من أعجب ما يمكن أن يلحظه العقلاء هو استخدام الإنسان لنعم الله التى انعم بها عليه فى معصيته عز وجل، وتحويل تلك النعم إلى أسلحة يبارز الله جل وعلا بها صباحا ومساء، بل إن العجب ليتملك الإنسان حين يجد البعض يحولون تلك النعم إلى مصدر من مصادر الشقاء بعد أن كانت من المفترض أن تكون مصدر سعادة لهم وللآخرين. وإن من أجل نعم الله على عباده نعمة اللسان.. تلك النعمة التى ميزت الإنسان عن غيره من المخلوقات، قال تعالى ممتنا على الإنسان بتلك النعمة:" ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين" فيكاد يكون هو الوحيد القادر على التعبير لغة تبرز احتياجاته، وتنقل أحاسيسه ومشاعره، وتكون وسيلة فعالة لتواصل حميمى بين أفراد الجنس البشري. لكن.. واأسفاه.. تحولت النعمة إلى نقمة، وأضحى اللسان مصدرا من مصادر الشقاء لبعض أصحابه، وجالب للتعاسة للآخرين بسبب عدم قدرتهم على إمساكه، وخطورة اللسان تأتى من كونه مصدر الكلام، والكلام هو أساس كل خير أو شر على وجه الأرض، ولذا فإن الكلمة فى الإسلام لها خطورتها التى أولاها عناية خاصة، ذلك لأن الإنسان يدخل الإسلام بكلمة، وبكلمة يخرج منه، بكلمة تستحل الفروج، وبكلمة تحرم، بكلمة تسعد أمة، وبكلمة تشقى دول، بكلمة تراق الدماء، وبكلمة تحفظ وتصان. ولا تجد شريعة من الشرائع قد أولت الكلمة هذه الأهمية والخطورة قدر ما أولتها شريعة الإسلام، حتى إنها جعلتها مناط تحريم وتحليل، ولذا كان التحذير منها ومن خطورتها من أعظم ما ورد فيه تحذير فى القرآن العظيم.. قال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" . ويحذر صلوات ربى وسلامه عليه من آفة نقل الأخبار بأى وسيلة من الوسائل فيقول: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع) بل يؤكد على الوعيد الشديد لأولئك الذين تلوك ألسنتهم شائعات دون تثبت منها ومن مصادرها فيقول صلوات ربى وسلامه عليه من قال فى مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال قيل وما ردغة الخبال يا رسول الله قال عصارة أهل النار. إن انواعا كثيرة من المعاصى منشؤها اللسان وخطورتها تكمن فى انها كلام يحاسب الإنسان عليه حسابا شديدا، وللأسف يقع المسلم فيها فى هذا الشهر الفضيل فى كثير منها، ولا يشعر بأن صيامه يذهب سدى. أليست الغيبة معصية لسانية منشؤها الكلام.. والله حذر منها قائلا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه، إنه تشبيه يشيب له الوليد، ثم أليس المراء والجدال والخصومة معصية لسانية، تنشر البغضاء وتولد العداوات، وتضيع الجهود؟! وكذلك فإن شهادة الزور معصية لسانية وهى فى الأساس كلمة. إن الأمر يعدو الضرر الفردى إلى ضرر اجتماعى عام، وقد رأينا كيف تحولت بعض الكلمات الصغيرة إلى شائعات، ثم إلى أحداث، ثم إلى دماء وأشلاء، ثم إلى تأخير فى نهضة هذا الوطن وانبعاث حضارته. من هنا فإننى أؤكد أمانة الكلمة فى مثل تلك الاحداث التى يعيشها وطننا الحبيب، والتى يمكن أن تتسبب فيها الشائعة الواحدة فى مقتل العشرات بل المئات، ويكون صاحبها قد تحمل وزر هؤلاء جميعا بترويجه شائعات ليس لها أساس من الواقع. والحديث موجه بالأساس للإعلام من حيث كونه نبض الجماهير أو ينبغى أن يكون كذلك، والرافد الأول الذى يتشكل الرأى العام بناء عليه، وبالتالى لا بد أن يمارس دوره فى ظل وعى كامل بأمانة الكلمة وخطورتها فى تكوين الأمم. نقلا عن " الاهرام " المصرية