بات الاقتصاد الصينى لاعبا رئيسيا على الساحة الدولية وواحدا من الاقتصاديات العالمية المنافسة، ومع التراجع القوى لعملة العملاق الأسيوى "اليوان" خلال يومين على التوالى أمام الدولار فإنه قد يشعل حربا كبيرة للعملات في ظل التراجع الحاد لعملات أسيوية ناشئة، وتسبب في "بعض الفزع" في الأسواق، مما يثير تساؤلات وعلامات استفهام حول الخفض المتعمد لليوان الذى أحدث توترا شديدا للعملات.. وكيف يمكن تفادى نشوب تلك الحرب؟!. ولعل النظام المالى العالمى بحاجة الى دعائم للاستقرار فى ظل تراجع أسعار النفط، ومن أزمة اليونان الى أزمة الأسهم بالصين مؤخرا، فضلا عن مخاطر السياسات الاقتصادية غير المنسقة التى قد تؤدى الى نتائج كارثية. وقد واصل اليوان تراجعه الحاد أمام الدولار لليوم الثاني على التوالي بعد مواصلة بنك الشعب خفض سعر تداوله المرجعي 1.6% عند أدنى نقاطه منذ عام 2012، في أعقاب خفضه 1.9% أمس الثلاثاء. وحدد البنك السعر المرجعي عند 6.3306 أي بنسبة انخفاض 0.1% بالمقارنة مع إغلاق تداولاته يوم الثلاثاء عند 6.3231. وشهدت العملة التي تسعى بكين إلى توظيفها لدعم النمو المتباطئ في الاقتصاد وإدخالها سلة عملات احتياطي صندوق النقد تراجعا بنسبة 1.4% إلى 6.4105 أمام الدولار خلال التعاملات الصباحية في بورصة شنغهاي، في حين هبطت 1.6% في تعاملات الأفشور في هونج كونج. يأتي هذا بعد أن لامست العملة الصينية أدنى مستوياتها في أربع سنوات وتحديدا منذ أغسطس/آب عام 2011 عند 6.43 خلال التعاملات الفورية، وتراجعها إلى مستوى 6.57 في تعاملات الأفشور. وعلى ما يبدو فإن بنك الشعب الصيني الذي يدفع اليوان إلى تحقيق أكبر انخفاض خلال يومين متتاليين منذ حوالي عقدين يريد أن يرى أثرا واضحا على تراجع العملة المحلية لدعم الصادرات، حيث بدت خطوة الأمس غير كافية. وفي المقابل نوه البنك اليوم على أنه لا وجود لسبب اقتصادي يجري على أساسه الضغط على قيمة العملة، إلا أن ذلك ربما لا يبدو مقنعا للأسواق، فيما شهدت العملات الآسيوية مزيدا من التراجع وسط قلق من نشوب حرب عملات. وأكد البنك على أن المؤشرات الاقتصادية تتجه للتحرك نحو الأفضل في ظل حدوث تغيرات إيجابية وهو ما يعني توفير بيئة خصبة للاقتصاد الكلي الجيد لدعم سعر صرف مستقر لليوان. وأشار إلى أن الفائض في الحساب الجاري يعد عاملا هاما في دعم العملة، بجانب احتياطي النقد الأجنبي عند 3.65 تريليون دولار. وألمح البنك إلى أن تحديد السعر المرجعي الذي سيعتمد على أساس إغلاق اليوم السابق، سيأخذ في اعتباره أيضا التغيرات الحاصلة في أسعار صرف العملات الرئيسية، الطلب والعرض على النقد الأجنبي. وقال متعاملون في النقد الأجنبي في وقت لاحق إن البنوك الحكومية في الصين تبيع الدولار نيابة عن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) للمحافظة على اليوان في حدود 6.43 يوان أمام الدولار. وقال أحد المتعاملين في بنك أوربي في شنغهاي:"يبدو أن البنك المركزي لا يريد أن يخرج اليوان عن السيطرة." وقال أحد المتعاملين في بنك أوربي آخر إن التخفيض غير المتوقع تسبب في "بعض الفزع" في الأسواق. وأضاف: "على الرغم من أن البنك المركزي قدم تفسيرات مجددا اليوم، مؤكدا على أن اليوان لن يظهر تخفيضا مستداما في قيمته، فإن