أكد خبراء القانون الدولي أن المحاكم الفرنسية ليست محاكم دولية، وغير مختصة بمحاكمة رؤساء ومسئولين ليسوا على أرضهم، مؤكدين أن المحاكمة تكون من اختصاص المحاكم الجنائية الدولية، في حال ما إذا رفضت المحاكم الوطنية الدعاوى القضائية. وأوضح الخبراء أن المحكمة العليا بفرنسا قبلت دعوى تطلب محاكمة الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكنها لا يمكن محاكمته، لأن نصوص القانون الفرنسي تتعارض مع القانون الدولي الذى جعل الرؤساء يتمتعون بحصانة حال وجودهم خارج بلادهم. المحكمة الفرنسية غير دولية الدكتور نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سابقًا، قال إن الأساس في القانون الدولي هو"المحاكم الوطنية" وإذا كانت هناك جريمة أو واقعة فالمختص الأساسي فيها هو المحاكم الوطنية، إلا إذا كان هناك ضرر فى فرنسا نفسها. وأضاف حلمي فى تصريحات خاصة لشبكة الإعلام العربية "محيط"، أن المحكمة العليا من حقها أن تقبل الدعوى ومن ثم الفصل فيها، مضيفًا:"ليس هناك اختصاص للمحاكم الدولية ولا محاكم إقليمية أو محلية أخرى بما يحدث فى دولة ذات سيادة ومستقلة." وأكد أنه لا يوجد فى القضاء الدولي ما يجعل اختصاص جريمة فى دولة معينة لدى دولةً أخرى، والمحاكم الفرنسية ليست محاكم دولية، ولا اختصاص لها، لأن مصر ذات سيادة. وأوضح أنه فى حالة إذا رفعت الدعوى هناك، فلا يمكن الوصول إلى حكم، لأنه لن يكون حكمًا عادلاً لعدم وجود شهود يستلزم هذا، فضلاً عن أن حصانة الرؤساء التى تمنعهم من المحاكم، لكن فى نفس الوقت حصانة الرئيس يمكن أن ترفع أو لا ترفع، سواء فى مصر أو فى دولة أوربية. وحول ما إذا كان المسئولين الذين تضمنت لائحة الاتهام أسمائهم سيجدون صعوبة فى الدخول إلى فرنسا، أكد حلمي أنه لا يوجد صعوبة للدخول فى فرنسا، إلا إذا صدر حكمًا قضائيًا بالقبض عليهم. حصانة خاصة الدكتور محمد عطا الله أستاذ القانون الدولي، قال إن رؤساء وملوك الدول يتمتعون بحصانة خاصة تضاهي الحصانة الدبلوماسية عند قدومهم لأي دولة، والمحكمة الجنائية الدولية أدانت الرئيس السوداني عمر البشير، وعند تواجده فى أفريقيا سمعنا أنه سيتم اعتقاله، وكانت جنوب أفريقيا هي التى دعته لحضور القمة الأفريقية فى الاتحاد الأفريقي، و لم يتم إلقاء القبض علية لأنه يتمتع بحصانة خاصة. وأضاف فى تصريحات خاصة ل"محيط"، أن الأصل فى التقاضي هو للقضاء الوطني والقضاء الدولى "استثناء"، مضيفًا: "طالما أن القضاء المصري يستطيع أن ينظر مثل هذه القضايا سواء للرئيس أو المسئولين المتهمين في بعض القضايا، كان من الأولى أن ترفع هذه الدعوى أمام القضاء الوطنى، وإذا تم رفضها من القضاء الوطني يمكن أن يتم اللجوء إلى المحاكم الدولية. وأوضح أستاذ القانون الدولي أن المحكمة العليا فى فرنسا تطبق نصوص القانون الفرنسي، أما المحكمة الدولية الجنائية فهي تطبق اتفاقية روما لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. ولفت إلى أنه لم يتم تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة الرئيس الرواندي عندما ارتكب جرائم حرب ولم تنقل محاكمة إلا بعد أن فشل القضاء الرواندى فى محاكمة الرئيس وبالتالي فان الأصل فى الاختصاص القضاء الوطني. وتابع: إذا كانت هناك استحالة لنظر القضية لأي سبب ما سواء كان بسبب تدخل السلطة التنفيذية فى أعمال القضاء أو بسبب عدم استعداد القضاء لمثل هذه القضايا ينتقل الاختصاص هنا إلى المحاكم الدولية، وبالتالي يكون