يقع دير السريان مع دير الأنبا بيشوى فى المنطقة الواقعة بين دير البراموس ودير الأنبا مقار ويبعد عن الرست هاوس مسافة 12كيلومتر، ويعد هذا الدير من أصغر أديرة وادى النطرون من حيث المساحة إذ تبلغ مساحته فدانا وثلاث عشر قيراطا، ويعتبر دير السريان ذات أهمية أثرية وفنية كبيرة لما يحتويه من كنوز أثرية وفنية متمثلة فى أيقونات وتصوير جداري بالكنائس الأثرية ومشغولات خشبية وغيرها. وقد قامت الباحثة سلفانا جورج عطاالله مفتشة آثار بمنطقة آثار الإسكندرية بدراسة آثارية ترصد جماليات اللوحات الجدارية بالدير، تحت عنوان "التصوير الجداري للخورس الأول بالكنيسة الآثرية بدير السريان بوادى النطرون". وتشير الباحثة سلفانا جورج إلى رؤية الباحثين لدير السريان على أنه على شكل فلك نوح حيث استندوا في ذلك الرأي إلى النسبة بين طول الدير وعرضه مثل النسبة بين طول السفينة وعرضها، هذا بالإضافة إلى أن مقدمة الدير من الناحية الشرقية تشبه مقدمة المركب وأيضا ارتفاع الحصن يعطى للدير رمز الفلك، ويحتوى هذا الدير بداخله على ثلاث كنائس أثرية وهم كنيسة السيدة العذراء السريان وهى الكنيسة الرئيسية التي سمى الدير باسمها وكنيسة الأربعين شهيداً وكنيسة المغارة للسيدة العذراء. كنيسة السيدة العذراء يذكر الرحالة ألفريد بتلر أن الكنائس المصرية على طول وادي النيل عرفت تزيين الكنائس بصور القديسين والملائكة، بل كان هذا الأمر شائعا أيضا في كنائس الأديرة بالصحارى وأنه شاهد أمثلة لتلك الصور الجدارية فى أديرة السريان والأنبا بيشوى والبراموس تصف الباحثة سلفانا جورج كنيسة السيدة العذراء بالدير التى تقع فى الجانب الجنوبي الشرقي للحصن وتعتبر من أقدم وأروع كنائس الأديرة لما تحتويه من أيقونات ورسومات فريدة وأبواب أثرية وفرسكات موضوع البحث حيث تتميز تلك الفريسكات بألوانها الإبداعية والمتميزة وهى على الطراز البازيلكي مكونة من صحن الكنيسة وجناحين بالإضافة إلى رواق مستعرض في نهاية الكنيسة وحتى عام 1988 كشف عن ثلاث رسوم جدارية بالكنيسة مرسومة فى أنصاف قباب اثنين بالخورس الآمامى والثالث فى نهاية صحن الكنيسة ويعودوا إلى القرن الثالث عشر الميلادى. البشارة تصف الباحثة سلفانا جورج رسم جداري بنصف القبة الجنوبي يمثل بشارة الملاك جبريال للعذراء مريم بالحبل المقدس والميلاد ذاته للسيد المسيح وأسلوب صناعتها مسبوكة بالشمع القرن 13م، مقسم إلى قسمين الأول من يسار الرسم ويظهر موضوع البشارة من خلال وقوف رئيس الملائكة جبريال بصورة جانبية وهو ملاك مجنح أحد يديه ليشير بالتحية والسلام تجاه السيدة العذراء. ويظهر من ملامح الوجه التأثر بالفن البيزنطي ويحيط بالرأس هالة ويرتدى الملاك جلبابا فضفاضا باللون الأصفر ويعلوه العباءة باللون الأحمر وفي مقابل رئيس الملائكة تجلس السيدة العذراء بشكل أمامي، ويظهر خضوعها للبشارة من خلال ملامحها واندهاشها من أمر البشارة وهى رافعة أحد يديها تجاه ذقنها وتظهر السيدة العذراء برداء