رضا فضل.. فنان تشكيلي فاز منذ بضعة أيام بالجائزة العاشرة في معرض "التراسينا الأول للشباب"، والذي انتفضت قاعة تسليم الجوائز فور سماع اسمه ليصفق الجميع له تصفيقاً حاداً! ذلك لأنه لم يكن فناناً عادياً.. فعند صعوده على المسرح لتسلم الجائزة تفاجئ الجميع أنه بدون كفين؛ وبالرغم من ذلك استطاع أن ينافس أقرانه من الفنانين الشباب ويفوز بجائزة. الفنان رضا تحدى إعاقته ليكون واحدا من فناني الوطن، بل ويتفوق في دراسته حتى يصبح معيداً، ويقوم حالياً بالإعداد للدكتوراه، لكن خلال هذه الرحلة واجه الكثير من الصعوبات التي لم تؤثر على فنه بل بالعكس جعلته يتحدى كل من يراه غير مؤهل بأن يكون فناناً.. عن مسيرته وأعماله والصعوبات التي واجهها في حياته تحدث رضا فضل ل"محيط"، وكان لنا معه هذا الحوار. قال فضل في بداية حديثه أن "الرسم موهبة من الله.. ومشكلتي في البداية كانت كيف استطيع أن أمسك بالقلم، لكن أختي الكبيرة "جيهان" كانت تساعدني في ذلك حتى تعلمت الإمساك به؛ فبالتالي لم يكن هناك عائق بيني وبين القلم أو أني أفعل به أي شيء. تعلمت الكتابة، وفي مرحلة الابتدائي كنت أتنافس مع زملائي من سيكتب أو يرسم بشكل أفضل، وكانوا الأساتذة يحكمون بيننا، وفي المرحلة الإعدادية كنت أشارك في مسابقات القراءة للجميع التابعة لوزارة الشباب، وكان ذلك على المستوى المحلي، وكان هناك مشرف فني يسمى يحيى فضل، وهو من أهتم بموهبتي في مركز الشباب، وبدأت أشارك في المسابقات حتى وصلت لرابعة سنوي أزهري، وكان هناك مسابقة "رسم وإبداع"، وكانت تنظمها وزارة الشباب مع هيئة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة على مستوى الجمهورية، وأقيمت في مكان مفتوح بحيث يكون الرسم أمام لجنة التحكيم، بحيث يخرج اثنان من كل محافظة، وكنت أمثل محافظتي، وكانت تحكم المسابقة د. منى أبو النصر والفنان مصطفى حسين، فعندما رأت أعمالي أعجبت بها وقالت لي أنها تريدني أن أحول تربية وتعليم وأدخل كلية الفنون الجميلة، ولم يكن الفن هدفي وقتها حيث كنت أعتبره هواية، فقلت لها أنني متمسك بالأزهر وأريد أن أكمل تعليمي فيه، فقالت لي أن الأزهر به قسم تربية فنية فتح حديثا فمن الممكن أن ألتحق به، وكانت أول من نبهني لذلك. أول دفعتي وبعد أن حصلت على الثانوية، ذهبت لأحصل على استمارة القدرات كي التحق بالتربية الفنية، ففوجئت بأن موظف الشئون الاجتماعية يقول لي "لا أنت مالكش تدخل.. ماينفعش"، فقلت له "كيف؟!! أنا أرسم وأحصل على جوائز، وحصلت على جائزة أول جمهورية التي حكمتها د. منى أبو النصر، كما حصلت على جائزة في الرسم والقصة القصيرة في المسابقة التي نظمتها جريدة الجمهورية!!، وكرمت في جامعة الدول العربية، وحصلت على ميدالية بيت العرب، ومن كرمنا هو الأمين العام المساعد وقتها في عام 1999".. صدمت وقتها لأنني كنت أتنمى أدخل هذه الكلية. وعندما سألت بعدها قالوا لي قدم في الاختبار عادي وإن لم تقبل ليس هناك مشكلة!! فسحبت الاستمارة ودخلت اختبار القدرات وكان ترتيبي السادس، وهذا أحزنني كثيرا لأن هدفي كان دخول الكلية وتعيني معيد فيها. لكن هذا كان حافزا لي كي اجتهد أكثر. وكنت أول دفعتي