بالرغم مما كان بين الزبير بن العوام وبين علي بن أبي طالب -رضي الله من الخصومة التي انتهت بواقعة "الجمل"، جاء رجل إلى الزبير بن العوام - رضي الله عنه- فقال: أَلا أَقْتُلُ لَكَ عَلِيًّا؟ قَالَ: لا، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ وَمَعَهُ الْجُنُودُ؟ قَالَ: أَلْحَقُ بِهِ فَأَفْتِكُ بِهِ. فَقَالَ: لا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ الإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ) (رواه أحمد بسند صحيح). والفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو غافل فيشد عليه فيقتله ، والغيلة أن يخدعه ثم يقتله في موضع خفي أي أن الإيمان يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان غدرًا. والسؤال الي يطرح نفسه الآن كيف يقتل من يدعون أنهم اسلاميون جنودنا وأهالينا في كل مكان . الجواب :هو أنهم كفار من وجهة نظرهم ؟ أو أنهم معاونون للطاغوت كما يدعون بالتالي أصبح دمهم ومالهم وعرضهم حلالاً طبقاً لهؤلاء المتطرفون. الغلو التكفيري ظاهرة استشرت في مصر مؤخراً وإن كان لها جذورها الضاربة في التاريخ إلا أن الأمر أصبح من الخطورة بمكان ما يستدعي أن نتحرك بالقلم لمواجهة هذا الفكر المتطرف. فلعلكم قرأتم مثلما قرأت عن وقوع خلاف بين قادة جماعة الإخوان الهاربين إلى تركيا حيث رفض وجدي غنيم الصلاة خلف عصام تليمة لأن الأخير لم يفتي بتكفير تكفير السيسي وأعوانه. وجدي غنيم الذي قضى بكفر السيسي وأعوانه يرى أن عصام تليمة "عنده بدعة الإرجاء " بالتالي رفض الصلاة خلف تليمة لأن عقيدته غير متكتلمة وربما يكون كافرا من وجهة نظر غنيم. هذا الخلاف والصراع التكفيري يقودنا لمنطقة خطيرة من التاريخ المصري خلال فترة الستينيات وما أدراك ما الستينيات – كما قال مرسي- حيث انقسم الاسلاميون الي فريقين أحدهما كفر الحاكم ومن يعاونه والثاني رفض التكفير. إن التكفير كلمة لا يجب أن نفرط في استخدامها لأن الكلمة خرجت عن سياقها الديني وأخذت منحى سياسي في الفترة الأخيرة وأصبحت كلمة سهلة تلوكها الألسنة من قبل شباب المنتمين للتيارات الإسلامية المتشددة. والحقيقة التي لا شك فيه أن أحداً لا يملك أن يحكم بكفر شخص آخر دون "تحقق شروط وانتفاء موانع" ألم يقل ابن تيمية : (وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة). مجموع الفتاوى (17/78) ويضيف " ومن ثبت إيمانه بيقين لم يَزُلْ ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة"ا.ه. " فكيف لهؤلاء أن يكفروا من يعارضهم دون أن يقيموا عليهم الحجة ؟ إن التكفير ليست كلمة تلقى هنا وهناك فلها توابع وضوابط من إحلال الدم والمال والعرض واذا قام من كفرته بتكفيرك سندخل في صراع لا نهاية له وسننتقل لمرحة صفرية من الصراع لا فائز فيها ولهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم؛ لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله " وهنا أستحضر قول العلامة الشيخ أحمد شاكر في مقاله الشهير الذي استعرت عنوانه هنا – الإيمان قيد الفتك – والذي نشر في جريدة الأساس 2/1/1949م حيث يقول : " القاتل (السياسي) يقتل مطمئن النفس، راضي القلب، يعتقد أنه يفعل خيرًا؛ فإنه يعتقد بما بث فيه من مغالطات أنه يفعل عملاً حلالاً جائزًا .. إن لم يعتقد أنه يقوم بواجب إسلامي قصَّر فيه غيره" وهنا يعتبر شاكر أن هذا القاتل السياسي "مرتد خارج عن الإسلام, يجب أن يُعامل معاملة المرتدين، وأن تطبق عليه أحكامهم في الشرائع وفي القانون" إن التكفير له ضوابط وشروط وقواعد لا أحد يملك بمفرده أن يصف شخصاً بأنه كافر لمجرد اختلاف في الرأي أو لمساندته نظام ما مهما كانت خطايا هذا النظام ويبين عبدالرحمن بن فؤاد الجارالله أن للتكفير قواعد منها : o أنه لا يثبت على قول إلا بدليل شرعي؛ لأن الكافر هو من كفره الله ورسوله . o لا يحكم في التكفير إلا العالم بالأدلة الشرعية . o لابد من تعلم أحكامه والتفقه فيه؛ لأنه حكم شرعي؛ ولأن له أهمية كبيرة لارتباطه بكثيرٍ من الأحكام الشرعية, مثاله: النكاح فلكي نقبل بالرجل زوجاً لابد أن يكون مسلماً . o لا يصح ولا يجوز مجاوزة الحدِّ الشرعي فيه، لا بالإفراط ولا بالتفريط. وفي الأخير أقول يجب أن نبقي خلافاتنا السياسية بعيداً عن التشكيك في عقيدتنا وأذكركم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " من قال لأخيه يا كافر ، فقد باء بها أحدهما . " ونعوذ بالله أن نكون من الجاهلين .