تحل اليوم الذكرى ال 68 للنكبة ، والتي تعتبر من أهم المناسبات التي يحييها الشعب الفلسطيني خاصة اللاجئين والمهجرين منهم. وترمز النكبة إلى التهجير الجماعي والطرد القسري لمئات الألوف من المدنيين الفلسطينيين في العام 1948 وتأكيد الفلسطينيين على تمسكهم بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم تنفيذا للقرار الأممي 194. الخامس عشر من آيار في كل عام هو ذكرى النكبة الفلسطينية، أي الاحتلال الاسرائيلي لما يقارب 80 % من أرض فلسطين، وإعلان إقامة "دولة إسرائيل" في هذا اليوم من العام 1948، وهو أيضا تشريد ما يقارب المليون فلسطيني بعد احتلال مدنهم وقراهم وأراضيهم، ودفع بعضهم الى قطاع غزة والضفة الغربية ونهر الأردن، والى عدد من الأقطار العربية المجاورة مثل الأردن والعراق وسورية ولبنان. في مثل هذا اليوم قبل ثمانية وستين عامًا (15 مايو 1948)، أصدرت الأممالمتحدة قرارها المشئوم رقم (181) بتقسيم فلسطين، مانحة إياها لإسرائيل، ومتفضلة على أهل الأرض ببقية أرضهم. واستولت "العصابات الاسرائيلية المسلحة" على أراض فلسطينية، أقاموا عليها يوم 14 مايو 1948 كيان الاحتلال الإسرائيل، وهجروا نحو 800 ألف فلسطيني من أراضيهم إلى بقاع مختلفة من أنحاء العالم، بحسب تقرير للأمم المتحدة صدر عام 1950. وتختزل الذكرى مراحل من التهجير اقتلعت الفلسطينيين من عشرين مدينة ونحو 400 قرية غدت أملاكها ومزارعها جزءا من دولة الاحتلال، كما تعيد النكبة ذكرى عشرة آلاف فلسطيني على الأقل لقوا مصرعهم في سلسلة مجازر وعمليات قتل ما زال معظمها مجهولا، فيما أصيب ثلاثة أضعاف هذا الرقم بجروح. بدأت الإرهاصات الأولى للنكبة الفلسطينية، عام 1799، حين قاد نابليون بونابرت حملة عسكرية فرنسية على العالم العربي، ونشر حينها بيانا يدعو فيه إلى إنشاء وطن لليهود على أرض فلسطين تحت حماية فرنسية بهدف تعزيز الوجود الفرنسي في المنطقة. لم تنجح خطة نابليون في ذلك الوقت إلا أنها لم تمت أيضًا، حيث أعاد البريطانيون إحياء هذه الخطة في أواخر القرن ال19، وتجسد ذلك بداية من 1897 حين دعا المؤتمر الصهيوني إلى إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين. وبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى وقيام الانتداب البريطاني في فلسطين بدأت قوى الاستعمار البريطانية بتنفيذ مخططها لبناء دولة صهيونية على أرض فلسطين. وفي عام 1917، أعلن وعد بلفور الدعم البريطاني لإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، وجاء الوعد في رسالة كتبها وزير خارجية بريطانيا السابق آرثر بلفور إلى البارون روتشيلد -وهو أحد زعماء الجالية اليهودية في بريطانيا- لإحالته إلى الاتحاد الصهيوني في بريطانيا العظمى وإيرلندا. وبعد ذلك توالى توافد الاسرائيليين إلى فلسطين بدعم من البريطانيين، كما اشترى اليهود عددا من الأراضي الفلسطينية لبناء مستوطنات صهيونية عليها، ما أدى إلى تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، وكل هذا تم بدعم كامل من البريطانيين. ولم يستسلم الفلسطينيون أمام هذه التحركات، وأدت جهود المقاومة في 1936 إلى قيام ثورة عربية ضد الإمبريالية البريطانية والاستعمار الاستيطاني الصهيوني. سحق البريطانيون الثورة العربية عام 1939، ووجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة عدوين: قوات الاستعمار البريطاني والعصابات المسلحة الصهيونية التي تزايدت أعدادها لتصل إلى أربعين ألف شخص في ذلك الوقت. وفي ال29 من نوفمبر1947 أقرت الأممالمتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، وشكل اليهود في فلسطين وقتها ثلث السكان، أغلبيتهم قدموا من أوروبا خلال السنوات القليلة التي سبقت هذا التاريخ، وكانوا يسيطرون على مساحة تصل إلى أقل من 6% فقط من دولة فلسطين التاريخية، إلا أن الخطة المقترحة من قبل الأممالمتحدة خصصت لهم 55% من المساحة. رفض الفلسطينيون وحلفاؤهم العرب الخطة المقترحة، بينما وافقت عليها الحركة الصهيونية، خاصة أنها أضفت صفة الشرعية على فكرة بناء دولة يهودية على أرض فلسطين العربية إلا أنها لم توافق على الحدود المقترحة، ولذلك أطلق الصهاينة حملات مكثفة للاستيلاء على المزيد من أراضي فلسطين التاريخية. ومع بداية عام 1948 سيطر الصهاينة على عشرات المدن والقرى الفلسطينية وطردوا سكانها الفلسطينيين من بيوتهم بالقوة، وذلك تحت أعين سلطات الانتداب البريطاني. وفي ال14 من مايو 1948 قرر البريطانيون إنهاء فترة انتدابهم لفلسطين، وفي اليوم نفسه -الذي انسحبت فيه قوات الانتداب البريطاني رسميا من فلسطين- أعلن رئيس الوكالة الصهيونية ديفيد بن جوريون إقامة دولة إسرائيل. وخلال دقائق قليلة اعترفت أكبر قوتين من قوى العالم - وهما الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي- بإسرائيل، وأصبح الفلسطينيون بلا دولة. وتمر ذكرى النكبة وما زال الشعب الفلسطيني مهجر ومشرد أكثر من 60% منه، بينما مازال الاحتلال الإسرائيلي يحتل أرضه، ويفرض سيطرته على مقدساته، ويمنع مواطنيه من العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، ويحرمهم من الوصول لمقدساتهم في مختلف المدن الفلسطينية وعلى رأسها مدينة القدس، وهو ما يخالف القانون الدولي، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية - الصادر عام 1966م الذي ينص على حق الشعوب الواقعة تحت الاستعمار في تقرير مصيرها واستقلالها؛ حيث تنص المادة الأولى منه " لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي". وكذلك تترافق ذكرى النكبة الثامنة والستين ؛ مع مواصلة الاحتلال لعمليات التهجير القسري, وتكثيف التهويد في القدس والضفة الغربية, كما تستمر جرائم العقوبات الجماعية التي ما زال يرتكبها بحق السكان المدنيين داخل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة؛ ومن بين هذه العقوبات الحصار الجماعي الذي يفرضه على قطاع غزة للعام العاشر على التوالي, وحرمان المرضى من السفر للوصول إلى المستشفيات ومنع الصيادين والمزارعين من العمل بفعل تقييد وصولهم إلى المناطق الزراعية القريبة من الحدود ومناطق الصيد بما لا يتجاوز ثلاثة أميال بحرية. وسنوياً، يحيي الفلسطينيون ذكرى "النكبة" يوم 15 مايو من كل عام، بمسيرات احتجاجية وإقامة معارض تراثية تؤكد على حق العودة، وارتباطهم بأرضهم التي رحل عنها آباؤهم وأجدادهم عام 1948.