تحدّي مزدوج يجد الرئيس البوروندي بيير نكورونزيزا نفسه في مواجهته، وذلك عقب إعلانه رسميا مرشّح الإئتلاف الحاكم لرئاسية يونيو/ حزيران المقبل للاتخابات الرئاسي المقبلة.. خطوة قادت البلاد نحو أتّون الإحتجاجات، ما جعل قرار الرئيس، تبعا لذلك، موضوع إدانة دولية، بالتوازي مع توفر أرضية ملائمة تغذّيها عوامل تمضي عكس آمال نكورونزيزا، غير أنّ هذا لا ينفي وجود عوامل أخرى تخدم مساعيه. ووفقا لما جاء على وكالة "الأناضول" للأنباء يمكن عرض العوامل التي تقف ضد رغبة نكروزيزا في الترشح لولاية ثالثة : - 1)- سياق دولي عدائي: الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تنتظر كثيرا، إبّان الإعلان الرسمي، أمس الأول السبت، عن ترشّح الرئيس البوروندي لولاية ثالثة، لتعرب عن أسفها في بيان صدر عن سفارتها في العاصمة البوروندية بوجمبورا، وحمل توقيع الناطقة الرسمية بإسم خارجيتها ماري هارف، وحذّرت من خلاله السلطات البوروندية من "أيّ تجاوزات من شأنها أن تؤثّر على حسن سير الانتخابات الرئاسية والتشريعية". كما أوضحت الخارجية الأمريكية، في الوثيقة ذاتها، أنّ بلادها "ستعتبر مسؤولا كلّ من يشارك أو يبرمج أو يعطي أوامر لإرتكاب العنف ضد المدنيين"، في وقت تتفاقم فيه حدّة الإحتجاجات التي إجتاحت، إنطلاقا من صبيحة أمس الأحد، مناطق عديدة من العاصمة، وخلّفت الإشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن قتيلين على الأقلّ وعشرات الجرحى، بحسب المعارضة. ومن جانبها، قالت بلجيكا، في بيان صحفي صدر عن سفارتها في بوروندي، وحمل توقيع نائب رئيس الوزراء البلجيكي، ووزير الشؤون الخارجية، ديدييه رايندرز، أنّها "علمت باختيار نكورونزيزا"، مشيرة إلى أنّها "لطالما دعت إلى احترام الدستور، وأنه في حال حدوث إشكالات على مستوى التأويل، فإنّ اتفاق أروشا الذي يعدّ أساس السلام والديمقراطية في بوروندي، يمكن أن يتخذ كدليل توجيهي". ويعتبر اتفاق أروشا في بوروندي معيارا "فوق دستوري" يحرص على ضمان المصالحة الوطنية، وينصّ على أنّه "لا أحد بإمكانه أن يمارس الحكم لأكثر من فترتين رئاسيتين"، غير أنّ نظام نكورونزيزا يحبّذ الإستناد إلى الدستور البوروندي، والذي، ولئن حدّد الولايات الرئاسية بإثنتين فقط، إلاّ أنّه ربطهما بالإقتراع العام المباشر، وهذا ما يخدم مصلحة الرئيس البوروندي المغادر، وهو الذي تولّى الحكم منذ إنتخابه في عام 2005 (أعقبت الحرب الأهلية من 1993 إلى 2005)، بشكل إستثنائي وعلى أساس اتفاق أروشا، بالاقتراع الحر غير المباشر، قبل أن يعاد انتخابه لولاية رئاسية ثانية بالاقتراع العام المباشر في 2010، ما يعني أنّ ترشحه للإنتخابات المقبلة سيحسب له ك "ولايةً دستورية ثانية"، بحسب أنصاره وليس ثالثة بحسب المعارضة. 2)- توتر إجتماعي متفاقم: رفض ترشح الرئيس لولاية ثالثة يتجاوز الجدل القانوني، ليلامس، بالنسبة لشقّ كبير من المحتجّين، جميع أنواع الإحباطات الإجتماعية والسياسية. فمنذ الصائفة الماضية، أضحت الإحتجاجات وإنعدام الأمن إضافة إلى جملة الإضطرابات التي طفت معها إلى الواجهة، ذريعة بالنسبة للبورونديين للنزول إلى الشوارع، وممارسة ضغوط على النظام الحاكم. 