تحت عنوان "بوتفليقة وفرنسا"، تصدر الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقه غلاف مجلة جون أفريك "Jeune Afrique" لهذا الأسبوع. وكتبت المجلة أن الرئيس الفرنسي السابق ديجول كان معجبا ببوتفليقه، وبأن خلفه جورج بومبيدو وصفه بالمحاور الذكي، في حين اعتبر فليري جيسكار ديستان أنه مقاول ذكي. تاريخيا تعتبر فرنسا من أشد أعداء الجزائر وذلك من خلال استعمارها لمدة 132 سنة أي من 1830م، حتى الاستقلال سنة 1962م. قامت فرنسا خلال هذه الفترة بقتل الجزائريين وتشريدهم واخذ ثرواتهم بالاضافة إلى الظلم و التعذيب الذي لقيه الشعب. منذ الستينات وقالت المجلة إن قصة عبد العزيز بوتفليقة مع فرنسا هي قصة بدأت مع بداية الستينيات عندما تولى بوتفليقة حقيبة الخارجية الجزائرية منذ كان عمرة 26 عاما، في حكمي أحمد بن بلة ومن بعده هواري بومدين. وتابعت المجلة قائلة إن الإعجاب الذي كان يحظى به بوتفليقة من قبل الرؤساء الفرنسيين لم يكن متبادلا من قبل بعض الشخصيات الجزائرية، مثلا بلعيد عبد السلام، وزير الطاقة الصناعة، في الفترة التي ما بين 1965-1977 ، والذي يعتبر من المهندسين لعملية "تأميم المحروقات" لم يكن يتردد في وصف بوتفليقه بعميل فرنسا. كما أشارت المجلة إلى أن قصة بوتفليقة وفرنسا الرسمية توقفت بعد رحيل بومدين حيث خسر حقيبة الخارجية. ليختار بعدها الهجرة إلى فرنسا في الفترة ما بين 1981- 1987 وكان في تلك الفترة يتردد كثيرا على سويسرا والإمارات العربية المتحدة. وبانتخابه عام 1999 عادت القصة الرسمية مع فرنسا غير أنها تشهد " تعثرات" متكررة قبل أن تتم إعادة المياه من جديد إلى مجاريها. مقال أولاند وفي يونيو الماضي نشر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولند مقالا في الصحافة الجزائرية عن العلاقات الثنائية والزيارة التي قام بها، ورغم الطابع البروتوكولي للمقال، فهو يبرز نقاط هامة حول التعاون بين البلدين. وجاء نص المقال نقلا عن الصحافة الجزائرية: قمت بزيارة دولة إلى الجزائر منذ أزيد من سنتين بقليل، وكانت هذه الزيارة إلى الجزائر الأولى من نوعها خارج القارة الأوروبية تلبية لدعوة الرئيس بوتفليقة، حينها كانت الجزائر تحتفل بالذكرى الخمسين لاستقلالها واغتنمت تلك الفرصة التاريخية للدعوة إلى تصالح الذاكرات بين بلدينا، كما اعترفت أمام غرفتي البرلمان المجتمعتين بالويلات التي تكبّدها الشعب الجزائري على يد النظام الاستعماري. لقد كان هذا الفعل السياسي ضروريا، فالحقيقة هي القاعدة التي تبنى عليها الصداقة، لذلك وجبت مواجهة هذه الحقيقة، وهذا الفعل السياسي الذي انتظره الشعب الجزائري مدة طويلة الذي كانت فرنسا تدين له بذلك ولنفسها أيضا. عمل الذاكرة لا يكتمل أبدا وعلى المؤرخين ومواطني بلدينا مواصلته، وهذا جوهري إن أردنا بناء مستقبل مشترك. أنا أقدّر، عشية زيارتي الثانية إلى الجزائر، مدى التقدم الذي تم إحرازه، فبلدانا تحدوهما نفس الإرادة في إقامة شراكة متساوية بين الطرفين، متجهة نحو التنمية ونحو