تمر اليوم الذكرى الأولى للحرب التي شنتها إسرائيل على غزة على مدى 51 يوما وخلفت آلاف الشهداء والجرحى وآلاف المنازل المدمرة، غير أن الأوضاع في القطاع الساحلي الضيق ما زالت "محلك سر" ولم يطرأ عليها أي تغيير بل ازدادت سوءا بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي وعدم البدء في عملية الإعمار. ويتزامن مع مرور عام على هذه الحرب المدمرة التي سمتها إسرائيل عملية "الجرف الصامد" وأطلقت عليها "حماس" اسم معركة "العصف المأكول" حديث متكرر عن مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين بوساطة غربية للتوقيع على هدنة طويلة الأمد مقابل رفع الحصار وفتح المعابر لإدخال مواد البناء اللازمة لعملية الإعمار وإنشاء ممر مائي يربط غزة بالعالم الخارجي. مخطط إسرائيلي ويؤكد سياسيون ومحللون فلسطينيون أن الوضع في قطاع غزة بائس وكارثي ولم يطرأ عليه أي جديد على كافة المستويات بعد مرور عام على العدوان الإسرائيلي، محذرين من مخطط إسرائيلي لفصل غزة عن الضفة الغربية عبر بوابة "الهدنة الدائمة" من أجل الاستفراد بالضفة لتوسيع عمليات الاستيطان بالإضافة إلى مواصلة تهويد القدسالمحتلة. وقال المحلل السياسي أكرم عطا الله لوكالة أنباء الشرق الأوسط: "لا تغيير على الوضع في غزة بعد مرور عام على الحرب .. إسرائيل كانت تريد من الحرب الماضية أن تنهي مشروعا سياسيا اسمه فصل غزة عن الضفة لكن التدخل المصري القوي أجهض وعطل هذا المشروع". واستطرد عطا الله "طالما أن المشروع السياسي الذي تريده إسرائيل والمتمثل في فصل غزة عن الضفة لم يتم بعد، فإنه من المتوقع ألا يكون هناك أي تغيير على الوضع في القطاع". وأشار إلى أن الوفد الإسرائيلي انسحب من المفاوضات غير المباشرة في القاهرة والتي جرت بعد الحرب مباشرة ولم يعد حتى اللحظة، ثم التف من خلال وسطاء آخرين على حركة حماس ليستكمل ما بدأه أثناء الحرب. وشنت إسرائيل عملية عسكرية كبيرة على قطاع غزة في 7 يوليو 2014، استمرت لمدة 51 يوما، وأسفرت عن استشهاد نحو 2200 فلسطيني وإصابة أكثر من 11 ألفا آخرين وتدمير آلاف المنازل بشكل كلي وجزئي وتشريد سكانها. وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي في 26 أغسطس 2014 إلى اتفاق هدنة طويلة الأمد برعاية مصرية تضمن وقف إطلاق نار شامل ومتبادل بالتزامن مع فتح المعابر التجارية بين غزة وإسرائيل بما يحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثة ومواد البناء ومستلزمات الإعمار للقطاع الذي يقطنه نحو 9ر1 مليون نسمة مع مناقشة بقية المسائل الخلافية خلال مفاوضات غير مباشرة بالقاهرة وأبرزها تبادل الأسرى وإعادة العمل إلى ميناء ومطار غزة. وأضاف عطا الله "الوضع الفلسطيني بائس وفقير ويبدو أن السياسة الفلسطينية فقدت المبادرة وهى طرف متلقي ومفعول به وليس فاعلا، وما نراه جملة من الاستحقاقات الكبرى يدفع الفلسطينيون ثمنها ويتراجع ويتآكل المشروع الوطني الفلسطيني مقابل تقدم المشروع الإسرائيلي الذي يمكن تلخيصه في جملة واحدة هى (زواج مع الضفة وطلاق مع غزة)". وأوضح أن الاحتلال يتقدم باتجاه الإعلان عن مشروع فصل غزة ويتفرد بالضفة وصادر أكبر حجم من الأراضي مما جعل المدن والقرى الفلسطينية تبدو كأنها "أرخبيلات معزولة" بين المستوطنات