في الفيلم الأبيض والأسود. يدخل اسماعيل يس مستشفي المجانين . فيشاهد مجنوناً يقف واضعاً رأسه علي حائط . وهو يضرب كفاً علي كف . يسأله اسماعيل يس متعجباً : فيه ايه ؟ - يرد المجنون قائلاً له : حط راسك علي الحيط وانت تسمع ! يضع اسماعيل يس رأسه علي الحائط متنصتاً . ثم يلتفت إلي المجنون قائلاً: مش سامع حاجة ! يرد المجنون بانفعال شديد : ما هو ده اللي مجنني ! المجنون اذن جن جنونه بلا سبب واضح . هل هي حقيقة علمية . انه لا توجد أسباب واضحة للجنون ، لكن العقل والمنطق يقولان انه لا يوجد شيء بدون سبب . حتي الضحك من غير سبب قالوا انه قلة ادب . أكيد لأنه بدون سبب! وهناك رأي آخر قاله لي منذ سنوات الشباب صديقي المشاغب مرتضي منصور . قال لي : لا يوجد انسان يتحول إلي مجنون بدون سبب . لابد من وجود شخص آخر . رجل أو امرأة هو الذي أو هي التي تجننه أو يجننها .كلام معقول إلي حد كبير يا مرتضي . فأنا نفسي لم تصبني حالة جنون يوماً إلا وكان هناك شخص رجلا كان أو امرأة هو الذي جنني أو جننتني . فأنا لا أفقد السيطرة علي أعصابي هكذا بمفردي بدون أن يدفعني أحد إلي ذلك السلوك . أعرف أنه يوجد في العلم ما يسمي ب « الجنون اللحظي» . وهي تلك اللحظة النادرة التي يصاب فيها الانسان بانفعالات مجنونة . فيفعل ما لا يخطر علي بال أحد ولا حتي علي باله نفسه . ويتحول في تلك اللحظة إلي شخص آخر . ربما يسرق أو يقتل . أو يبكي أو يلطم ثم يضحك بلا سبب مفهوم . اللهم احفظنا ! بهذا المنطق وذاك . اذن أنا مجنون . ولابد أن كثيرا من حضراتكم كذلك . أنا مثلاً ضبطت نفسي أكثر من مرة وأنا أتحدث إلي نفسي بصوت مرتفع . وفي بعض الأحيان رغم اعتقادي بأني انسان مؤدب . إلا أنني أحياناً أضحك بلا سبب . وأحيان أخري قد تهبط دموعي أيضاً بلا سبب . وأنا أتشاءم إذا ارتديت فردة حذائي الشمال قبل اليمين ! ولا يتوقف جنوني عند حد . بل هو يختلط بتفاصيل حياتي بلا ارادة مني فأستيقظ أياماً من نومي وأنا مليء بالكآبة والاحباط . هل عرفتم الآن .. من أنا ؟ أنا مجنون اسماعيل يس في مستشفي المجانين . لأنني لا أسمع شيئاً خلف الحائط .. وده اللي مجنني !