السوق متوتر للغاية." وفقد اليوان منذ أمس الثلاثاء إلى الآن 3.5 بالمائة من قيمته في الصين، ونحو 4.8 بالمائة من قيمته في الأسواق العالمية. وأدى تراجع اليوان إلى تراجع عملات آسيوية ناشئة أخرى، اليوم الأربعاء، حيث هبطت الروبية الإندونيسية والرنجيت الماليزي إلى أدنى مستوى لهما في 17 عاما، كما تراجع الدولار الأسترالي والدولار النيوزيلندي إلى أدنى مستوى لهما في ستة أعوام. وجاء قرار تخفيض قيمة اليوان،اليوم الأربعاء، بعد سلسلة من البيانات الاقتصادية الضعيفة،ما أثار شكوكا في الأسواق حول إقدام الصين على خفض طويل المدى في أسعار الصرف، وكان تخفيض اليوم الأربعاء الأكبر من نوعه في يوم واحد منذ خفض آخر كبير في عام 1994. وسيساعد تخفيض قيمة اليوان الصادرات الصينية بأن سيجعلها أقل سعرا في الأسواق الخارجية، وأظهرت بيانات مطلع الأسبوع تراجع الصادرات الصينية 8.3 بالمائة في يوليو الماضي، وأن أسعار المنتجين تتجه نحو الانكماش للعام الرابع على التوالي. وأقرت وزارة التجارة الصينية اليوم بأن تخفيض قيمة اليوان سيحفز الصادرات. وأظهرت بيانات تم إعلانها،في وقت لاحق، تباطؤ النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتراجع نمو إنتاج المصانع إلى ستة بالمائة في يوليو، مقارنة بقبل عام،وهو رقم دون توقعات السوق، كما تراجعت استثمارات الأصول الثابتة ومبيعات التجزئة أيضا دون المتوقع. وأظهرت بيانات من وزارة المالية ارتفاع النفقات المالية بنسبة 24.1 بالمائة في يوليو ما يعكس جهود بكين لتحفيز النشاط الاقتصادي. وقال صندوق النقد الدولي إن تحرك الصين نحو تعزيز استجابة اليوان لقوى السوق يبدو موضع ترحيب في السوق وإن على بكين أن تسعى للتوصل إلى سعر صرف عائم ومؤثر خلال عامين أو ثلاثة أعوام. وتضغط بكين على صندوق النقد الدولي من أجل إدراج اليوان في سلة الصندوق لعملات الاحتياطي المعروفة باسم حقوق السحب الخاصة التي يستخدمها الصندوق لإقراض المستدينين السياديين. وستكون هذه خطوة كبرى فيما يتعلق بالاستخدام الدولي لليوان. وقال متحدث باسم صندوق النقد الدولي في بيان عبر البريد الإلكتروني "المرونة الأكبر في سعر الصرف مهمة للصين،حيث تسعى جاهدة من أجل إعطاء قوى السوق دورا حاسما في الاقتصاد وتتكامل بوتيرة سريعة في الأسواق المالية العالمية." وأدان نواب أمريكيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي قرار تخفيض قيمة اليوان،أمس الثلاثاء، واصفين إياه بأنه انتزاع لميزة تصديرية غير عادلة،وقد يعد الساحة لمباحثات حادة عندما يزور الرئيس الصيني شي جين بينج واشنطن الشهر القادم. وذكر موقع بيزنس انسايدر أن الأسهم الأمريكية قد تعرضت لموجة بيعية الثلاثاء، وفي يوم الأربعاء تم تسجيل أكبر انخفاض نزولا عن المتوسطات الرئيسية خلال الأسابيع الثلاث الماضية، وهبط مؤشر داو جونز ليصل إلى أدنى مستوياته خلال العام الجاري، كما تراجع مؤشر ستاندر أند بورز 500 بأكبر مستوى خلال العام الجاري، كما تعرضت الأسهم الأوروبية والأوربية للتراجع، وذلك بسبب الخطوة التى اتخذتها الصين. وربما تنضم البنوك المركزية الآسيوية الأخرى لحرب العملات التي بدأتها الصين عن طريق تخفيض قيمة عملاتها بحسب ديفيد روزنبرج من شركة جلاسكن شيف للاستثمارات.