اعتمد المؤتمر الإسلامي الحادي عشر لوزراء الإعلام في ختام أعماله مساء يوم الأربعاء 21 ديسمبر 2016 بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية دراسة علمية بعنوان المضامين الإعلامية عن الإسلام في ضوء القانون الدولي أعدها بطلب من الإيسيسكو الخبير المغربي الدكتور علي كريمي أستاذ القانون الدولي وقانون الإعلام في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء والمعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط . وأوصى المؤتمر الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بالاسترشاد بمحتويات الدراسة كما دعا الإيسيسكو إلى تعميمها على جهات الاختصاص في الدول الأعضاء وكليات ومعاهد الإعلام . وتنطلق الدراسة من مسلمة أكدتها دراسات عديدة مفادها أن ظاهرة الإساءة والتحامل على الإسلام والمسلمين التي اخترقت وسائل الإعلام الغربية ليست وليدة اليوم، بل إنها متجذرة في علاقة الإسلام والمسلمين بالغرب. وبينت الدراسة أن موضوع إساءة وسائل الإعلام الغربية إلى الإسلام، يحمل في طياته الكثير من الخروقات القانونية التي تضرب في الصميم قواعد القانون الدولي، ويتم ذلك من خلال الإنتاج الإعلامي للدول الغربية، وهو إنتاج متحامل على الإسلام والمسلمين، و يسعى إلى تشويه صورتهما، مسخرا في ذلك كل ما هو متاح له من إمكانيات وكفآءات غاية في الدهاء، وفي الجدل الفكري والفلسفي والقانوني. و ترمي هذه الوسائل الإعلامية من خلال هذا الإنتاج إلى تطويع ولي عنق القواعد القانونية المتفق عليها دوليا، بإعطائها تفسيرات مغايرة في عمقها لمضمونها الحقيقي، ومناقضة لإرادة المشرع الدولي عند وضعها. وتبرر في كثير من الأحيان موقفها ذاك باللجوء إلى إجراء قراءات في تدخلات ممثلي بعض الدول حول قضايا بعينها، كأن تطرح تعارضا لجزء من النص مع قانونها الداخلي الوطني، أو تقدم تحفظا عليه، أو تصدر تصريحا أو تفسيرا بشأنه. وأشارت الدراسة من خلال استعراض سلسلة من القواعد القانونية، سواء منها المدمجة في الاتفاقيات الدولية أو في الإعلانات والقرارات الدولية، وأحيانا في بعض الاجتهادات الفقهية والقضائية، إلى أن حرية التعبير والإعلام تحدها الحرية الدينية. وهكذا قد لا يسمح، تحت مبرر التذرع بحرية الرأي والتعبير، إنتهاك حرمة الديانات والإساءة إليها وتشويهها، أو جعلها محل انتقاد وسب وقذف وإساءة لرموزها. كما أكدت الدراسة أن الحق في الحرية الدينية يعتبر من القواعد الآمرة في القانون الدولي، بحيث لا ينبغي الاتفاق على ما يخالفها. إنها مثل حرية الرأي والتعبير، فهما حريتان مطلقتان ولا يمكن أن يتم تقييدهما إلا بموجب قانون وفي ظروف استثنائية. ومعنى هذا أن حرية الرأي والتعبير لا يمكن أن تتغول على الحرية الدينية، كما أن الحرية الدينية لا يمكنها أن تستأسد على حرية الرأي والتعبير. إن نقاش هذه الإشكالية قد أظهر بعض الاختلاف بين جزء من الفقه القانوني الدولي الغربي، وبين الاجتهاد الفقهي القانوني الدولي الإسلامي، وهو أمر تمت الإشارة إليه في صلب هذه الدراسة، وإن كان كلاهما يتشبث باحترام حقوق الإنسان، وعدم انتهاكها في الدفاع عن الحريتين. و أظهرت الدراسة أن حماية الحرية الدينية كانت متجذرة في قواعد القانون الدولي، وقد عاد الإهتمام بها أكثر في السنوات الأخيرة بقوة داخل أجهزة الأممالمتحدة. وبينت الدراسة كيف تم الربط بين عودة العنصر الديني في العلاقات الدولية، واهتمام الأممالمتحدة بموضوع الإساءة إلى الأديان، حيث كانت البداية مع تكريس احترام المعتقدات الدينية بموجب إعلان 1981، وإعلان 1992، مع التأكيد على أن مفهوم الإساءة إلى الأديان، إزداد الاهتمام به داخل أروقة الأممالمتحدة ومن خلال بعض الأجهزة التابعة لها، مثل الجمعية العامة، ومجلس حقوق الإنسان، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، مباشرة قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 بقليل وما بعدها. ولاحظت الدراسة أنه ، رغم الجهود المتوالية التي تبذلها الدول الإسلامية، والتي تجد سندها في اجتهادات القضاء الدولي، وفي الاجتهاد الفقهي الدولي الرصين، فإن مسالة الإساءة إلى الأديان، كل الأديان السماوية، بواسطة وسائل الإعلام هي في تصاعد مستمر، مما يستلزم التفكير في إيجاد حلول لوضع حد لهذه الظاهرة التي تزداد حدة وقوة من حين لآخر. وتساءلت الدراسة هل يتم ذلك بفرض قيود على حرية الإعلام وبالتالي على حرية الرأي والتعبير؟ أم بإطلاق العنان لها دون حسيب ولا رقيب؟ أم بجعل حق احترام الديانات وحرياتها نداً مساويا لحرية التعبير عن الرأي؟ لأن طغيان أحدهما على الآخر، قد يؤدي إلى انتهاك مبدأين قديمين متأصلين في منظومة حقوق الإنسان، لا يمكن التضحية بأحدهما من أجل الحفاظ على الآخر، إنهما طرفان في معادلة شائكة ومعقدة الحل، لأن طغيان أحدهما أو استخدامه بتعسف قد يلغى الآخر ويعدمه. واستنتجت الدراسة أن الأمر يتطلب وضع اتفاقية دولية تحرم وتجرم الإساءة إلى الأديان، كل الأديان السماوية، مع الأخذ في الاعتبار أن الخوض في الإساءة إليها بواسطة وسائل الإعلام، من الأمور المقيدة لهذه الحرية. ويجد تبرير هذا المنع أسسه في المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية و بالخصوص الفقرة الثالثة منه، كما يجد أسسه في المادة 20 من نفس العهد، وفي اتفاقيات وإعلانات أخرى أهمها "الاتفاقية الدولية للقضاء على جريمة الفصل العنصري و قمعها" لسنة 1973، بالإضافة إلى مختلف وثائق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وأيضا إعلان سنة 1981 بشأن "القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد". وأكدت الدراسة أن مسألة وضع قانون دولي ملزم، يتم بموجبه احترام الأديان ومنع "التجديف" أمر ضروري وملح في ظل الواقع الدولي الحالي، حيث تنتشر وسائل الإعلام ويتم تسخيرها للكراهية الدينية والعنصرية. ويتعين على هذا القانون أن يميز بين حرية الرأي والتعبير من جهة، والإساءة إلى الأديان و اعتبارها بمثابة مساس بحقوق الإنسان من، جهة ثانية.