صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب "متاهة الحاكمية: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية" للدكتور هاني نسيرة. دأب مركز دراسات الوحدة العربية على متابعة القضايا التي تشغل الرأي العام، ولا سيما النخب الفكرية والسياسية وصنّاع القرار، وذلك من أجل البحث فيها علمياً والتنقيب عن حقائقها، وتسليط الأضواء النقدية عليها، ووضعها بين يدَي القارىء بغية تعميق المعرفة، وتعزيز النقاش حول التطورات التي يشهدها الوطن العربي، وخصوصاً في السنوات القليلة الماضية منذ اندلاع ما يوصف إعلاميّاً بِ «ثورات الربيع العربي». لقد ازداد في سياق هذه المرحلة، دورُ حركاتٍ وهيئاتٍ استندتْ انتقائياً إلى بعض التراث الفقهي، ولا سيما مؤلفات ابن تيميّة، فقدّمت تصوّراتٍ وتحليلاتٍ للقضايا المعاصرة انطلاقاً من هذا التراث، وأقدمت على ممارساتٍ عديدة أثارت ردود فعل متباينة، وسببت انقساماتٍ واسعة، وجرت كلها تحت شعارات فقهية رآها كثير من الباحثين أحادية الجانب، وربما وقعت في خطأ التفسير أحياناً، وفي فخّ المبالغة أحياناً أخرى. الكتاب الذي بين أيدينا يثير هذه النقاط وغيرها بروح الاستقصاء النقدي، ويحاول فيه المؤلّف تسليط الضوء على أفكار ابن تيمية، وعلى عصره وطبيعة الآراء التي طرحها ومدى احتمالية علاقتها بالأوضاع الراهنة. والكتاب أعد كأطروحة دكتوراه من جامعة القاهرة، وتؤكد أن الجماعات الإسلامية لم تقرأ ابن تيمية واعتمدت على شوارد من تراثه، وأثبت كيف تم استغلال فتاوى التتار وأهل ماردين بشكل خاطيء قائلا أن التنظيمات المتطرفة كداعش "زرائعية" أي تسيء استخدام النص لخدمة أهدافها، وقد اختار هاني نسيرة ابن تيمية موضوعا لدراسته لأنه برأيه أنقذ الأمة من الوقوع في براثن الغلو الشيعي. ومن أمثلة تحريف تراث ابن تيمية يذكر الباحث قول الجماعات التكفيرية نسبا لابن تيمية "ويعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه» غير أن الصواب هو «ويعامل المسلم فيها بما يستحقه ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه» وتم تحريف كلمة «يعامل» ب«يقاتل» وهى الكلمة التى استغلها عبدالسلام فرج لقتل «السادات». وحسب هذه الأطروحة يثبت التحليل الإحصائي أن مقولات شيخ الإسلام ابن تيمية هي الأكثر وروداً وتكراراً في كتابات مرجعياتها الجماعات الجهادية وتنظيم القاعدة. ويُمثل بن تيمية ركن الإسناد السلفي عندها، خاصة بعض أطروحاته، رحمه الله، فيما يخص التكفير أو مجابهة الحُكام وفق فتوى ماردين، أو بعض فتاويه الأخرى. وتربط هذه الجماعات وتطابق بين نظريته في التوحيد وبين مفهوم الحاكمية عند الأستاذين المودودي وسيد قطب- رحمهما الله- رغم أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يستخدم هذا المفهوم يوماً، ولكن ظل شيخ الإسلام ابن تيمية أكثر حضورا في كتابات السلفية الجهادية عن الآخرين، فنسبوا إليه ما أرادوا وأكثروا من الاقتباس عنه تأويلا أصابه كثير من الزلل والخطأ. كان رحمه الله مركز اعتماد التيارات الجهادية في تأسيس خطابها ونظامها المعرفي السلفية الجهادية، أو في تبرير وتشريع بعض ممارساتها الجهادية كقتل المدنيين اعتمادا على فتوى التترس، أو الخروج على الحكام اعتمادا على فتوى ماردين وغيرها، كان كذلك أساسا في مراجعاتها وتصحيحها لمرحلتها الأولى، فظل حاضرا في المرحلتين.