانيا تبحث عن شركاء لها في دول البحر المتوسط ولم تجد أفضل من مصر شريكا في هذه الرسالة فجاءت زيارتها لمصر ثم تونس، مشيرا إلى أن مشاكل الهجرة وتدفق المهاجرين غير الشرعيين من كلا البلدين أو عن طريقهم فوجدوا أن شواطئ البلدين معبر المهاجرين إلى أوروبا وهذه المشاكل في حاجة إلى تعاون وتنسيق بالإضافة إلى قضية الحرب على الإرهاب. وقال إبراهيم إن ألمانيا ربما تريد أن تحل محل الولاياتالمتحدة في دعم مصر، وليس صدفة أن يتم افتتاح محطات كهربائية تقوم بها شركات ألمانية خلال تلك الزيارة، مؤكدا أن ألمانيا تبحث عن وطن بديل للاجئين في مصر أو تونس أو بلد أخرى في البحر المتوسط ربما تركيا بعمل معسكرات لإيوائهم. وأضاف أنه مع مساعدات اقتصادية سخية من الممكن أن تقبل مصر بتوطين اللاجئين في أراضيها، موضحا "بالفعل مصر تحتوي أكثر من مليون لاجئ سوري وتركيا بها نحو مليونان ونصف آخرين ويمكن بمساعدات أوروبية مالية أن تقبل هذه الدول بوجود أكثر من هذه الأعداد لتكييف أوضاعها الاقتصادية". ورأى الدكتور محمد حسين أستاذ العلاقات الدولية إن العلاقات بين مصر والغرب في طور التشكيل وأنهم "يريدون حل مشاكل اللاجئين فيرمي الأمر داخل ملعبنا ويحل مشاكله دون رؤية تأثير ذلك علينا، لكنهم دول تتعامل معنا بعجرفة فكل مرة يأتون للزيارات ويملون طلباتهم ثم يخبروننا بعدم عودة السياح فأنا رافض للتعاملات الأوروبية الحالية مع دولة كبيرة بحجم مصر لها دورها التاريخي". وقال إن الاقتصاد المصري نامي ويحتاج للدعم من أجل التنمية وليس لفرض طلبات، مضيفا "عليهم أن يساعدوا مصر مساعدة لها قيمة وإلا فإن هذه الزيارات لا أهمية لها، لأنهم سينقلون مشاكلهم لنا ويتركوننا غرقى ويفتحون علينا مشاكل نحن في غنى عنها، فضلا عن دورهم في تقسيم المنطقة وعلينا أن نحمي حدودنا من الداخل وألا ننجر إلى مشاكل ليست لنا".