أبكاه حريق المجمع العلمي صاحب ال200 عام وصف 25 يناير بأنها "ثورة مجيدة" نتجت عن فجوة مخيفة اعتبر نكسة 67 منحة من الله..ووصف الشيخ الشعراوي ب"الذكاء الخارق" نعى حلمي النمنم وزير الثقافة وفاة د.إبراهيم بدران رئيس المجمع العلمي ورئيس مجلس أمناء جامعة النيل، ووزير الصحة الأسبق، الذي وافته المنية أمس عن عمر يناهز 81 عاما. وقال النمنم إن وفاة بدران تعد خسارة لرجل وطني من الطراز الأول، واصفا إياه بعاشق العلوم، والمحب المخلص لوطنه، و"طبيب الغلابة". كما نعى مجلس الوزراء بعميق الحزن والأسى الدكتور إبراهيم بدران، وزير الصحة الأسبق، الذي شغل عديد من المناصب الرفيعة منها رئيس جامعة القاهرة، ورئيس أكاديمية البحث العلمي، ورئيس المجمع العلمى، ورئيس مجلس أمناء جامعة النيل. ويتقدم المجلس بخالص العزاء والمواساة إلى أسرة الراحل العظيم. ولد بدران في 27 أكتوبر 1934 بالقاهرة، وحصل على بكالوريوس الطب والجراحة ، ونال أول دبلومة، وحصل على درجة الدكتوراه في الجراحة العامة، وتدرج في الدرجات العلمية حتى درجة أستاذ الطب والجراحة بجامعة القاهرة، ثم وكيلا لكلية الطب بجامعة القاهرة، حتى وصل إلى نائب رئيس جامعة القاهرة . د.إبراهيم بدران عن التحاقه بكلية الطب يقول: على الرغم من أن أبي كان من رجالة الشرطة، وأخي الأكبر تخرج من كلية الزراعة وعين معيداً في زراعة الإسكندرية، فكنت في قرارة نفسي طواق للالتحاق بكلية الطب، ولكن نظراً لحالة والدي الصحية وما أجده من تفوق أخي أسرت السلامة، وصرحت لأبي برغبتي في دخول كلية الزراعة أسوة بأخي، قائلاُ إنها 4 سنوات فقط بدلاً 7 سنوات هي عدد سنوات الدراسة في كلية الطب، لكن والدي بفطنة المعهودة أدرك حقيقة رغبتي وتوجهي، ورد على قائلاً " كنت أتمني أن يلتحق أحدكم بكلية الطب" وعليها قلت له "فليكن ما دامت هذه رغبتك" .. وقد كان. قال الراحل عن حريق المجمع العلمي: "كنت أرى الحريق في التليفزيون، ولم يكن بيدي حيلة، فأنا رجل عجوز أنهيت رسالتى ومازلت أعافر، فلم أجد سوى البكاء على هذا المبنى صاحب ال200 عام، و291 ألف مجلد ومرجع علمي". رغم ابتعاد بدران عن السياسة، لكنه كان يرى ثورة 25 يناير، ثورة مجيدة، نتجت عن فجوة مخيفة، بين الأغنياء والفقراء، كانت ناتجة عن مرحلة التحول الاقتصادي إلى الرأسمالية المنفردة، بعد انتصار أكتوبر، حيث دخلت مصر في كبوتين، أولهما التحول الاقتصادي، وثانيهما الاحتضان بالغرب، ووضع مستقبل الأرض في يد أمريكا. كان الراحل طبيبًا خاصًا للرئيس جمال عبدالناصر، وكان شاهدًا على مظاهرات 18 و19 يناير 1977 حين كان وزيرًا للصحة في عهد الرئيس أنور السادات، قال :"إن علماؤنا في الخارج رأس مال مودوع في بنك أجنبي نستعيده وقت ما نريد". كان يعتبر هزيمة 67 منحة من الله، وعن ذلك يقول في أحد حواراته الصحفية: أنا معجب جدا بمثل صيني عن قيمة الأزمات التي تصيب الإنسان "الأزمات هي قيمة في خطورتها وما تصيب به أمة من أزمات يمكن أن يتحول إلى منحة".. وهذا يعني أن أي أزمة من الممكن أن تستفيد منها وتحول المحنة إلى منحة، ومن الممكن أن تحول الهزيمة إلى انتصار، وهذا ما حدث مع هزيمة 1967، لأننا عرفنا ماذا كان ينقصنا.. عرفنا ما كان ينقص التعليم، وما كان ينقص الجيش، وما كنت تحتاجه الشرطة.