الأربع سنوات في الكلية، وفي السنة الرابعة حصلت على امتياز مع مرتبة الشرف، ولم يكن هناك وقتها تعيين في الكلية، حتى اعتصم الأوائل في عام 2011، فعينوا أوائل الدفعات، فتعينت كمعيد في عام 2012. خلال هذه الفترة حصلت على دبلوم تكميلي من كلية "التربية الفنية" بالزمالك عام 2007، وبعدها حصلت على تمهيدي ماجستير، ثم ناقشت الماجستير في مايو عام 2014، وفي هذا العام أعد للدكتوراه في نفس الكلية. عن موضوع الماجستير قال فضل، أنه تناول فيه التجريب في الرسم والتصوير مع رواد المؤسسات الاجتماعية، وأخذ العينة من المعاقين ذهنيا؛ وذلك لأنه استمر ثمان سنوات يعلم الرسم للأطفال في مؤسسة "محمد رشيد" بالإسكندرية، فتعلق بهم وبأعمالهم، وكانت فرصة له كي يأخذهم في عينات التجربة وبالفعل قدموا نتائج مذهلة. وقال فضل أنه لم يشارك في "صالون الشباب" مطلقا، المسابقة التي تقيمها وزارة الثقافة للفنانين الشباب؛ لأن هذا يحتاج استعداد، وكل عام كان يشعر أن أعماله تحتاج أن تكون أقوى. أما عن قدوته من الفنانين المعاصرين، قال فضل هم: حسين بيكار، سيد سعد الدين، وسيد القماش لأنه يحب الأبيض والأسود في الأعمال الفنية. مسابقة التراسينا قام فضل بالتقديم في مسابقة التراسينا عندما عرف بالمسابقة من صفحة الجاليري الخاصة بال"فيس بوك"؛ حيث تقدم لها مع أحد زملائه، وأرسل لإدارة المسابقة صور لوحتين فلم يتلقى منهم رد، ثم أرسل صور لوحتين أخيرين فاختاروا اثنين من الأعمال، وعندما ذهب لتسليم الأعمال في جاليري "ضي – أتيليه العرب" قابل الأستاذ هشام قنديل مؤسس الجاليري فأبدى اهتمامه به واستقبله بشكل جميل جدا، واختار لوحتين أخيرتين من أعماله، وبذلك شارك في المعرض بأربع لوحات، عرض اثنين منهم في استدويو "جانكليز"، والأخيرتين في جاليري "التراسينا"، ولم يتقدم رضا من أجل الحصول على جائزة، بل من أجل المشاركة وتعرف الجمهور على موهبته. غير لائق طبياً وأكد رضا ل"محيط" أنه لم يشعر باليأس مطلقا من مجال الإبداع، وكل مدى كان لديه حافز كي يكمل طريقه، وكان معظم الأشخاص يتخيلون بسبب إعاقته أنه سيعمل كمدرس نظري أو شيخ بما أنه أزهري، لكنه منذ صغره كان يتطلع إلى أن يكون فناناً، فهو يحفظ القرآن لكن لا يشترط أن يكون إمام أو خطيب أو مدرس لغة عربية، وهذه المشكلة وقع فيها بعد أن تخرج من الجامعة؛ حيث تقدم بتقديره لمسابقة تعيين عام 2004 ليكون مدرسا في الأزهر، فقالوا له أنه غير لائق طبياً، وبعد أن حصل على قرار التعيين، وكان من أوائل من تعينوا في المحافظة سحبوا القرار مرة أخرى، الأمر الذي أدى إلى أنه يتوجه للقضاء لإقامة دعوى، وبالفعل نصفه القضاء. وقال فضل: "لابد أن تتغير الكثير من الأشياء في مصر؛ فأنا أثبت تفوقي على الكثير من الأسوياء؛ لذلك فالأمور لا تحسب كما يفكر البعض!!.. فأنا ذهبت للأستاذ صفوت النحاس مشرف التنظيم والإدارة كي أشكو له، واحتضنني وقال لي وقتها أنه لو بيده لكتب قانون باسمي، لذلك نحتاج أن تتغير القوانين. وهذا ما جعلني أكمل الدراسة خارج كليتي حتى تعينت معيدا في عام 2012، ولم أفقد الأمل للحظة واحدة، وأمنيتي أن أكون دكتور في الرسم والتصوير وليس في شيء