بقلم : أحمد محمد شاكر «روع العالم الإسلامى والعالم العربى بل كثير من الأقطار غيرهما باغتيال الرجل، الرجل بمعنى الكلمة، النقراشى الشهيد- نحسبه- غفر الله له وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين. وقد سبقت ذلك أحداث قدم بعضها للقضاء وقال فيها كلمته، وما أنا الآن بصدد نقد الأحكام، ولكنى كنت أقرأ كما يقرأ غيرى الكلام فى الجرائم «السياسية» وأتساءل: أنحن فى بلد فيه مسلمون؟ وقد رأيت أن واجبًا على هذا الأمر من الوجهة الإسلامية الصحيحة؛ حتى لا يكون هناك عذر لمعتذر، ولعل الله يهدى بعض هؤلاء الخوارج المجرمين؛ فيرجعوا إلى دينهم قبل ألا يكون سبيل إلى الرجوع، وما ندرى من ذا بعد النقراشى فى قائمة هؤلاء الناس، إن الله سبحانه توعد أشد الوعيد على قتل النفس الحرام فى غير آية من كتابه. (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما) النساء: 93.. هذا من بديهيات الإسلام التى يعرفها الجاهل قبل العالم، وإنما هذا فى القتل العمد الذى يكون بين الناس فى الحوادث والسرقات وغيرهما؛ القاتل يقتل وهو يعلم أنه يرتكب وزرًا كبيرًا، أما القتل «السياسى» الذى قرأنا جدالاً طويلاً حوله فذاك شأنه أعظم؛ وذلك شىء آخر. القاتل «السياسى» يقتل مطمئن النفس راضى القلب يعتقد أنه يفعل خيرًا، فإنه يعتقد بما بث فيه من مغالطات أنه يفعل عملاً حلالاً جائزًا إن لم يعتقد أنه يقوم بواجب إسلامى قصر فيه غيره، فهذا مرتد خارج عن الإسلام، يجب أن يعامل معاملة المرتدين وأن تطبق عليه أحكامهم فى الشرائع، وفى القانون هم الخوارج كالخوارج القدماء الذين كانوا يقتلون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويدعون من اعترف على نفسه بالكفر، وكان ظاهرهم كظاهر هؤلاء الخوارج، بل خيرًا منه، وقد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بالوحى قبل أن يراهم، فقال لأصحابه: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم؛ يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) حديث أبى سعيد الخدرى فى صحيح مسلم ج292 1/ 293 وقال أيضًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (سيخرج فى آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية؛ يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم؛ يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن فى قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة)، حديث على بن أبى طالب فى صحيح مسلم ج293 1 والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة متواترة، وبديهيات الإسلام تقطع بأن من استحل الدم الحرام فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، فهذا حكم القتل «السياسى» وهو أشد من القتل العمد الذى يكون بين الناس، والقاتل قد يعفو الله عنه بفضله، وقد يجعل القصاص منه كفارة لذنبه بفضله ورحمته، وأما القاتل «السياسى» فهو مصر على ما فعل إلى آخر لحظة فى حياته، يفخر به ويظن أنه فعل فعل الأبطال، وهذا حديث آخر نص فى القتل «السياسى» لا يحتمل تأويلا فقد كان بين الزبير بن العوام وبين على بن أبى طالب ما كان من الخصومة «السياسية» التى انتهت بوقعة الجمل فجاء رجل إلى الزبير بن العوام فقال: أقتل لك عليًا؟ قال: لا وكيف تقتله ومعه الجنود؟ قال: ألحق به فأفتك به، قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن، حديث الزبير بن العوام 1429 من مسند الإمام أحمد بتحقيقنا. أى أن الإيمان يقيد المؤمن على أن يتردى فى هوة الردة فإن فعل لم يكن مؤمنًا. أما النقراشى فقد أكرمه الله بالشهادة- نحسبه- فله فضل الشهداء عند الله وكرامتهم، وقد مات ميتة كان يتمناها كثير من أصحاب رسول الله، تمناها عمر بن الخطاب حتى نالها، فكان له عند الله المقام العظيم والدرجات العلى، وإنما الإثم والخزى على هؤلاء الخوارج القتلة مستحلى الدماء، وعلى من يدافع عنهم ويريد أن تتردى بلادنا فى الهوة التى تردت فيها أوروبا بإباحة القتل «السياسى» أو تخفيف عقوبته، فإنهم لا يعلمون ما يفعلون، ولا أريد أن أتهمهم بأنهم يعرفون ويريدون والهدى هدى الله أ.ه». j القاضى الفقية نشرهذا المقال بجريدة الأساسى فى 2 فبراير 1949