3)- ذكرى الإنتفاضات السابقة: الضغط الشعبي الذي وضع قوات الأمن البوروندية في اختبار عصيب، وأرغم السلطات على الإفراج عن مدير "الإذاعة الإفريقية العامة"، بوب روغوريكا، الذي اعتقل منذ 20 يناير/ كانون الثاني الماضي بتهم "التواطؤ في القتل وعدم التضامن وانتهاك سرية التحقيقات"، في قضية مقتل ثلاث راهبات إيطاليات، إضافة إلى الإفراج عن الناشط الحقوقي بيير مبونيمبا، منح البورونديين نوعا من الثقة في نجاح هذا الأسلوب، خصوصا وأنّ تجارب دول الجوار تعدّ خير مثال على ذلك. فالإطاحة بحكم الرئيس البوركيني بليز كمباوري، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في أعقاب انتفاضة شعبية عارمة، لدى محاولته تعديل المادة الدستورية التي تقف عقبة أمام ترشحه لولاية رئاسية ثالثة، دعمت المنحى الإحتجاجي في بوروندي حيال أيّ توجّه مماثل، خصوصا بعد أن اضطرّ رئيس الكونغو الديمقراطية، جوزيف كابيلا، إلى التراجع عن اعتماد قانون انتخابي كان سيمنحه فرصة تمديد إقامته في القصر الرئاسي بكنشاسا. ورغم ما تقدّم، إلاّ أنّ نكورونزيزا لازال يحتفظ ببعض الركائز التي تدعمه وتنير الأفق القاتم المحدق به: السياق الإقليمي: الكونغو الديمقراطية ورواندا ترقبان بإهتمام كبير ما يحدث في الجارة بوروندي، وهذا الإهتمام نابع من حقيقة أنّ مصيرهما لطالما ارتبط بالبلد الأخير، كما أنّ الوضع السياسي في البلدان الثلاثة يقف على إحداثيات متشابهة، حتى أنّ بعض المراقبين قالوا إنّ للرئيس الكونغولي جوزيف كابيلا والرواندي بول كاغامي الآمال ذاتها، وهي التشبّث بالسلطة رغم المحظورات الدستورية. كما أنّهما يربطان مسألة إعادة النظر في الحدود التي يفرضها دستور البلدين على الولايات الرئاسية، أي في مسألة ترشحهما لإنتخابات 2016 (في الكونغو الديمقراطية) و2017 (في رواندا)، بمآل الرئيس البوروندي في يونيو/ حزيران المقبل موعد الإنتخابات الرئاسية في بوروندي. 2)- شبح الحرب الأهلية غير بعيد: مئات الآلاف من البورونديين قضوا خلال الحرب الأهلية التي هزت البلاد على مدار 12 عاما (1993- 2005)، ولذلك، فإنّ ذكرى هذه الأحداث الأليمة لا تزال تخيّم بل تجثم بثقلها على الذاكرة الجماعية في البلاد، وهو ما قد يكبح حماسهم وإحتجاجاتهم خوفا من الإنزلاق إلى أتّون إختبروه جيّدا. مواقف تجسّدت من خلال فرار الآلاف من البورونديين نحو رواندا، بحسب الأممالمتحدة، خوفا من تدهور الوضع الأمني، وذلك منذ بداية الصراع بين المعارضة والنظام، خلال الأسابيع الأخيرة. 3)- ولاية رئاسية ثالثة عبر التفسير لا استنادا لنص: هي طريقة لجأ إليها الرئيس البوركيني بليز كمباوري في 2005، والسنغالي عبد الله واد في 2012. فالرئيس البوروندي المغادر لن يلجأ إلى "إنقلاب دستوري"، للحصول على تأشيرة العودة إلى السلطة، وإنما عبر قراءة للنص القانوني، وهذه القراءة تستند إلى مساحة الحجة القانونية، ويمكن أن تنال القبول تماما كما الرفض.