الإسرائيلية. السيناريوهات المتوقعة وحول السيناريوهات المتوقعة في غزة بعد مرور عام على الحرب، قال عطا الله:"السيناريو الأبرز هو عقد هدنة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل تنتهي ببعض الانفراجات الاقتصادية وليس كلها، وقد يكون هناك اتفاق على ممر بحري". وأردف "هذه الانفراجات ستتناسب طرديا مع حجم ما تقدمه حركة حماس، فكلما قدمت أكثر باتجاه الأمن ووقف التصنيع العسكري وبناء الأنفاق تحت الأرض، كما يقول الإسرائيليون، ستكون هذه الانفراجات". وبشكل متكرر، تنفي حماس على لسان قادتها وجود أي مفاوضات بينها وبين إسرائيل، أو قبولها بإقامة دولة ذات "حدود مؤقتة" في قطاع غزة . وتؤكد الحركة أنه "لا دولة في غزة ولا دولة دون غزة". ويستبعد عطا الله اندلاع مواجهة جديدة مع إسرائيل في حال استمرار تأزم الوضع الإنساني في القطاع .. قائلا "نحن أمام مشروع فصل غزة .. لماذا الحرب إذن؟". واستدرك: "إذا لم يوقع هذا المشروع بالتأكيد يمكن أن تكون هناك هجمة إسرائيلية محدودة تنتهي بتوقيع نفس الاتفاق المعروض حاليا والذي يتداوله الوسطاء". وبحسب القناة العاشرة الإسرائيلية، فإن المستوى العسكري- الأمني الإسرائيلي يقترح على المستوى السياسي استغلال الفرصة للتوصل لاتفاق تهدئة طويل المدى يصل إلى عشر سنوات مع حماس في قطاع غزة. وأشارت إلى أن هذا التوجه يأتي في ظل تخوف المستوطنين في محيط قطاع غزة من إمكانية تجدد القتال هذا الصيف أيضا على خلفية قيام تنظيمات سلفية متشددة بإطلاق الصواريخ على المستوطنات في جنوب إسرائيل. ويرى جهاز الأمن الإسرائيلي أن التنظيمات السلفية "تسبب القلق لقادة حركة حماس في القطاع التي تعمل ليل نهار من أجل القبض على مطلقي الصواريخ"، وفق القناة العاشرة. وقال المحلل العسكري للقناة الإسرائيلية ألون بن دافيد إن المستوى العسكري يرى أنه بالإمكان التوصل لهدنة لعشر سنوات على الحدود مع قطاع غزة، وإن فتح ميناء قد يمنح حماس المصلحة للحفاظ على الهدوء كونهم معنيين بان يثبتوا عدم رغبتهم باستغلال الميناء من أجل تهريب الأسلحة. ونقلت القناة عن ضابط عسكري كبير قالت إنه مقتنع بهذا التوجه قوله إن"بناء الميناء يستمر عشر سنوات، أما تدميره فيستمر عشر دقائق". وكانت جماعة سلفية متشددة غير معروفة في غزة تطلق على نفسها "سرية الشيخ عمر حديد بيت المقدس" في قطاع غزة قد تبنت خمس هجمات بالصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع خلال شهري مايو ويونيو الماضيين. وقالت الجماعة التي تتعاطف مع تنظيم "داعش" في بيانات نشرتها مواقع تابعة للجماعات السلفية الجهادية إن إطلاق الصواريخ جاء ردا على الحملة التي تشنها حركة حماس وأجهزتها الأمنية ضد عناصر التيار السلفي. وتؤكد اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار على قطاع غزة (غير حكومية) أن الوضع الإنساني "كارثي" رغم مرور عام على انتهاء الحرب . محملة سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسئولية الكاملة عن تداعيات الحصار وتأخر الإعمار ومنع إدخال مواد البناء لبدء عملية الإعمار بشكل حقيقي. وقال رئيس اللجنة جمال الخضري وهو نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني لوكالة أنباء الشرق الأوسط في غزة: "الوضع في غزة كارثي اقتصاديا وصحيا