اظن ان عام 1913 هو عام الحفر في النفس البشرية في فيينا مع صدور كتاب لمؤسس مدرسة التحليل النفسي سيجموند فرويد عنوانه الطوطم والتابو. قال عنه مؤلفه انه قد يكون افضل وآخر مؤلفاته وقال عنه ايضا انه سيحدث شرخا في علاقته بالمتدينين كما سيحدث عاصفة من الغضب عند اتباعه, خاصة رفيقه كارل يونج الذي اسس بعد انشقاقه عن فرويد مدرسة جديدة اطلق عليها اسم علم النفس التحليلي تنقد تطرف فرويد في رد جميع الظواهر النفسية المرضية والسوية الي الطاقة الجنسية. والسؤال بعد ذلك: لماذا عام 1913 هو عام الحفر؟ لان الحفر في النفس الانسانية انتهي بفرويد الي العثور علي عقل الانسان البدائي حيا في اللاوعي ومؤثرا في توجهه الديني والاخلاقي. وماذا عن الطوطم والتابو؟ الطوطم, في زمن الانسان البدائي, هو اما حيوان واما نبات, له اسم يتخذ منه علامة مميزة للعشيرة ومن ثم يطلق علي جميع اعضائها, وحيث ان الطوطم مقدس فيكون العضو المنتمي الي هذا الطوطم هو ايضا مقدس, ويترتب علي ذلك امتناع الزواج من اي عضو من اعضاء العشيرة بدعوي ان كلهم مقدسون ويترتب علي ذلك امتناع اللمس, وبالتالي يقال علي الذي لايلمس انه تابو اي محرم واذا تجرأ رجل علي لمس امرأة من نفس العشيرة او حدث العكس يكون العقاب هو القتل او الاعدام بلغة العصر لان كسر التابو يشكل خطرا اجتماعيا اذ هو يغري بمحاكاته وهذه المحاكاة تفضي الي تفكك المجتمع ومع ذلك فان فرويد لم يتوقف عن عملية الحفر إذ تساءل: ما هو أصل التابو؟ كان جواب العالم النفسي المعارض والمعاصر لفرويد وهو فلهلم فنت ان اصل التابو هو غريزة الخوف من الشياطين المختبئة في شئ محرم وهو اما حيوان واما نبات وبالتالي تصبح وظيفة التابو منع اثارة هذه الشياطين. اما اذا اثيرت واحدثت الاثارة ضررا للشياطين فان التابو يأمر بالانتقام ومع التطور استقل التابو, في رأي فنت واصبح مصدرا للقانون الاخلاقي وارتأي فرويد ان فنت قد اخطأ في القول بغريزة الخوف من الشياطين لان الشياطين ليس لها وجود إذ هي من خلق العقل الانساني, ومع ذلك اتفق فرويد مع فنت في القول بأن ثمة علاقة عضوية بين التابو والقانون الاخلاقي وبالذات الامر المطلق الذي هو اساس الاخلاق عند الفيلسوف الالماني العظيم كانط والدي هو عند فرويد مرادف للتابو, وباق حتي الآن رغم زوال الطوطم ثم استطرد فرويد قائلا ان التابو هو اصل الاخلاق والدين, ولكن المفارقة هنا ان الانسان عند فرويد هو الذي يخلق التابو ثم يخضع له الي الحد الذي يتحول فيه الي هوس اي الي مرضي نفسي. ومن بعد فرويد لم يتوقف الحفر في النفس البشرية وفي معتقداتها اذ صدرت مصنفات عديدة لفلاسفة وعلماء لاهوت تناولوا فيها قضايا الاخلاق والدين بالتحليل والنقد من غير تهديد مباشر او غير مباشر. وبعد ذلك كله يبقي سؤال: هذا ما حدث في فيينا موطن فرويد في عام1913 فماذا حدث في القاهرة في نفس ذلك العام, عام1913 ؟ جواب هذا السؤال في المقال القادم المزيد من مقالات مراد وهبة