نقلاً عما ورد في العديد من وكالات الأنباء ومواقع النت حول تصريح الأسد لصحيفة"صنداي تليجراف" البريطانية، عن أن الغرب يخاطر بوقوع زلزال "يحرق الشرق الأوسط" إذا ما تدخل في سوريا عسكرياً .. نود أن نوضح الآتي : أولاً- من الغباء السياسي أن يعتقد المرء أن الغرب يفكر بالتدخل عسكريا في سوريا حالياً، ما دام حزب الله اللبناني قادراً على توجيه ضربات صاروخية موجعة لكافة مدن إسرائيل ومناطقها، بدئاً من حدودها الشمالية مع لبنان وحتى ميناء إيلات في أقصى الجنوب. فضلاً عن أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة العربية حاليا في ظل الثورات التي تجتاح دولها، تجعل من الصعب على الغرب وضع معايير يقينية لأي قرار يتخذه في هذا الصدد. ثانياً - الغرب يعلم جيداً أن استمرار حزب الله كقوة عسكرية في لبنان، يرتبط باستمرار الدعم الذي تقدمه له إيران، والذي يصل معظمه حاليا عن طريق المنافذ السورية الجوية والبحرية والبرية. كما يعلم حزب الله نفسه أن استمرار الدور الفاعل الذي يلعبة في الحياة السياسية حاليا في لبنان، يستحيل استمراره دون استمرار حصوله على هذا الدعم. ثالثا- لذلك يعلم الغرب جيداً أن أي عمل يستهدف شل قدرات حزب الله القتالية ضد إسرائيل، يجب أن يبدأ من طهران وليس من سوريا. ذلك أن كل الأطراف المعنية بالأزمة السورية القائمة، تعلم أن إضعاف دور حزب الله في الصراع مع إسرائيل ومع مناوئيه السياسيين في لبنان، لا يتحقق إلاّ عن طريقين: 1- أن يفقد الحزب العون الذي يأتيه من إيران وليس من سوريا. وهنا لا بد من وقفة نشير فيها إلى أن الداعم الرئيس للحزب هو إيران وليس نظام بشار الذي يقتصر دوره على تقديم التسهيلات لوصول السلاح والمال من إيران لحزب الله، والذي لا يتم- من وجهة نظر الكثيرين- إلاً بحصوله من إيران على ثمن باهظ ، وليس نتيجة تطابق في المبادئ بينه وبين حزب الله أو إيران، كما يدعي بشار ويملأ الدنيا ضحيجاً حول تزعمة للاتجاه المقاوم في المنطقة. وكلنا يعلم أن "نظام الأسدين" (ونعني به النظام في عهدي الأسد الأب والأسد الابن)، أظهر أكثر من مرة استعداده لعقد اتفاقية صلح وتطبيع للعلاقات مع إسرائيل، إذا هي قبلت بالانسحاب من هضبة الجولان وأعادتها لسوريا، ما يعني أن نظام الأسدين، لم يدع لتحرير كامل التراب الفلسطيني من مغتصبيه الصهاينة، مثلما يصرح حلفاؤه في إيران وحزب الله دائماً. 2- أن يتمكن الغرب وإسرائيل من شل قدرة إيران على استمرار دعمها لحزب الله، ومده بالمال والسلاح الذي يمكنه من الاستمرار في تهديد إسرائيل أو تهديد المنطقة الشمالية منها "على الأقل". وهذا أمر لا يستطيع أحد من المراقبين التكهن بشأنه، بسبب ارتباطه بمجرى الأحداث التي تجري على الأرض في سوريا والمنطقة، وطبيعة الظروف التي تحكم العلاقات بين إيران وكل من أمريكا وإسرائيل من ناحية، وبين إيران ودول الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى. وهذا ما يراهن عليه النظام في