فضفاض باللون الاخضر وفوقه برنس أحمر مفتوحا بثنيات بسيطة ويعلو رأسها غطاء أحمر اللون والهالة تحيط برأسها ويظهر خلف السيدة العذراء مبنى الهيكل التى كانت تصلي فيه وهو عبارة عن مبنى بقبة صغيرة ومدخل مقوس. الميلاد تشير الباحثة للمشهد الثانى بالجدارية وهو مشهد الميلاد للسيد المسيح عليه السلام ويتوسط المشهد السيدة العذراء وتحيط الهالة برأسها وتضع يدها اليسرى على ركبتها والآخرى علي صدرها، فى حين يظهر طفلها ملفوفا بقطع من القماط وموضوع على مزود فوق تلة صخرية، ونجد الملائكة تعلن الخبر السار من خلال ظهور الملائكة فى أعلى الجدارية وخلفية الأرضية وراءهم زرقاء اللون، لترمز إلى السماء ونقرا كتابات سريانية " المجد لله فى الأعالى وعلى أرض السلام وبالناس المسرة". وبالقرب من السيدة العذراء نجد القديس يوسف النجار وإن كان هذا غير واضح فى الرسم الجداري نتيجة لتساقط إجزاء من الرسم الجداري وفى أقصى يمين الرسم يظهر المجوس الثلاثة وعلى رؤوسهم تيجان ذهبية ويقدمون هداياهم أما الزاوية اليسرى فيظهر الرعاة وأحدهما يلعب بآلة الفلوت الموسيقية وعلى حسب التقليد القديم للأيقونة الكنسية تعكس هذا الرسم تنوع الأعمار فى الحياة فيمثل الشيخوخة فى القديس يوسف والشباب فى الرعاة والنضج فى المجوس. القديس مرقوريوس تشير الباحثة سلفانا جورج إلى تصوير جداري بالحائط الشرقى الجنوبى بالكنيسة الآثرية يمثل القديس مرقوريوس بوسيفين وهو يطعن برمحه الإمبراطور يوليانوس بأسلوب الفريسكو، ويظهر القديس مرقوريوس في التصوير فارسا يمتطى جواداً أبيض وحول رأسه الهالة النورانية وعلى جانبي الهالة حروف بالقبطية ويرتدى ملابس بيضاء فضفاضة تظهر الكثير من ثنياياتها، وحول وسطه حزاماً أحمر اللون ويمسك بيده رمحاً في نهايته صليب. ويظهر وهو يطعن شخصا راكعا تحت قدم الحصان ورافعاً يديه بوضع الاستسلام وعلى رأسه تاج وهالة بيضاء ويرتدى رداءاً أبيض وفوقه الشملة، وقد أظهر الفنان دقة التفاصيل في الجواد من حيث حركة قدميه والسرج وملامح الوجه، كما نرى من خلال الشعر القصير لكل من القديس والإمبراطور التأثير اليونانى الرومانى. القديس الطبيب تصف الباحثة سلفانا جورج تصوير جدارى للقديس مارقلته الطبيب وهو يقوم بإجراء عملية جراحية على الجزء الأوسط للحائط القبلي للكنيسة الأثرية بالفريسكو ويظهر القديس مارقلته جالسا على كرس صغير مصنوع من الخشب يتوسط جنبه الأكامى صليب من الخشب ويتخلله أرابيسك باللون الأبيض، ونرى القديس حول رأسه الهالة النورانية وذا شعر قصير وذقن متوسطة مما يعكس تأثير فن بيزنطي. يرتدى رداءاً أحمر اللون وفوقه الشملة بيضاء اللون رافعاً إحدى يديه بآلة طبية ليفحص بها عين شخص آخر واضعاً يده الأخرى على كتف المريض الماثل أمامه بوضع جانبي، وينحنى أمام الطبيب ويرتدى رداءاً فضفاض أحمر اللون وفوقه وشاح ذهبي ويقف شخص ثالث بعيداً قليلا يبدو أنه مريض منتظر الفحص وقد صور بشكل أمامي ذو شعر قصير ويرتدى تونك أحمر وفوقه شملة ذهبية اللون. كما يظهر بمنتصف أعلى الصورة دولاب مفتوح مكون من رفين بهما زجاجات ذات ألوان مختلفة، ربما تشير إلى الأدوية التي يستخدمها الطبيب في علاج مرضاه ويعلو هذا الدولاب فرنتون مثلث مغلق. ويحيط التصوير من أعلى إفريز من الزخارف النباتية ومن أسفل إطار من خطين أحمر اللون بداخله صف من المثلثات البيضاء وبداخل كل مثلث زخارف نباتية . وتؤكد الباحثة في الخاتمة، أنه كان لاستقرار دعائم الديانة المسيحية فى العالم الرومانى منذ القرن الرابع الميلادى أكبر الآثر على الفن القبطى حيث ان انتشار المسيحية بين طبقات الشعب كان عاملا رئيسيا فى انهيار الفن الامبراطورى وظهور فن شعبى ينتمى لقوميات متنوعة بلا من انتمائه للإمبراطورية. كان الفن القبطى أحد تلك الفنون القومية التى بدأت تظهر فى الإمبراطورية الرومانية مع نهاية القرن الثانى الميلادى واستمر حتى يومنا هذا ، حيث سيطر عليه التفكير الشعبى والتأثير الدينى للديانة الجديدة من حيث الموضوع أو الأساليب الفنية، وقد تأثر فى القرون الأولى بالفنون السابقة ولكن عقب الاعتراف بالمسيحية بدأ الفنان المصرى يبتكر موضوعات جديدة واستقر على أسلوب الواقعية واتضح ذلك جليا فى التصوير الجدارى خاصة بدير السريان حيث عكس فترات زمنية متفاوتة وموضوعات متعددة. فقد اتسمت الرسوم الجدارية لدى الفنان القبطى بالطابع المحلى دون إغفال التأثيرات الحضارية المختلفة أو عوامل البيئة المحيطة بالفنان ، فقد استطاع الفنان ان يستخدم مواد بسيطة فى عمل الفريسكات وأتقن صناعتها حتى يواكب الظروف الاقتصادية التى كانت تمر بها مصر. أما من حيث الأسلوب الفنى ، فإنه لم يكن على وثيرة واحدة ، فشهدت القرون الميلادية الأولى اختلاط الديانة الوثنية بالديانة الجديدة واعتمد الفنان القبطى على الرمزية بصورة كبيرة، ولكن بعد استقرار الأمور اعنمد الفنان على تحديد الرؤية الغير منظورة التى تعبر عن الموضوع بأبسط الأساليب، واستخدم فى ذلك الإيحاء أو التحوير يستطيع فهمها المسيحى فقط دون الوثنى وكان هذا هدف التصوير فى تلك المرحلة. ثم تأتى المرحلة المتقدمة وهى فترة التى عنى بها هذا البحث،وهو بعد زوال الوثنية وتحرر المسيحية من القيود السياسية والدينية ، وقد شهدت تلك الفترة صراعا رهيبا كان له أبلغ الآثر على استقلال الفن القبطى فيما بعد. حيث كان للصراعات المذهبية فى القرن الرابع والخامس الميلادى ان جعلت الفنان يبتعد عن جميع المؤثرات البيزنطية ويتجه الى التراث المصرى القديم مع إضفاء الصبغة المسيحية عليه. وقد ظهر ذلك من خلال الموضوعات المصورة وتأكيد الفنان القبطى على عقيدته ودفاعه عن مفاهيمه اللاهوتية الخاصة بالطبيعة الواحدة ووالدة الإله. يمكن القول فى نهاية الأمر أن التصوير الجدارى كان أحد الفنون القبطية التى نشأت مع ظهور المسيحية وارتبطت بها ارتباطا وثيقا حتى صارت جزءا من طقوس الخدمة اليومية للدين المسيحى فى مصر ، ولازالت تحتل تلك المكانة حتى يومنا هذا.