الشباب. تمنحنا اللجنة الحكومية المشتركة، التي ترأسها رئيسا وزرائنا في الجزائر ثم في باريس، إطارا لتعميق شراكاتنا في جميع المجالات. نا أولي أهمية بالغة للحوار السياسي بين فرنساوالجزائر، لأن بلدينا يساهمان في استقرار وأمن المنطقة. لقد دفعت الجزائر في تاريخها ضريبة ثقيلة جدا للإرهاب، وكانت فرنسا بجانبها خلال عملية احتجاز الرهائن بعين أمناس وبرهنت الجزائر على دعمها حينما استُهدفت فرنسا في هجمات باريس في جانفي الماضي. أود في هذا المقام أن أعبر عن امتناني للسلطات والشعب الجزائري لتضامنهم، فقد وقف بلدانا جنبا إلى جنب خلال مسيرة 11 جانفي ثم في تونس بعد هجمات باردو. لقد تحملت فرنسا في 2013 مسؤولياتها بطلب من السلطات المالية لوقف تقدم المجموعات الإرهابية، ومنذ ذلك الحين لعبت الجزائر دورا رئيسيا في ترجمة هذا النجاح سياسيا من خلال التوقيع، في ماي الماضي، على اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة في مالي. أحيي أيضا مساعي السلطات الجزائرية لإيجاد حل حل سياسي في ليبيا. الجزائروفرنسا مرتبطتان جغرافيا عبر البحر المتوسط، هذا البحر المشترك يشهد اليوم مآسي سببها كافة أنواع التجارة غير الشرعية وأولها التجارة بالبشر. فرنساوالجزائر مدعوتان لتضافر قواهما لوضع حد لهذا الاستغلال وهذه الجرائم، ولكن علينا أيضا أن نحمل معا مشاريع تنمية. كنت قبل سنتين قد عبرت عن رغبتي في تعزيز التعاون الفرنسي الجزائري، وهو اليوم في حراك، أدركت ذلك في مدينة مرسيليا حيث شاركت في منتدى "ميدكوب 21" تحضيرا لمؤتمر المناخ الذي سيعقد في باريس في ديسمبر المقبل، وكانت فرصة لتقدم لي العديد من الاستثمارات من ضفتي البحر المتوسط. ستكون زيارتي إلى الجزائر فرصة لترجمتها بصورة ملموسة وتعزيز الشراكة الاقتصادية القائمة بين بلدينا. فبعد إقامة مصنع رونو بوهران وألستوم بعنابة، تتعدد المبادرات. حوالي 7000 مؤسسة فرنسية تصدّر نحو الجزائر. 450 مؤسسة فرنسية متمركزة اليوم في الجزائر وتوظف أكثر من 14000 ألف شخص ترغب هذه الشركات في مرافقة ديناميكية للاقتصاد الجزائري وانفتاحه وتنويعه، وتلتزم على المدى الطويل من خلال الاستثمار والإنتاج محليا وهذا ضروري من أجل فتح آفاق للشباب الجزائري. زرت جامعة تلمسان، قبل سنتين، للتعبير عن إرادتي في تنمية العلاقات الجامعية بين فرنساوالجزائر ونحن نرافق إنشاء العديد من المدارس ومراكز التكوين المهني للسماح للشباب الجزائري باكتساب المهارات وإيجاد مناصب عمل. كما تمت إزالة أهم العقبات التي كانت تعيق بصفة مفرطة تنقل الأشخاص، حيث يزاول حاليا 23000 جزائري دراستهم في فرنسا. ملايين من الجزائريين ومن مزدوجي الجنسية يعيشون على أراضينا وعشرات الآلاف من الفرنسيين يعملون في الجزائر. فرنسا تعرف دينها تجاه المهاجرين الجزائريين الذين ساهموا في تاريخها وفي نموها الاقتصادي. واجبنا أن نكافح معا ضد الهجرة غير الشرعية، ولكن يتعين علينا أيضا أن نسمح لطلبتنا وباحثينا وفنانينا ومستثمرينا ورؤساء مؤسساتنا بالتنقل. لكل