لا شك أن علاقة من نوع خاص تربط بين هذا الشهر الفضيل، وبين القرآن الكريم، كلام رب العالمين الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.. علاقة تعلو فوق ظرفية الزمان وإن كانت تنطلق منها، حتى تصل إلى درجة التمازج بين فريضتين افترضهما الله عز وجل على خلقه.. الصيام والقرآن عملا وقراءة، تدبرا وتلاوة. فالمتأمل فى الآيات القرآنية التى تعرضت لذكر رمضان، يجدها جاءت على وجهين وكلاهما مرتبط بالقرآن ارتباطا وثيقا، الأول ذكر لاسم الشهر وهو رمضان، فقال جل شأنه : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) حيث عرّفه الله بأنه الظرف الزمانى الذى حوى هذه المعجزة الخالدة. والثانى ذكر لبعض أيامه فقط، وهى ليلة القدر وجاءت أيضا مقرونة بالقرآن فى موضعين، يقول تعالى فى مطلع سورة القدر:( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، ويقول جل شأنه فى مطلع سورة الدخان:( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) وفى كلا الموضعين ذكر الله هذه الليلة عبر علاقتها بالقرآن! وهنا لا بد ان أنبه المسلمين جميعا.. اعلموا أن لكل حظه ونصيبه من عطاءات هذا القرآن الكريم، ومن فيوضات الله على عباده فى هذا الشهر الفضيل، فاحذر ان تكون من أهل المعاصى والفجور، فهم أقل الناس انتفاعاً بالقرآن بسبب هجرانهم له، وانكبابهم على شهواتهم قال تعالي:( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِى آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً). ولا يمكن وهم على هذه الحالة ان تنالهم رحمة ربهم، فالحذر الحذر من أن تكون أيها المسلم من هذا الصنف.. الذى لا يعرف لكتاب الله طريقا، وليس بينه وبين القرآن صلة.. اللهم إلا أنه يضعه فى سيارته أو فى بيته طلبا للبركة.. فى حين أن بيته أو سيارته بل وحياته كلها بعيدة عن هدى هذا الكتاب العظيم، وعن فيوضات الله على عباده فى هذا الشهر الكريم. وهنا قد يسأل سائل أى طريقة فى التعامل مع القرآن أفضل لى فى شهر رمضان.. هل اكثر من التلاوة بحيث أختم القرآن مرة أو مرتين أو اكثر، أو أقلل من قراءتى كى أتدبر ما أقرا وأفهم من المعانى ما خفى علي؟ وهنا أجيب بكلام غاية فى النفاسة للإمام بن القيم رضوان الله عليه حيث قال بعد ان عدد آراء العلماء والصواب فى المسألة أن يقال إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجلُّ وأرفع قدرا، وثواب كثرة القراءة أكثرُ عددا.. فالأول كمن تصدق بجوهرة عظيمة أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا.. والثانى كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة. ولذا فإنى أنصح نفسى وإخوانى بأن يكون لكل منا جدول لقراءة القرآن فى رمضان مع الإكثار من ذلك قدر الطاقة، بحيث يتمكن من ختم القرآن أكثر من مرة فينال ثواب هذه الختمات.. إنها دوحة القرآن ومأدبة الله كما قال عنها بن مسعود رضى الله عنه، فهلموا إلى كتاب الله، هلموا إلى مأدبة الله، خذوا منها ما تستطيعون، فالسعيد من تزود، والشقى من فاته هذا الخير. نقلا عن " الاهرام" المصرية