سوريا- على ما يبدو- حين يوجه تحذيراته للغرب، وحين يقول أن ثمة زلزالا سيحرق الشرق الأوسط إذا ما تدخل الغرب عسكريا في سوريا. فهو يعتقد (مخطئاً أو مصيباً) بأن حزب الله ليس أكثر من ورقة يستطيع استخدامها ضد إسرائيل والغرب حين يتطلب الأمر ذلك. رابعاً- بناء على هذا التوصيف للوضع (سواء كان دقيقاً أو خاطئاً)، فإن قصف حزب الله إسرائيل بالصواريخ يظل "الفزاعة" التي يحاول بها بشار تخويف الغرب من أي تدخل غربي عسكري ضد نظامه، وبخاصة إذا كان هذا التدخل على غرار ما حدث في ليبيا. خامسا- هنا يأتي السؤال الحاسم: هل هذا التهديد يأتي في نطاق تنسيق استراتيجي بين النظام في سوريا وبين كل من حزب الله وإيران .. يسمح بأن يكون حزب الله مجرد ورقة يلعب بها بشار كيفما يريد، دون موافقة الحزب نفسه وإيران .. أم ماذا؟. الإجابة على هذا السؤال تأتي في نطاق احتمالين لا ثالث لهما: فإما أن يكون هذا التنسيق موجوداً بالفعل وجاهزاً للتفعيل في الوقت الذي يقرر في الأطراف الثلاثة "النظام السوري وإيران وحزب الله" مجتمعة استخدامه .. أو لا يكون موجوداً. وفي الحالة الثانية يصبح حزب الله مجرد فزاعة يخوف بها النظام السوري الغرب من التدخل في سوريا على ما ذكرنا. سادساً- إذا ما كان تحذير بشار للغرب يستند إلى استخدامه لحزب الله كمجرد فزاعة، فهذا يعني أن كل ما صدر عن بشار وحليفيه نجاد ونصر الله من تصريحات حول عدم شرعية وجود إسرائيل في المنطقة العربية وإزالتها .. يصبح محل بحث وتدقيق حول مدى التزامهما العمل بتلك التصريحات. سابعاً- ومع اعتقاد الكثيرين بأن من الصعب على الغرب أن يقدم على تدخل عسكري، ما لم يكن واثقاً من وجود الظروف المواتية التي تكفل نجاحه في هذه المهمة .. غير أن هذا الأمر يصبح وارداً وبقوة، حين يتيقن أن بشار قد يلجأ إلى إثارة اقتتال شامل ومصيري مع إسرائيل، وما يتبعه من احتمال دخول كل من حزب الله وإيران في هذا الاقتتال المفترض. ثامنا- هنا يثار تساؤلان هامان: 1- بغض النظر عن إمكان تدخل الغرب من عدمه في الوضع الراهن في سوريا حالياً .. ماذا سيفعل بشار إذا ما شعر بأن الثورة في سوريا سوف تنجح؟، وأن ثمة احتمالاً بأنه سيتعرض لذات المصير الذي تعرض له القذافي؟ .. هل يلجأ (بالفعل) إلى إثارة حرب مع إسرائيل .. وبذلك (قد) تنقلب فزاعة حزب الله إلى حقيقة؟. الثاني- إذا ما افتعل بشار اقتتالا مع إسرائيل .. فهل تقبل إيران وحزب الله الدخول في حرب مع إسرائيل، وفي هذا الوقت الذي يواجه الطرفان فيه مصاعب جمَّه على الصعد الداخلية والإقليمية والدولية؟. بالنسبة للسؤال الأول: يرى بعض المراقبين أن لجوء بشار لإثارة حرب مع إسرائيل أمر وارد، إذا ما وجد نفسه محاصراً من كل جانب، وإذا لم تكن هناك ترتيبات (من أي نوع ومع أي طرف) تؤمِّن له الخروج من سوريا سالما، وتكفل عدم تعرضه للمصير الذي تعرض له القذافي. فهو- في حال إثارته لمثل تلك الحرب- كمن يهدم المعبد على من فيه. فإثارة حرب مع إسرائيل في هذا الوقت، سوف يُدخل أطرافاً عديدة في إوارها، ويعرض آخرين- دون إرادة منهم- لنيرانها. وهذا أمر يفهمه جيداً المتابعون لتطورات الأحداث في المنطقة لما يسمى ب "الربيع العربي". وإذا ما كان هناك قرارٌ من الغرب في التدخل، فلا بد أن يتم تنفيذه وفق شروط صارمة تؤمن له النجاح، دون أن تصاب إسرائيل بخسائر لا تقبل بوقوعها أولاً، وتمنع احتراق المنطقة (بحسب تهديد بشار) ثانياً. وبصدد السؤال الثاني: يرى هذا البعض أن مشاركة إيران وحزب الله في الحرب المحتملة أمر ممكن لسببين: الأول: أن هزيمة بشار وانتصار الثورة يعني فقد إيران وحزب الله حليفاً قويا أقل ما يقال في أهميته، أنه يمثل حلقة الوصل بينهما براً وبحراً وجواً. ونقول براً باعتبار أن العراق الذي يخضع الآن لحكم الشيعة، يؤمِّن ذلك الربط بين الحلفاء الثلاثة. الثاني وهو الأهم: إن ما يقال عن أن هدف إيران وحزب الله من التحالف مع نظام "الأسدين" (وليس النظام البعثي في سوريا) هو "نشر المذهب الشيعي" .. يمكن أن يدفعهما للمشاركة في تلك الحرب، باعتبار أن مجرد المشاركة فيها يعطي لشعوب المنطقة (التي تعتنق الغالبية العظمى من أبنائها مذهب أهل السنة والجماعة)، إحساساً مريحاً ومطمئناً نحو إيران وحزب الله، كما يحد كثيراً من الشعور بالبغضاء والعداء الذي يحاول الكثيرون- إقليميا ودولياً- زرعه في نفوس أهل السنة والجماعة ضد الشيعة في المنطقة .. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن دخول إيران في حرب يثيرها يشار ضد إسرائيل، يمكن أن يكون أمراً مرغوباً لدى إيران التي قد ترى فيه حرباً استباقية على إسرائيل، التي طالما هددت وما زالت تهدد بشن هجوم على منشأتها النووية، كما لم تتوقف لحظةً عن تأليب الرأي العام العالمي وأمريكا والغرب ضدها، بل وحثها على شن الحرب عليها. في هذا السياق علينا أن نستذكر التصريحات التي أدلى بها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله مؤخراً. فبحسب جريدة الأخبار اللبنانية "أبلغ كوادر حزبه أن أي حرب تشنها إسرائيل على لبنان مستقبلاً ستبدأ من تل أبيب، وتوعّد ب"طحن عظام" الجيش الإسرائيلي إذا ما شن الحرب، واعداً ب"مفاجآت ستؤدي إلى تغيير وجه المنطقة". (لاحظ المقاربة بين وعدي بشار ونصر الله بالنسبة لما يمكن أن تتعرض له المنطقة في حال تدخل الغرب عسكريا في سوريا أو شن إسرائيل حربا جديدة على لبنان). كما أكد على أن المقاومة اللبنانية ستلتزم بالمعادلات الجديدة التي رسمتها إسرائيل لنفسها، حين لم تضع في الحروب السابقة أية خطوط حمراء .. ما يعني أن حزب الله لن يلتزم بأية قيود في قصفه لإسرائيل بالصواريخ، إذا ما شن العدو حرباً على لبنان، وأن هذا القصف سيطال كل مدنها وبلداتها وكافة الأراضي الفلسطينية التي اغتصبها الصهاينة عام 48 وأقاموا عليها كيانهم العبري الدخيل. ليس من شك أن هذه التصريحات تلمح- بشكل أو بآخر- أن هناك تنسيقا يسمح بمشاركة حزب الله الفورية في أي حرب تنشب بين سوريا