وبيئيا وتعليميا واجتماعيا بسبب الحصار والحرب وتبعاتها المستمرة حتى الآن". وأضاف: "منذ انتهاء العدوان لم يبن منزل واحد من البيوت التي تم تدميرها بشكل كامل وعددها نحو 10 آلاف منزل .. وما تدخله إسرائيل من مواد البناء لا يلبي سوى 15% من حاجة السكان بسبب آليات الدخول البطيئة جدا". وتابع "هناك مليون إنسان يعيشون على المساعدات ومتوسط دخل الفرد يتراوح ما بين دولار واحد إلى دولارين يوميا و80% تحت خط الفقر ونسبة البطالة تصل إلى أكثر من 60%، بالإضافة إلى أن 95% من المياه غير صالحة للشرب، وآلاف الناس ما زالوا يقيمون في كرفانات (بيوت متنقلة) ومراكز إيواء تابعة لوكالة الأونروا وبعض الغرف التي ما زالت قائمة في منازلهم المدمرة مما يشكل خطرا على حياتهم". وأضاف "ثلاثة حروب خلال ست سنوات (بين عامي 2008 و2014) دمرت الكثير من المقدرات، وبدلا من أن يكون هناك تطور يلبي حاجة الزيادة الطبيعية للسكان أصبح هناك تراجع خطير سببه الحصار والحروب". وأوضح أن غزة خلال هذه السنوات زاد عدد سكانها حوالي أربعمائة ألف نسمة وهؤلاء مطلوب أن تتطور كل الخدمات لهم من مسكن وصحة وتعليم وكهرباء وشوارع ومياه وصرف صحي، وهذا لم يحدث بفعل الحصار بل ازداد الوضع سوءا وتعقيدا. وبالإضافة إلى عملية "الجرف الصامد" قبل عام، شنت إسرائيل حربين واسعتين على قطاع غزة الأولى أطلقت عليها عملية "الرصاص المصبوب" (27 ديسمبر2008-17 يناير 2009) وأدت إلى استشهاد نحو 1400 فلسطيني وإصابة حوالي 5 آلاف آخرين، والثانية أطلقت عليها "عامود السحاب" واستمرت 8 أيام (14-21 نوفمبر 2012) وأدت إلى استشهاد نحو 160 فلسطينيا وإصابة المئات. وقال الخضري "إسرائيل "قوة احتلال" تحاصر غزة برا وبحرا وجوا والقانون الدولي يلزمها بتسهيل نقل البضائع ومواد البناء وحرية التنقل للأفراد "من وإلى" القطاع". وشدد على أن البوابة الرئيسية للإعمار تتمثل في فتح إسرائيل للمعابر مع غزة ورفع حصارها الخانق المتواصل للعام الثامن على التوالي. وتفرض إسرائيل حصارا بحريا وبريا وجويا على غزة، منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية يناير 2006، وشددته عقب سيطرة الحركة على القطاع في يونيو من العام التالي، وما زال الحصار مستمرا رغم تشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطيني مطلع يونيو 2014. ويحيط بقطاع غزة ستة معابر تخضع لسيطرة إسرائيل بينهم اثنان يعملان فقط وهما معبر بيت حانون (إيرز) المخصص لعبور الأفراد شمال قطاع غزة ومعبر "كرم أبو سالم التجاري" شرق رفح جنوب القطاع ، في حين جمدت إسرائيل العمل في المعابر الأربعة الباقية وهى المنطار (كارني) شرق مدينة غزة ، والعودة (صوفا) شرق رفح والشجاعية (ناحال عوز) شرق مدينة غزة، والقرارة (كيسوفيم) ويقع شرق خان يونس. وناشد البرلماني الفلسطيني المانحين الدوليين الوفاء بتعهداتهم التي قطعوها على أنفسهم خلال المؤتمر الدولي للإعمار الذي استضافته مصر في أكتوبر 2014 من أجل بدء حقيقي لإعمار غزة. وتعهدت دول عربية ودولية خلال المؤتمر الدولي للإعمار الذي عقد بالقاهرة في 12 أكتوبر 2014 بتقديم نحو 4ر5 مليار دولار أمريكي، نصفها تقريبا سيخصص لإعمار غزة، فيما سيصرف النصف الآخر لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين.