ولد في "توبولسك"، "سيبيريا" عام 1834 م، الطفل السادس عشر والأخير، لأسرة فقيرة، وهناك التحق بمدرسته الأولى. بعد موت الأب، انتقل مع أمه إلى "سان بطرسبرج"، حيث التحق بالمعهد العالي للتربية، وتخرج منه، ليعمل مدرسا لفترة قصيرة في شبه جزيرة القرم، وبعد أن تعافى من السل، عاد إلى "سان "بطرسبرج"، ليسافر منها إلى فرنسا، وألمانيا، لدراسة الكيمياء. بعد ثلاث سنوات، عاد ليعمل في معهد التكنولوجيا بجامعة "سان بطرسبرج"، ويتزوج في نفس العام، لكنه وقع في غرام "أنا بوبوفا"، ولاحقها مهددا بانه سوف ينتحر، إن لم توافق على الزواج منه، فقبلت، وتزوجا، قبل انتهاء إجراءات طلاقه من زوجته الأولى. عالم موسوعي: حصل على الدكتوراه عام 1865م، في موضوع تفاعلات الكحول مع الماء، وبعد أن صار أستاذا في الجامعة، وانتخب عضوا في أكاديمية العلوم، أقالته الحكومة من عمله بسبب نشاطه السياسي، ثم أعيد تعيينه بعد فترة في ديوان الأوزان والمقاييس. كان "مندليف" عالما موسوعيا، شملت معارفه الكيمياء والزراعة والصناعة والديموجرافيا والاقتصاد، فساهم في تطوير صناعات النفط والفحم الحجري والحديد، ووضع المواصفات القياسية للفودكا، وأنجز أعمالا هامة في الارصاد الجوية، والموازين، وصناعة البارود عديم الدخان، وأنجز أكثر من 1500 بحثا، ومن أشهر كتبه "مبادئ الكيمياء"، و"نحو فهم روسيا"، و "آراء حول الصناعة". الجدول الدوري: لكن انجازه الأشهر، هو الجدول الدوري للعناصر، الذى توصل إليه بعد عشرين عاما من العمل، ونشره في عام 1869م، في دراسة بعنوان "العلاقة بين خواص العناصر و أوزانها الذرية". اكتشف "مندليف" أحد قوانين الطبيعة، الخواص الدورية للعناصر، فقام بتعديل الاوزان الذرية لبعض العناصر، ووصف خواص عناصر، و ترك في جدوله مواقع خالية لثمانية عناصر أخرى، تنبأ بوجودها، واكتشفت فيما بعد، واقترح، مع وليم رامزى، إدراج مجموعة الغازات النبيلة في الجدول. والجدول الدوري ليس مجرد صورة، بل هو دليل كامل وكاشف عن النظام الأساسي لتوزيع الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات، داخل ذرات العناصر، إنه شبكة جميلة وبسيطة، من الصفوف والاعمدة، تنبأت بكل العناصر الموجودة في الكون، وخواصها الكيميائية والفيزيائية المميزة، قبل اكتشافها بسنوات طويلة. هل في علم الكيمياء، ما هو أساسي، أكثر من الجدول الدوري؟ وهل هناك ما هو أكثر جوهرية من معرفة خواص العناصر؟ أليس غريبا ألا يفوز مثل هذا الاختراق الكبير بأرفع الجوائز؟! دراما الجائزة: هذا هو ما حدث بالضبط، لذلك يعتبر "مندليف"، وجدوله الدوري، مثالا واضحا، لما يمكن ان نطلق عليه ضحايا نوبل، وربما كان أول الضحايا. عندما منحت الجائزة لأول مرة في عام 1901م، تم تجاهل "مندليف"، وحصل عليها الهولندي "جاكوب فان هوف" (1852- 1911م)، عن أعماله الرائدة في الكيمياء الفيزيائية. واستمر تجاهل "مندليف" لسنوات 1902، 1903، 1904م، لكنه لم يفقد الأمل، إذ تم ترشيحه لنيلها في عام 1905م، لكنها تجاوزته للمرة الثانية، ومنحت للألماني "أدولف فون باير"(1835-1917م) عن أعماله في مجال الكيمياء العضوية. ثم رشح لها في عام 1906م، لكنها تجاهلته، للمرة الثالثة، وذهبت إلى الفرنسي "هنري مواسون"(1852-1907م) لاكتشافه عنصر الفلور، الذى كان "مندليف" قد تنبأ بوجوده، ووصف خواصه الكيميائية بدقة، وترك له موقعا خاليا في جدوله. لم يحصل مندليف على الجائزة، لأن أحد أعضاء اللجنة اعتبر انجازه قديما ومعروفا جدا، وكأن قدم وانتشار الجدول الدوري، سبب كاف لتجاهله. وفي عام 1907م، مات "مندليف" بسبب الأنفلونزا، ولم يعد ممكنا أن يحصل على الجائزة، وفقا لميثاقها الذى يحرم الموتى منها مهما كانت انجازاتهم. الانتشار والخلود: نال "مندليف" تقدير العالم، فكرمته المؤسسات العلمية في أوربا، وتم إطلاق اسمه على العنصر رقم 101 في الجدول الدوري، ونصبت له تماثيل في "سان بطرسبرج" و"براتسلافا" ومدن اخرى. لكن أعظم تقدير ناله هو أن الجدول، صار الملصق الأكثر أهمية في الكيمياء، والأكثر انتشارا في العالم، يعلق على جدران المختبرات، في المدراس والجامعات، لتتعلم منه الأجيال، حتى الآن، ويبدو أنه سيظل خالدا إلى أبد الدهر. استاذ بكلية العلوم جامعة الازهر