بعد معاناة تحت وطأة الفصل العنصري علي أيدي الأقلية البيضاء، التي حكمت جنوب أفريقيا لعقود طويلة، يبدو أن العديد من مواطنيها قد أصبحوا معادين للمهاجرين الأجانب من ذوي البشرة السمراء الذين ينتمون لدول أفريقية شقيقة. ويعزو كثير من المحللين والخبراء هذا العداء أو العنصرية الجديدة إلى تزايد الشعور بالإحباط إزاء ندرة فرص العمل التي توفرها الحكومة للشباب وغلاء المعيشة، وعدم المساواة الاقتصادية. "أنا شخصيا أعتقد أن كراهية الأجانب لم تبدأ بين عشية وضحاها"، هكذا استهل حديثه في مقابلة مع وكالة "الأناضول"، أندريه دوفنهاغ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "نورث ويست" في مدينة بوتشفستروم شمال شرقي البلاد. وأشار إلى أن "كراهية الأجانب كانت متواجدة، ولكن بمستويات منخفضة خلال العقد الماضي، وذلك أساسا بسبب الظروف الاقتصادية". وأوضح الخبير أن "الناس غير راضين عن فشل الحكومة في توفير فرص عمل مع توقف معدلات البطالة عند 52%، ولذلك وجهوا غضبهم إلى مهاجمة المهاجرين الأفارقة". والثلاثاء الماضي، نشرت الحكومة قوات من الجيش لمساعدة الشرطة في وقف العنف المناهض للمهاجرين، وألقي القبض على مئات الأشخاص بعد الموجة الأخيرة من العنف. وقبل أكثر من أسبوع، داهمت حشود ممن تصفهم السلطات المحلية ب"الغوغاء" منازل ومتاجر للمهاجرين الأجانب في ديربان (أكبر مدن مقاطعة كوازولو ناتال)، بدعوى أنهم يقومون ب"سرقة فرص العمل، وارتكاب الجرائم ووضع أعباء على الخدمات الاجتماعية". وقاموا بنهب المتاجر والمنازل، وطردوا عددا من المهاجرين من مساكنهم، فيما يجري حاليا استضافة العديد منهم في مخيمات مؤقتة للاجئين. وحتى اليوم، قتل 7 أشخاص في أعمال العنف المستمرة، بينهم إثيوبي رشقت حشود "الغوغاء" متجره بالقنابل الحارقة. ووفقا ل"دوفنهاغ"، فإن أعمال العنف المناهضة للمهاجرين المستمرة، ليست وقائع جديدة على البلاد، حيث وقعت هجمات مماثلة عام 2008، قتل خلالها العديد من المهاجرين الأفارقة. وأضاف "كراهية الأجانب ليست مشكلة مؤقتة. وسنشهد استمرار تكرار هذه الهجمات بسبب الاقتصاد غير المستقر". وعندما حصلت جنوب أفريقيا، على حريتها في عام 1994، بدأ الآلاف من المهاجرين يتدفقون على البلاد بحثا عن فرص العمل. من جانبها، قالت مينكي ماري ستيلر، الباحثة في "معهد العلاقات العرقية"، إنه "عندما بدأ وصول المهاجرين إلى البلاد بداية من عام 1994، وفشلت الحكومة في توفير فرص عمل، تنامت مشاعر الإحباط ما أدى إلى هذه الهجمات". وأشارت إلى أن البلاد تواجه حالة من الفقر الشديد وعدم المساواة والبطالة، خلقت حالة من الإحباط والغضب بين المواطنين منذ فترة. وأضافت "إنهم (المواطنون) ينظرون إلى الرعايا الأجانب كأشخاص يأخذون فرصهم، لا سيما أولئك الذين يمارسون أنشطتهم التجارية في المستوطنات غير الرسمية حيث يتواجد مواطنين غاضبين". وأعربت "ستيلر" عن اعتقادها بأن الحكومة لا توفر فرص عمل كافية في ظل تزايد مستويات البطالة إلى حوالي 52% بين الشباب الذين يثورون بسهولة. وطالبت حكومة بلادها بمراجعة سياسة الهجرة لضمان معرفة الرقم الصحيح للمهاجرين في البلاد، مضيفة: "ينبغي منحهم وثائق قانونية حتى يتمكنوا من العمل ودفع الضرائب". وفي غضون ذلك،يعتقد أولئك الذين يؤيدون أعمال العنف المناهضة للمهاجرين في جنوب أفريقيا أن هناك العديد من المهاجرين غير الشرعيين في البلاد الذين يشاركون في جرائم ترتكب، ولا يمكن محاسبتهم لأنهم لا يحملون وثائق. واعتبرت "ستيلر" أن المهاجرين يمثلون قوة حيوية للتنمية الاقتصادية في القارة، معربة عن أملها بأن تسهل حكومة جنوب أفريقيا لهم الحصول على وثائق قانونية للعمل في البلاد حيث يأتي البعض من ذوي المهارات الحيوية. وبنفس القدر اتفق معها المحلل السياسي سادراك غوتو، الذي اعتبر أن البلاد تتعامل مع قيادة ضعيفة تحتاج إلى الاستيقاظ والتوقف عن قطع وعود "بكل شيء" للمواطنين خلال الحملات الانتخابية، وعندما يطالب الناس بالوفاء بالتعهدات، يقول المسؤولون إنهم يطالبون بالكثير. وأضاف في حديث لوكالة الأناضول "لكن الفقر ليس ذريعة للإجرام، فلا يمكنك أن تقول أنا طعنت شخص بسبب الفقر". وأشارت الأبحاث الأخيرة إلى افتراضات بأن المهاجرين الذين يأتون إلى جنوب أفريقيا "يسرقون" الوظائف المخصصة للمواطنين الأصليين. وأجبرت أعمال العنف عشرات المهاجرين من مالاوي وموزمبيق وزيمبابوي ودول أفريقية أخرى على مغادرة البلاد. ويعيش مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة في جنوب أفريقيا، ويشارك الغالبية العظمى منهم في قطاع الأعمال غير الرسمي، والفئة الأخيرة كانت هي الأكثر تضررا من أعمال العنف الأخيرة، في ظل نهب السكان المحليين متاجرهم ومنازلهم كلما اندلعت احتجاجات على تقديم الخدمات. وقبل 7 سنوات، فقد أكثر من 50 مهاجرا أفريقيا أرواحهم، عندما هاجمتهم حشود من الغاضبين في جميع أنحاء البلاد، فيما يقول خبراء إن الدافع وراء تلك الهجمات هو "كراهية الأجانب.