وعن خلافه مع د.أحمد زويل بسبب جامعة النيل يقول: لم اختلف معه في يوم الأيام، لكنه ذهب لينشئ جامعة زويل ونحن أيضا ذهبنا للنشئ جامعة النيل البحثية، وربنا يوفقنا وتكون هناك جامعتين بحثيتين كبار في مصر. وعن التعليم في مصر يقول: أعتقد أن مصر لم تعط التعليم حقه، والاهتمام الكافي بقدر اهتمامها بالبنية التحتية والجيش والشرطة، إذ تم ذلك على حساب قضية التعليم والبحث العلمي. وأذكر أنه عندما سافرت الى انجلترا لاستكمال تعليمي، أن تصنيف الجامعات المصرية كان يأتي بعد كندا ويتقدم على جامعات أستراليا وجنوب أفريقيا والهند وهي جميعاً دول كان خريجوها يقصدون بريطانيا للتزود من العلم في جامعاتها المرموقة. ولابد بأن نؤمن بأن الدول لا تبنى إلا في الفصل والمعمل، وإذا لم يكن صانع القرار الأول مؤمن بذلك، نفس مستوى الطالب الذي يلتحق بأي مجال إن لم يكن أساسه التعليمي قوي، ينعكس ذلك على مستواه المهني في أي مجال يرتاده. يمكن تلخيص حال مصر في جملة قالها العالم والمفكر الراحل جمال حمدان حيث قال "إن مصر هي العقل المكتسح والجسم الكسيح". فدائما ما تنطلق أفكار ذات مستو رفيع، ولكن يطغى عليها في مراحل التنفيد كل رواسب المجتمع، وهو ما يؤدي لفشل الكثير من الأفكار والمشاريع. وعن علاقته بأم كلثوم والشيخ الشعراوي يقول: أنا ممن يعشقون صوت أم كلثوم، وقدر لي الله أن أجرى جراحة لأحد عازفي الكمان في فرقتها، وللاطمئنان على صحته، كانت تتحدث إلى كل يوم في التليفون للسؤال عن صحته، وكانت تشعر بفرحة عارمة لمجرد أن أؤكد لها عن أن صحته في تحسن. أما عن الشيخ الشعراوي فيقول: لقد وهبه الله ذكاءاً خارقاً وحلاوة في اللسان وقدرة على التعبير، وأنا كنت منتظم في الحضور في جلساته مع سيد جلال رحمه الله أحد مريديه . وكان من حسن حظي دخولي معه الوزارة أنا كوزير للصحة وهو كوزير للأوقاف، ولقد طردنا معاً من الوزارة في ذات اليوم أيضاً. ولا أنسى كلمة الشيخ الشعراوي لرئيس الوزارة السيد ممدوح سالم حيث قال له معلقاً على إعلان السادات لقرار الإقالة " ياسي ممدوح، الحمد لله أنك أذقتنا طعم الوزارة حتى لا نشتهيها مرة أخرى" . والغريب أن الوزارة ظلت تعمل من 11 مايو وحتى 7 أكتوبر إلى أن تشكلت الوزارة الجديدة. وعن حكايته مع الطاعون يقول: قرأت كلمة طاعون في منشور كانت ترسلها لنا إحدى الهيئات الصحية العالمية أسبوعياً، وكان توصيفه أنه في الحبشة والسودان وليبيا. عدت الي البيت وخلدت إلى النوم، وعندما استيقظت لصلاة الفجر وجدتني كاتب باللون الأحمر "حديقة الأسماك". وظللت في حيرة من أمرى ما تعني عيارة " حديقة الأسماك " وبعد قرابة ساعة، استطعت الربط بأن النبأ الخاص بالطاعون، والحديقة كمرتع للفئرات والحيوانات الناقلة للطاعون، وعلى الفور اتصلت بمدير مكتبي ، وقلت له كلم أحمد بيه رشدي مدير أمن القاهرة آنذاك، وبلغه ضرورة عمل كردون حول حديقة الأسماك، وبالفعل تم عمل اللازم بالتنسيق مع المهندس إبراهيم شكري وزير الزراعة واستطعنا يومها استخراج أعداد هائلة من الفئران، وبالتالي أنقذ الله مصر من الطاعون . لم تتوقف حياة "بدران" العلمية بل وصل إلى وزيرا للصحة في الفترة من 1976 حى 1978، ثم عين رئيسا لجامعة القاهرة من 1978 حتى 1980،، ورئيس أكاديمية البحث العلمي عام 1980، وعضو بالمجالس القومية المتخصصة، ورئيس مجلس بحوث الصحة والدواء بأكاديمية البحث العلمي، ورئيس جمعية تنمية المجتمعات الجديدة بوزارة التعمير والإسكان، وعضو الهيئة الاستشارية بهيئة الصحة العالمية بجنيف، وعضو المكتب الاستشاري بمكتب هيئة الصحة العالمية لشرق البحر الأبيض المتوسط، وعضو الجمعية الطبية العالمية في بروكسل، وعضو المركز الفرنسي للعلوم والطب بباريس. وكان ل"بدران" عديد من المؤلفات العلمية أهمها كتاب في ثلاثة أجزاء في الجراحة العامة، و"نظرة مستقبلية للتعليم الجامعي في مصر"، و"نظرة مستقبلية للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي في مصر"، وعشرات الأبحاث في الجراحة العامة. وتم تكريم "بدران" في عديد من المحافل العلمية وحصل على وسام العلوم والتعليم من الجمهورية الفرنسية، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى ووسام جوقة الشرف من درجة فارس في فرنسا، والدكتوراه الفخرية من جامعة المنوفية في فلسفة العلوم عام 1984، ومن الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، ووسام العلوم والفنون، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم، كما كرمه الرئيس عبدالفتاح السيسي في عيد العلم ال24.