هذه الأسباب، تسرني اليوم العودة إلى الجزائر، لا زلت أحتفظ بذكرى الاستقبال الاستثنائي الذي حظيت به والموجه من خلال شخصي ووظيفتي إلى الشعب الفرنسي، وقد التمست في ذلك علامة على وجود رغبة مشتركة لكتابة صفحة جديدة من تاريخنا. لطالما كانت قناعتي راسخة بأننا قادرون على بناء شراكة استثنائية وهو ما سنبرهن عليه اليوم. مرض بوتفليقة وخلال العام الماضي كان الغموض سيد الموقف بخصوص الحالة الصحية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي دخل مستشفى فرنسيا لتلقي العلاج، وكما جرت عليه العادة منذ سنوات لم تقدم الرئاسة الجزائرية وقتها أي توضيحات بخصوص الحالة الصحية لبوتفليقة. وجاء دخول بوتفليقة إلى المستشفى بعد نحو سبعة أشهر من إعادة انتخابه لولاية رابعة، وهو يعاني من الضعف منذ إصابته بجلطة في العام 2013 وتتواتر الإشاعات بشأن وضعه الصحي. وأكد مصدر حكومي فرنسي إدخال بوتفليقة مستشفى بغرونوبل جنوب شرق فرنسا لكن دون أن يحدد السبب. كما رفض المستشفى تقديم أية معطيات عن الوضع الصحي للرئيس الجزائري. وكان بوتفليقة تلقى العلاج لفترة قاربت ثلاثة أشهر العام الماضي في المستشفى العسكري فال دو غراس بباريس إثر إصابته بجلطة. ولم تؤكد الرئاسة الجزائرية هذه المعلومات لكنها قالت إن بيانا سيصدر قريبا. ومنذ إعادة انتخابه لولاية رابعة في نيسان/أبريل 2014، لم يظهر الرئيس بوتفليقة إلا نادرا ما غذى إشاعات بشأن وضعه الصحي. وفي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2014، بث التلفزيون الرسمي لقطات للرئيس الجزائري في ظهور نادر وهو يضع إكليلا من الزهور في "مربع الشهداء" حيث دفن كل الرؤساء السابقين لمناسبة الذكرى الستين لحرب الاستقلال عن فرنسا و"ثورة أول نوفمبر" كما تسمى في الجزائر. وظهر بوتفليقة على كرسي متحرك وهو يستعرض تشكيلة من الحرس الجمهوري أدت له التحية الشرفية، ويرفع يديه الاثنتين ليدعو لضحايا الحرب ثم قبل العلم وحيا المسؤولين الكبار في الدولة. وإذا كان ظهوره للناس نادرا فإن ظهوره على الشاشة أكثر ندرة. ويظهر في التلفزيون وهو يستقبل ضيوفه من القادة أو الوزراء والسفراء وأعضاء الحكومة الجزائرية، في إقامة زيرالدا غرب العاصمة التي يبدو أنها تحولت إلى مكتب له. وكان آخر ضيوفه رافايل راميريز وزير الخارجية الفنزويلي الذي استقبله الأربعاء والذي تباحث معه في أسعار النفط. واستقبل وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ووزير الاقتصاد الفرنسي إيمانويل ماكرون اللذين قدما إلى الجزائر لتدشين مصنع لشركة "رينو" الفرنسية لصنع السيارات. وقبيل ذلك استقبل بوتفليقة 15 سفيرا قدموا إليه أوراق اعتمادهم. وقال أحدهم "بدا صافي الذهن تماما ومطلعا على الملفات". وفي كل ظهور له يبدو بوتفليقة وهو يعاني من صعوبات في المخاطبة ويتحدث بصوت خافت. وكان قال للدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي في تشرين الأول/أكتوبر 2014 "انأ أحسن حالا" مبددا إشاعات راجت حينها بشان حالته الصحية.