إسلام: صاحب المصنع عينني بدل والدي بنصف راتبه وليد: «شاي الترامادول» مشروب الطاقة للعمل ساعات أطول عم ميخائيل: الأطفال يتعرضون للاغتصاب في «القاعدة الصاروخية» نقيب عمال مصانع الطوب: الأطفال يعملون 13 ساعة يوميا مديرة التفتيش بالقوى العاملة: 44 مهنة محظور عمل الأطفال فيها رغم وجود ضوابط قانونية تنظم عمل الأطفال لمنع استغلالهم؛ إلا أن هناك من يضرب بهذه القوانين عرض الحائط، ويصر على قتل براءتهم واستغلالهم في أعمال ليسوا مؤهلين لها جسدياً أو نفسياً، بل وقد يصل هذا الاستغلال إلى حد المأساة حينما تتعرض هذه البراءة للانتهاك الجنسي، ناهيك بالطبع عن تدني الأجور وعدم وجود أي شكل من أشكال التأمين على هؤلاء الأطفال. في منطقة "عرب أبو ساعد" التابعة لمدينة الصف بمحافظة الجيزة، يوجد ما يقرب من 500 مصنع للطوب الطفلي، يتوافد عليها المئات من مختلف المحافظات للبحث عن لقمة العيش، وسط أجواء عمل شاقة وخطيرة، وساعات عمل قد تمتد لأكثر من 13 ساعة يوميًا، وبأجور زهيدة ودون تأمين. اللافت للنظر، أن معظم العاملين في هذه المصانع أطفال لا تتجاوز أعمارهم 14 عامًا، اضطرتهم قسوة الحياة إلى النزول مبكرًا لسوق العمل ليعينوا أسرهم على مواجهة أعباء المعيشة، ويبدأوا يومهم من الفجر حتى وقت الغروب، بعد أن أجبرهم الآباء والأمهات على العمل بمصانع الطوب لفترة طويلة وسط الجبل والصحراء، ليحصلوا في نهاية اليوم على الفتات. طفولة منتهكة شبكة الإعلام العربية "محيط" استطاعت اختراق مصانع الطوب بعرب أبو ساعد من خلال أحد العاملين بها، للتعرف عما يدور بداخلها ورصد معاناة هؤلاء الأطفال والانتهاكات التي تحدث لهم. تجولنا في عدد من المصانع ورأينا كيف يهان الطفل وتنتهك براءته من أجل الحصول على قوت يومه، فحياة هؤلاء الأطفال تتعرض يومياً لأخطار قد تصل إلى الموت، دون عناية من أصحاب تلك المصانع، حيث يضع الطفل حاملا من الخشب على ظهره يسمى "بالعصفورة" ليحمل عليه الطوب من الفرن إلى العربة، أو يقود جرارا بين الجبال والصحراء، أو يعمل على تغطية الطوب ب"المشمع". أما غرف النوم الخاصة التي يبيت فيها الأطفال بمصانع الطوب، فهي غرف صغيرة من الحجارة مجاورة للحمامات، يغطي أرضيتها رمال وطوب مرصوص يستخدم كالسرير وأغطية ممزقة. وكانت الصدمة عندما علمنا من أحد العاملين هناك أن هذه الغرف التي لا تتعدى مساحتها بضعة أمتار ينام فيها من 20 إلى 30 عاملًا من جميع الأعمار. ويروي أحد العاملين بتلك المصانع ويدعى "إسلام"، يبلغ من العمر 21 عامًا، قصته حين بدأ عمله لأول مرة في المصنع وهو في سن الثانية عشرة، فقد عينه صاحب المصنع بدلا من والده الذي زلت قدمه وسقط في أحد الأفران ليلقى حتفه في الحال. وبعد وفاة عائل الأسرة الوحيد واجهت الأسرة خطر الموت جوعًا، فتوسلت والدته إلى صاحب المصنع لإقراضها مبلغًا صغيرًا من المال، لكنه رفض وعرض بدلًا من ذلك السماح لأكبر أبنائها بالعمل في المصنع بنصف الأجر، الأمر الذي اضطره إلى ترك التعليم. أعمال شاقة وبسؤال رضا سلام نقيب عمال مصانع الطوب، عن القطاعات التي يعمل بها الأطفال داخل المصانع، قال: "هناك ثلاث قطاعات بالمصانع يعمل فيها الأطفال، فهم يعملون مع مقاول خط الإنتاج، ومقاول الطوب المجفف (وهى مرحلة دخول الطوب إلى الفرن)، ومقاول تحميل الطوب من الفرن على عربات". وأشار إلى أن المقاول الثالث تكون الفئة العمرية المستهدفة للعمل معه من سن 12 إلى 17 عاماً، ويقوم الطفل فيها بوضع حامل خشب على ظهره النحيل يسمى "بالعصفورة" ليحمل عليه الطوب وينقله على ظهره من الفرن إلى العربات، ويتراوح ما يحمله في كل مرة ما بين 17 و20 طوبة.. وفي هذا القطاع يحتاج المقاول من 6 إلى 7 أطفال، ويحسب أجر الطفل بنصف أجر الرجل الكبير البالغ الذي يؤدي نفس عمله، رغم تساوى ساعات العمل، وحمل نفس الكمية من الطوب، ليكون أجر العامل الكبير 10 جنيهات، والطفل 5 جنيهات، بالرغم من أن الطفل قد يحمل يوميا من 1000 إلى 2000 طوبة، ويسمى "الطفل" في هذه المرحلة باسم "نصف راجل". أما مقاول الطوب المجفف فهو أكثر مقاول يجمع أكبر عدد من الأطفال، حيث يحتاج إلى 12 طفلا على الأقل في هذه المرحلة، يقومون بجمع الطوب الأخضر على عربات كارو، وإدخاله إلى الفرن ليتم حرقه، ويسمى "بالعربجى"، ويومية الطفل في هذه المرحلة تعتمد على إنتاجه، وتبدأ يوميا من 4 الفجر حتى 2 ظهراً. وأضاف سلام أن آخر مرحلة من صناعة الطوب يعتمد فيها مقاول الأنفار على أكثر من 7 أطفال في تقطيع الطوب، يقضون فيها أكبر وقت ممكن من ساعات العمل التي تتجاوز 13 ساعة متصلة، ويحصلون على يومية 35 جنيها. الموت البطيء وفيما يخص الأمراض التي يمكن أن تصيب العاملين هناك قال نقيب عمال مصانع الطوب: " قائمة الأمراض في مصانع الطوب تبدأ من نوبات السعال، بفعل مئات المداخن المصانع التي تحيط بالمنطقة، مرورا بالربو والحساسية وانتهاء بالفشل الكلوي". وأشار إلى أن هناك 5 أشخاص فقط هم الذين يتم التأمين عليهم "تأمين اجتماعي" ضد حوادث وخطورة العمل داخل كل مصنع، بينما يعمل آلاف الأشخاص بدون تأمين، وعندما يصابون بأي إصابة عمل تتوقف حياتهم ولا يقدم لهم أصحاب المصانع أية مساعدة. وكشف سلام عن وجود انتهاكات جنسية للأطفال داخل المصانع، مشيرا إلى وجود 500 مصنع للطوب في منطقة عرب أبو ساعد، وأن عدد الأطفال في كل مصنع يتراوح ما بين 7 إلى 9 أطفال، وأن نسبة الانتهاكات الجنسية لاتتعدى 5 %من اجمالي عدد الأطفال. ولفت إلى أن المجلس القومي للطفولة مجرد "حبر على ورق"، لأنه لا يؤدي واجبه، وكأنه لا يرى هذا العدد الهائل من الأطفال الذين يعملون بهذه المصانع ويتعرضون للخطر بصورة دائمة. انتهاكات جنسية "عم ميخائيل"، أحد العاملين في منطقة عرب أبو ساعد، قال إن هناك اعتداءات جنسية تحدث للأطفال سواءً بالتحرش داخل غرف المبيت، أو الخطف والاغتصاب في مكان آخر، وإذا اشتكى أحد الأطفال من هذا يتم تسريحه من العمل. وروى "ميخائيل" قصة أحد الأطفال الذين تعرضوا لحادث اغتصاب، قائلا: "وجدت في أحد الأيام أثناء عودتي من العمل طفلاً ملقي على الطريق ينزف دما بعد أن تعرض لحادث اغتصاب، فقمت بنقله إلى مستشفى المستعصية، وهناك لم يتركني العاملون في المستشفى إلا بعدما حضر رجال الشرطة وسألوا الطفل عن المعتدي، وتأكدوا من عدم تورطي في هذا الحادث، فرحلت ولم أسمع أخبارا عن هذا الطفل مرة أخرى". ونوه إلى أن بعض العاملين في المصانع وبعض أعراب المنطقة من كبار السن يقومون باستدراج الأطفال بسيجارة "حشيش" ثم يختطفونهم إلى منطقة تسمى "القاعدة الصاروخية"، وهى أحد المواقع التي كانت مخصصة للجيش وتركها منذ فترة طويلة، ليعتدوا عليه هناك، وقد يتركونه بعد ذلك أو يطلبون من أهله فدية. ويروى "أيمن"، أحد ضحايا الاعتداءات الجنسية في مصانع الطوب، الحادث الذي تعرض له في صغره، حينما قام أحد العاملين كبار السن باستدراجه إلى إحدى غرف النوم داخل المصنع لمشاهدة أفلام جنسية على هاتفه، وأثناء مشاهدة الفيلم قام العامل بوضع يده على جسد أيمن، لينتهى الأمر باغتصابه. وأكد "أيمن" أن هذه الواقعة ليست الأولى أو الأخيرة التي تتم فيها الاعتداءات الجنسية على الأطفال داخل هذه المصانع، لافتا إلى أن الطفل لا يدرك ما يحدث معه، ويخشي في هذه الحالة من إخبار الآخرين خوفاً من معايرته أو تسريحه من قبل صاحب العمل. ترامادول للأطفال ويشير "وليد"، وهو أحد العاملين في مصانع الطوب، إلى نوع أخر من الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال، يتمثل في قيام "الموضب"، رئيس العمال، في بعض الأحيان بوضع الترامادول في الشاي للأطفال ليعملوا عدد ساعات أطول دون الشعور بالتعب، مما جعلهم يتعودون على هذ العقار، وأصبح كوب الشاي الممزوج بالمخدر هو بمثابة مشروب الطاقة الذي بدونه قد تتوقف الحياة، في ظل وجود عدد كبير من حالات الأدمان بين الأطفال. ويروى لنا رحلته مع الإدمان التي بدأت ببراد الشاي المليء بالترامادول، حيث قال "أدمنت الترامادول عندما كان رئيس العمال يضعه في براد الشاي الذي دمر حياتي وحولني لعبد للمخدرات، فكنت أشرب الشاي وأشعر بأن هناك طاقة تسرى في عروقي فأعمل ساعات أكثر، حتى تعودت يومياً على شرب الشاي، وعلمت بعد ذلك بوجود الترامادول، فأصبحت أشتريه وأدمنته، ومن هنا تحولت حياتي إلي جحيم". قانون في أجازة رغم أن المادة رقم 101 من قانون العمل المصري تنص على أنه "لا يجوز تشغيل الطفل اكثر من 6 ساعات في اليوم، ويجب ان تتخلل ساعات العمل فترة راحة أو اكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة بحيث لا يشتغل الطفل اكثر من 4 ساعات متصلة"، إلا أن الواقع الفعلي يكشف أن قانون العمل لا يتم تطبيقه، حيث يعمل الأطفال أكثر من ثماني ساعات بدون عقود عمل أو تأمين اجتماعي أو صحي وفي ظل ظروف تشغيل سيئة، بالإضافة إلى السماح لهم بالعمل في مهن حظرها القانون. كما تنص المادة الأولى من القرار 118 لسنة 2003 على أنه "لا يجوز تشغيل الأطفال الذين يقل سنهم عن 18 سنة في أي نوع من أنواع العمل الذي يحتمل أن يعرض للخطر صحة أو سلامة أو أخلاق الأطفال بسبب طبيعة العمل أو الظروف التي تؤدى فيها، ومنها 44 حرفة لا يجوز لمن هم دون هذه السن أن يستخدموا فيها". وبسؤال سميحة عبد الرحمن مدير إدارة التفتيش بوزارة القوى العاملة والهجرة، عن هذه الحرف التي لا يجوز للأطفال العمل بها قالت، "يوجد 44 مهنة يحظر عمل الأطفال فيها مثل مصانع الطوب والاسمنت واستخراج المعادن أو الأحجار، وذلك للأخطار والأمراض التي قد تصيبهم نتيجة العمل فيها". عقوبة مؤجلة أما أمل جودة عضو ائتلاف حقوق الطفل فأكدت أن المصانع التي تقوم بتشغيل أطفال أقل من 18 عاما يتم تغريم أصحابها 250 ألف جنيه عن كل طفل، وفي حالة دفع الغرامة واستمرار الطفل في العمل يغلق المصنع ويحول أصحابه للتحقيق، مشيرة إلى أن هذا القانون وجدت الأجهزة الحكومية صعوبة في تطبيقه منذ عام 2011.