وإسرائيل، والتي يحتمل أن يلجأ بشار لإثارتها إذا ما شعر بأن هذا العمل هو المنفذ الوحيد الذي ينقذه من المصير المأساوي الذي آل إليه معمر القذافي. لكن .. أغلب الظن أن هذا التنسيق بموجباته، لا بد أن يكون مشروطاً بعدم إلحاق أضرار قاتلة بحلفاء بشار .. إيران وحزب الله. زد على ذلك أن إسرائيل نفسها، لا تريد أن تصل الأمور في سوريا إلى وضع، يسمح بأن يلاقي بشار المصير الذي لاقاه القذافي، لأن ذلك يعني- في نظرها- أن الثورة في سوريا تكون قد حققت كل أهدافها، بما فيها استمرار تزعم سوريا لتيار المقاومة في المنطقة. فإسرائيل تعرف قبل غيرها، أن السوريين لن يتخلوا عن دورهم التاريخي والمحوري بالنسبة للقضايا العربية وبخاصة القضية الفلسطينية. ومهما يكن من أمر، فإن ثمة نقطتين لا بد من التأكيد عليهما وهما: أولا- ما صرح به بشار الأسد لصحيفة "صنداي تلجراف"، لا يمكن الأخذ به على إطلاقه. فقد قال أن سوريا هي المحور الذي تدور حوله المنطقة .. فإذا ما حاول الغرب "اللعب" بالأرض فسيتسبب ذلك في حدوث زلزال ليس في سوريا وحدها وإنما في المنطقة كلها ، و"سيخلق أوضاعاً تشبه الوضع السائد في أفغانستان". كما قال (أيضاً) لمراسل الصحيفة ذاتها: إن أي مشكلة في سوريا ستحرق المنطقة بكاملها .. و"إذا كانت الخطة هي تقسيم سوريا، فسيعني ذلك تقسيم كل المنطقة". هنا نقول .. صحيحٌ أن سوريا كانت وما زالت وستبقى تلعب دوراً محوريا في المنطقة، لكنها لم تكن الوحيدة في هذا المضمار .. حتى قبل هبوب رياح التغيير على المنطقة. وما قول بشار هذا إلا (استغلالا شخصيا وقميئا منه) للظروف العصيبة التي يمر بها الوطن العربي في ظل الأنظمة الرسمية التي تحكمه، كما أنه ينطوي على استعلاءٍ مذموم على كافة الشعوب العربية، الأمر الذي لا يقبل به السوريون بكافة أطيافهم السياسية والمذهبية والعرقية والعقائدية. الثاني- أن هذه المعالجة لتصريحات بشار، لا ينبغي أن يُفهم منها- بأي حال من الأحوال- اتهام إيران وحزب الله بالمكيافيللية في موقفهما في تناولهما للقضية الفلسطينية. بل على العكس من ذلك، حيث يدركان أن خروجهما على هدف طرد الصهاينة من فلسطين، يُعدُّ في نظر الشعب الإيراني أولاً، والشعوب العربية ثانياً، والشعوب الإسلامية ثالثاً .. خروجاً على تعاليم الإسلام، وهذا ما لا يُتَصور أن يقبل به حكام إيران وحزب الله .. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن هذه المعالجة لا تنطوي على القول بحتمية اشتراك إيران وحزب الله بأية حرب يثيرها بشار مع إسرائيل، ذلك أن هذين الحليفين لن يقدما على أي حرب مع إسرائيل، إلا إذا ضمنا تحقيق أهدافهما منها والانتصار فيها. وهذا يعني- بقول آخر- أن بشار لا يستطيع الدخول في مغامرة كهذه، بهدف الخروج من مأزق أوقع نفسه فيه، ولم يكن لحليفيه يد في صنعه. فما لم تكن هناك مصلحة مؤكدة لإيران وحزب الله من دخول هكذا حرب ، فليس من الصواب في شيء أن يتوقع أحد من إيران أو حزب الله المشاركة فيها.