آخر، فمن الممكن أنني كنت أدرس النقد أو مناهج لكني اخترت الرسم والتصوير". أحاول تطوير نفسي وأكد فضل أن "عالم الفن عالم ممتع، ومجال خصب لإثبات الذات، وبالأخص لي، فمن يراني ممكن أن يتعاطف معي، لكني لا أريد ذلك، بل أريد التأثير من خلال عملي، وبقدر المستطاع أحاول تطوير نفسي. ولم اختار مدرسة معينة انتهجها في الإبداع، لكن كل فترة يكون لها أعمال مختلفة إذا كانت واقعية أو رمزية أو تجريدية، فأنا أول أمس كنت في اختبار في الكلية مع د. جمال لمعي، وقدمت عمل تكعيبي، وقبله قدمت عمل تأثيري، لكن في أعمالي أحاول أن تنعكس شخصيتي عليها سواء بالألوان أو بالأبيض والأسود؛ بحيث يتعرف المشاهد على أعمالي، وأنا مازلت في مرحلة تكوين أسلوب خاص لي". وعن إعاقته أكد فضل أنه مولود بإعاقته، وأنها لم تسبب له أي أزمة، "من عنده إعاقة فهي ابتلاء من الله، فلو رضا الإنسان بما كتب له ربه سيشعر بالطمأنينة وسيعود ذلك عليه بالإيجاب وبالتالي سيعيش سعيدا في حياته وسيحاول التقدم للأمام، والعكس سيكون لو لم يرضى بذلك وسيكون هذا عذاب له وسيخسر في حياته ولم يكمل مشواره، هذه هي الفكرة هل ترضي بذلك أو لا، فلو رضيت فمشكلتك انتهت، وبالتالي ستحاول أن تثبت وجودك، بل وستكون حافز لك، فأنا في المجال الفن مميز، وأعتبر إعاقتي نعمة من الله. وأنا فوجئت في بحثي الذي أحاول أقدمه للدكتوراه، وهو عن الإعاقة الحركية في الأطراف العلوية، بأنه يوجد فنانين كثيرين شبهي، ومنهم تكون يديهم وأرجلهم غير موجودين، وتوجد أحدهم من المغرب أحاول مراسلتها لا يوجد في يديها الاثنين كف ولا معصم، مثل يدي اليمنى؛ ولذلك تمسك الفرشاة مثلي بعظامها، وهناك من يرسم بفمه في فينزويلا، فكل فرد يحاول التغلب على إعاقته ومحاولة التعايش معها". أما عن تفكيره في إقامة معرض خاص، قال رضا أنه يحاول حاليا تجميع لوحاته والعمل بحيث لو جاءت له فرصة سيقوم بالعرض منفردا، وقال: "عرض علي سابقا إقامة معرض من قبل د. صلاح المليجي عندما كان رئيسا لقطاع الفنون التشكيلية، لكنني للأسف لم أكن جاهزا لإقامة المعرض؛ ولذلك أحاول في هذه الفترة البحث عن قاعة تعرض لي، والعمل كي أقدم بشكل جيد، كما يهمني أن أقدم كفنان متحدي للإعاقة؛ لأن هذا يعطيني ميزة بالإضافة لعملي". والفنان رضا فضل متزوج ولديه طفلين، هم: رؤى ثلاث سنوات ونصف، وأحمد يبلغ من العمر عاما ونصف، وزوجته كما قال لديها دورا كبيرا في حياته، فهي أيضا من تعتني بوالده ووالدته، وتقوم بتحفيزه كثيرا لو لم يعمل حتى يكمل عمله. وأنهى رضا حديثه بأن: "هناك الكثيرين من المعاقين مجتهدين وعلى درجة فنية عالية، لكننا للأسف لم نراهم، ومشكلتهم كيفية تطوير أعمالهم. أما عني فأعمالي بالأبيض والأسود أعطتني ميزة لأنه لم يعمل بها إلا القليل لصعوبة تناولها، وحاليا أحاول استخدام خامات أخرى، فالدكتور جمال لمعي يوجهنا حاليا لاستخدام ألوان "التمبرا" كوجوه الفيوم وكيفية رسمها، وأيضا استخدام ألوان الشمع؛ وأنا أحاول تطوير نفسي كي تكون لي الأفضلية في العمل نفسه لو جعلتني الظروف متشابها مع أحد؛ فالإعاقة لها وجهه لكنني لا أريد أن أكون معروف بها فقط، بل يكون للعمل الصدارة".