هل حدث لك مرة وأرهقتك مشكلة ما واجتهدت في التفكير في حلها دون جدوى، ثم بعد فترة قصيرة وأنت تجلس على الأريكة تسترخي ولا تفكر في المشكلة مطلقاً أُلهمت الحل بسهولة ويسر؟ هذا هو الإلهام الفوري الذي نريد أن نصل إليه ولكن كيف السبيل إلى ذلك..؟ قبل أن نشرح ذلك علينا أن نبحث فيما اتفق عليه العلماء قبل قرن من الآن، فقد قرروا أن العقل اللاواعي هو مصدر إلهامنا الإبداعي، حيث كتب الباحث في مجال الوعي د. "ويلين هارمان": (إنه لمن المعترف به حالياً أن العقل الباطن ينبوع لا ينضب للإبداع البشري). " لأن اللاشعور – بإطاره الذي حدده فرويد – هو الينبوع العميق للخصائص الإنسانية والقيم الأخلاقية, ويرى فرويد – أيضاً – أن نشاط الإنسان في العالم والإبداع والفلسفة والأخلاق وغير ذلك ليس نشاطاً أصيلاً له مكان مستقل وأساسي في الفطرة الإنسانية, بل هو مجرد متاع للتنفس عن الشهوات المستوردة والمكبوتة رغما عنها، أي أنه إذا لم تستقر ولم تشبع الجنسية بالشكل الأصلي فإنها مضطرة لأن تظهر في صورة العلم والفلسفة وغيرها , واستنتاجاً من هذا فإن الدين ليست له حقيقة معنوية أساسية في الفطرة الإنسانية , بل إن الإنسان قد أخترعه من وحى الخيال للحفاظ على نفسه من جانب وللتعويض عن حرمانه على الأرض رجاء لما في السماء من جانب أخر . وإن " الوحي الخيالي " هو هذا الذي شكل الدين بشكله الموجود بعد المرور بمراحل من الرقى والتطور، إن أصول الأخلاق والأفكار العالية ( حواجز صناعية ) اخترعها المجتمع لئلا يلحق الضرر بالشهوات الجنسية " الماجنة " وإن الخير والشر والتفريق بينهما لا حقيقة له في الواقع بل هما من مبتكرات الإنسانية ومخترعاتها !! ويتابع " فرويد" تحليله فيذكر في فكرته عما " فوق الشعور " , أي القوة التي لها سلطة التحكم فيه ومنعه من إشباع شهواته الجنسية بطريق جنوني وبدون حساب ... يذكر " فرويد " أنه على الرغم من سلطة ما فوق الشعور هذه " فإن اللاشعور يدعم هذه القوة ويقويها بطرق كثيرة " ولذا فإنها لا تستطيع أن تحدث أثراً قوياً في اللاشعور بل إن أثرها ضئيل النفوذ ,وهى لا تقدر على تغير الأحوال النفسية والأسس النفسية بصفة عامة !! .....ويبدو نموذج الإنسان الصناعي في الإنسان الأول " المبتكر " الذي ترقى إلى درجة الإنسان من أعلى الحيوانات , ولم يؤثر – آنذاك – عليه شيء من العادات والتقاليد , بل وجدت فيه من الجبلات والخصائص التي توجد في الحيوانات , كما وجد فيه – أيضاً – العقل والضمير والأصول والواجبات والقدرة على القيام بالمسئولية التي يمتاز بها الإنسان ويتفوق بها على سائر الأحياء والأنواع التي لا وجود لها في هذه الدرجة . إن حياته كلها متابعة للإثارة والشهوات , غير أنه في نمو الفكر وسمو النظرة ومراعاة المستقبل والارتباط الاجتماعي , والانضباط أقوى وأعظم من أعلى الحيوانات. ( 1 ) يحلل أفكار فرويد فرانسيس فوكوياما في كتابه " نهاية الإنسان عواقب الثورة البيوتكنولوجية " ترجمة دكتور أحمد مستجير قائلاً : " ربما كان سيجموند فرويد , مؤسس التحليل النفسي , هو المفكر الذي بلغ عمله القمة ثم هوى , خلال القرن العشرين . كان الغرب يجله في منتصف القرن العشرين في كل مكان باعتباره الرجل الذي كشف أعماق الحقائق حول حوافز الإنسان ورغباته أوديب, اللاوعي , تمنى القضيب تمنى الموت : ذاعت مفاهيم فرويد هذه في حفلات الكوكتيل , أذاعها الخبراء ممن يرغبون في إثبات حنكتهم لكن , بحلول نهاية القرن أصبح معظم العاملين بمهنة الطب يعتبرون فرويد حاشية ممتعة, لا أكثر , في التاريخ الفكري, شخصاً كان مفلسفاً أكثر منه عالما . نتج هذا عن التقدم في علم الأعصاب المعرفي وفى مجال علم العقاقير العصبية الجديد. بنيت الفرويدية على فرض يقول إن المرض الذهني – ومنه أمراض خطيرة مثل الهوس الإكتئابي والشسيزوفرانيا – هو بطبيعته سيكولوجي في الأصل – هو نتيجة خلل ذهني يحدث في موقع ما فوق المادة البيولوجية للمخ . ولقد قوض هذه الفكرة عقار اسمه الليثيوم اكتشفه بالصدفة جون كيد عالم النفس الاسترالي عندما قدمه لمرضى الهوس الاكتئابي عام 1949 , فشفى عدد منهم فيما يشبه المعجزة . وبدأت عملية أدت أن يحل العلاج بالعقاقير محل العلاج الفرويدى بالحديث , بصورة تكاد تكون كاملة , في ظرف الجيلين التاليين . كان الليثيوم هو مجرد بداية ( 1 ) بين الإنسان الطبيعي والإنسان الصناعي تأليف محمد تقي الأميني .. لفترة متفجرة من البحث والتطوير في علم العقاقير العصبية , أدت في نهاية القرن إلى جيل جديد من العقاقير – منها البروزاك والريتالين- جيل بدأنا الآن بالكاد في تفهم أثره الاجتماعي . توافق ظهور العقاقير التي تعمل على المخ مع ما أطلق عليه اسم ثورة الناقلات العصبية – نعنى زيادة هائلة في المعارف العلمية عن الطبيعة البيوكيماوية للمخ وعملياته الذهنية . ربما كان لنا أن نشبه الفرويدبة بالنظرية التي طورتها جماعة من رجال القبائل البدائية وجدوا سيارة تعمل وحاولوا تفسير وظائفها الداخلية دون أن يتمكنوا من فتح الكبود . وقد لحقت نظريات كثيرة واعتقادات عميقة، انحرفت بالإنسان عن الحقيقة ف " الإنسان الحقيقي هو الذي خلقه الله تعالى ونفخ فيه من روحه, إنه كائن خاص فذ في ماهيته وطبيعته وتركيبه, والهيكل الذي خلق من سلالة من طين ليس بشيء يجدر بالذكر إلا بعد أن نفخ الله الروح فيه, وهذه الكينونة التي انبعثت بعد نفخه هي التي ميزته وجعلته متفوقاً على سائر الأحياء والخلائق. خلقاً جعله جديراً بالأمانة، يحتشد عقله بخبرات هائلة، وتتوق روحه إلي الكمال ( 1 )