الجزائر: فقد التيار الإسلامي في الجزائر الكثير من نفوذه منذ تحولت محاولته الأخيرة للفوز بالسلطة إلى صراع دموي لكنه يسعى إلى هذا مجددا الآن . معززا بنجاحات الإسلاميين في دول أخرى بشمال افريقيا في أعقاب موجة انتفاضات "الربيع العربي". واستبعد معظم الإسلاميين في الجزائر من الحياة السياسية منذ الصراع ولكن في الأشهر القليلة الماضية أظهروا بوادر على تجدد نشاطهم والذي يمارسون معظمه من الخارج حتى لا يلفتوا أنظار الحكومة الجزائرية.
وأقاموا قناة تلفزيونية فضائية مقرها اوروبا وأرسلوا وفودا الى دول عربية شهدت انتفاضات هذا العام وكانت لهم مشاركات مترددة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
لكن احتمالات نجاحهم ضئيلة فهم منقسمون الى معسكرات أيديولوجية متناحرة تحاصرهم أجهزة الأمن الجزائرية القوية والأهم من ذلك أن صورتهم باتت مشوهة في عيون كثيرين بسبب الصراع الذي شاركوا فيه واسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 200 الف شخص.
لكنهم يرون فرصة في انتفاضات "الربيع العربي" التي أطاحت هذا العام بزعماء علمانيين حكموا بلادهم لعقود. في تونس المجاورة تولت جماعة إسلامية كانت محظورة فيما سبق الحكم بينما في مصر تقدم الإسلاميون على منافسيهم بفارق كبير في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي تجري على ثلاث مراحل.
وقال عبد الله انس عضو مجلس قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في الجزائر ويقيم في لندن "كانت تونس مثلا ومنصة انطلاق لهذه الثورة (الربيع العربي)".
وأضاف "يمكن أن تكون مثالا جيدا جدا للجزائر".
ولكي ينتعش الإسلاميون من جديد في الجزائر عضو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) والتي تمد أوروبا بنحو خمس وارداتها من الغاز الطبيعي فلابد أن يتخلصوا أولا من عبء التاريخ الدموي بالبلاد.
منذ 25 عاما كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بصدد الفوز بانتخابات تشريعية تمت الدعوة لإجرائها بعد أن أجبرت احتجاجات في الشوارع السلطات على تخفيف قبضتها على السلطة. وقالت الجبهة حينذاك إنها ستقيم دولة إسلامية.
وتدخلت الحكومة المدعومة بالجيش لإلغاء الانتخابات. وحمل الإسلاميون السلاح وانزلقت الجزائر الى عنف دموي. ذبح المدنيين في الشوارع وكان الناس يستيقظون في الصباح ليجدوا جثثا متناثرة في بلداتهم.
ولا تزال مجموعة من الإسلاميين - تعمل تحت اسم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي - تقاتل. وينصب التنظيم أكمنة من حين لآخر تستهدف قوات الأمن في الريف ويخطف غربيين وينفذ تفجيرات انتحارية.
لكن العنف تراجع بدرجة كبيرة. وأسفرت حملة أمنية ضخمة عن اعتقال آلاف المتشددين. وألقى آخرون أسلحتهم وتم العفو عنهم مقابل التعهد بالابتعاد عن العمل السياسي.
وتمثل هذه التركة اكبر عقبة في طريق عودة الإسلاميين بالجزائر. وقال صهيب بن الشيخ وهو رجل دين وكان إمام مسجد مرسيليا في فرنسا حيث توجد جالية جزائرية كبيرة :"منذ ذلك الحين (الصراع) لم يعد الإسلامي يعتبر بطلا يقف ضد الطغيان فعلى النقيض بات في أعين الرأي العام مسئولا عن ألم ومعاناة الناس".
ويساعد الخوف من العودة الى العنف في تفسير الهدوء النسبي الذي ساد الجزائر هذا العام في الوقت الذي شهدت فيه دول مجاورة اضطرابات.
غير أن الإسلاميين ما زالوا يعتقدون أن الجزائر جاهزة للتغيير وبدأوا يتخذون خطوات عملية.
وفي تشرين الثاني / نوفمبر أنشأت مجموعة من الإسلاميين الذين يعيشون في المنفى ويرتبطون بصلات بالجبهة الإسلامية للإنقاذ قناة تلفزيونية مقرها اوروبا تحمل اسم تلفزيون رشاد. ويحملها القمران الصناعيان اتلانتيك بيرد 7 ونايلسات ويمكن التقاطها في الجزائر حيث تملك معظم المنازل أطباقا لاستقبال البث الفضائي.
وتبث برامج سياسية واجتماعية حيث توجه الدعوة لقيادات ونشطاء المعارضة ومعظمهم ينتقدون الحكومة بشدة للتعقيب على الشأن الجزائري.