اختصاص المحاكم الدولية اختصاص تكميلي، وليس اختصاص أصيل. ثغرات فى القانون الفرنسي وقال عطا لله: المنظمة التى رفعت الدعوى أمام المحكمة العليا الفرنسية استغلت بعض ثغرات القانون الفرنسي فى إمكانية محاكمة الرئيس، وبعض المسئولين وتناست أن الرئيس حينما يذهب إلى أى دولة يكون بناءً على دعوة منها، وبالتالى الدولة تضمن حمايته منذ قدومه إلى حين عودته ولا يخضع لأى محاكمة حتى لو ارتكب جرم داخل الدولة خلال فترة الزيارة. وأشار إلى أنه خلال الأعوام الماضية، سمعنا أن القضاء البريطاني سيتم توقيف رئيس الوزراء الإسرائليى، آنذاك وأنه سيتم إلقاء القبض عليه بعض المسئولين لإرتكابهم جرائم ضد الإنسانية فى حق الشعب الفلسطيني، وحينما ذهب لم يحدث شيئًا من هذا القبيل، لأنهم كانوا فى زيارة إلى بريطانيا بناءً على دعوة من الحكومة البريطانية، وبالتالى وجب عليهم توفير "الحماية"، منذُ قدومهم إلى رحيلهم من الدولة. ولفت إلى أن المحكمة قبلت الدعوى، لكنها لم تبت فى هذه الدعوى لأن المحكمة حينما تنظر هذه الدعوى ستجد أن نصوص القانون الفرنسي حتى إن وجدت هذه النصوص تسمح بمحاكمة الرئيس وبعض المسئولين ستجد أن هذه النصوص تتعارض مع القانون الدولي الذى جعلهم يتمتعون بحصانة حال وجودهم خارج بلادهم. وكانت منظمتا "أي إف دي" الدولية لحقوق الإنسان، و"صوت حر"، أقامتا مؤخرًا دعوي قضائية ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي ومسؤولين حالين وسابقين أمام المحكمة العليا بفرنسا. واتهمت الدعوى المقدمة ضد الرئيس السيسى ومسئوولين بإرتكابهم جرائم تعذيب ممنهج، والمعاملة التى تحط من الكرامة الآدمية ضد المعارضين السياسيين. واستندت المحكمة العليا فى قبول الدعوى المقدمة إلى أن مواد فى القانون الفرنسي تنص على إمكانية محاكمة المتهمين في حال وجودهم داخل فرنسا، حتى إذا ارتكبوا جرائمهم موضوع المحاكمة خارج البلاد. جيل دوفير المحامي الفرنسي الذي قدم الشكوى إلى المحكمة، قال فى تصريحات صحفية: إن فرنسا يمكنها ممارسة ولايتها القانونية على أشخاص أجانب خارج البلاد عندما تتعلق هذه الجرائم بالتعذيب، وهو ما يسمى ب"الولاية العالمية"، مضيفًا:"هو إجراء قانوني صحيح يستند إلى القضاء الأوروبي أيضا، ومن ثم فإن السيسي والآخرين لا يمكنهم وقف هذه الدعوى." وتابع: "الدعوى تستهدف السيسى فى يوليو 2013 حتي اختياره رئيسا للجمهورية في مايو 2014، لأنه لم يكن يتمتع في ذلك الوقت بالحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول. وأشار دوفير إلى أنهم سيواصلون العمل، بعد أن طلب مسؤول التحقيق القضائي بعض الضمانات، وسيتم توفيرها، وسنجمع شهادات الضحايا والتقارير الطبية والحقوقية لنقدمها أيضا لتبدأ التحقيقات قريبا. وعن مدى تأكدهم من الشهادات المقدمة إليهم، قال دوفير:"إنهم سيدرسون كل ما يُقدّم إليهم، كما أن الشهادات سيدعم بعضها بعضا، "وسنطلب من جميع المسؤولين العسكريين المصريين الذين يزورون فرنسا تقديم شهاداتهم حول تلك الفترة، وعلينا أن نثبت أن العدالة أقوى." وفى نهاية تصريحاته أكد دوفير، أن قاضى التحقيق لم يكن ليقبل الدعوى ما لم تكن تستند إلى قوانين واضحة، بالإضافة لقرارات محكمة التمييز، وختم بالقول "نلتقي في المحكمة ونرى". يذكر أن منظمة التحالف الدولية "اي اف دي "، طالبت القضاء المصري بضمان محاكمة عادلة للرئيس الأسبق محمد مرسي، ولبقية السجناء على خلفية رفضهم ل"30 يوينو"، بعد عزل أول رئيس مصري منتخب.