في أعقاب التطورات السريعة والمتلاحقة التي شهدتها ليبيا خلال الأيام القليلة الماضية وسيطرة الثوار في البلاد على العاصمة الليبية حيث باتوا قاب قوسين أو ادنى من إسقاط النظام الليبي، طفت على السطح العديد من علامات الاستفهام حول تأثير هذا الحدث على الثورتين في كلا من سوريا واليمن. فالأوضاع الميدانية في كلا البلدين تتشابه إلى حد كبير مع الأوضاع الراهنة في ليبيا إلا من ناحية التدخل العسكري الغربي على مسار الثورة في سوريا واليمن واللتين لم تشهدا تدخلا عسكريا غربيا كما حدث في ليبيا عندما تدخلت دول حلف شمال الأطلنطي، الناتو . وعلى الرغم من النجاح الذي حققه حلف شمال الأطلسي في مواجهة نظام العقيد معمر القذافي، يبدو التدخل العسكري مستبعدا جدا في دولة كسوريا بصفة خاصة. سوريا مختلفة هذا البلد يشهد وضعا مختلفا جدا عن ليبيا، ولا تريد الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الأوروبيون فتح جبهة جديدة في دمشق حيث المعارضة غير منظمة ويملك الرئيس بشار الأسد قوات يخشى بأسها. وهذا ما تدركه الأطراف الغربية وظهر في تصريحات وزير الخارجية الفرنسي، آلان جوبيه، هذا الأسبوع، عندما قال إن نتيجة النزاع الليبي "سيكون لها تداعيات على سوريا"، لكنه استبعد تحركا عسكريا ضد نظام الأسد. وفي واشنطن، قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، فكتوريا نولاند أن المتظاهرين السوريين لا يحبذون تدخلا أجنبيا، وأضافت "أنهم يسلكون طريق مارتن لوثر كينغ وغاندي". وأضاف الخبير الأميركي أنتوني كورديسمان، لوكالة الأنباء الفرنسية، أن سوريا "تملك آلة عسكرية تتمتع بقدرات كبيرة وليس مثل ليبيا حيث لا تعدو كونها واجهة". وتابع : إن تدخلا أجنبيا في سوريا سيتطلب وسائل أكبر بكثير مع احتمال وقوع ضحايا مدنيين. وأضاف : إن معظم المعارضين السوريين يرفضون فكرة التدخل الغربي خوفا من أن يؤدي إضفاء طابع عسكري على مواجهتهم مع نظام الأسد إلى حرب أهلية بين مختلف المجموعات القومية والدينية في البلاد، ويشير شبلي تلحمي من جامعة ميريلاند الأمريكية إلى أن "الرأي العام العربي والدول العربية يعارض تدخلا عسكريا في سوريا". الثورة السورية تحد لإيران الرأي العام العربي فقط هو الذي يمكن أن يؤثر على احتمال التدخل العسكري الغربي في الشأن السوري فالوضع الإقليمي أيضا من الأمور التي ستحدد إلى أي مدى يمكن استبعاد مثل هذه الخطوة من جانب المجتمع الدولي . فسوريا حليفة إيران وتتمتع بنفوذ كبير في لبنان حيث تدعم حزب الله، وعبر حزب الله اكتسبت في كل العالم العربي صورة القطب المقاوم لإسرائيل، والتدخل في سوريا يمكن أن يحرك كل هذه القوى ويؤدي إلى تفجير المنطقة بأكملها. كما الثورة السورية الراهنة والأزمة التي تطرحها أمام النظام الحاكم في دمشق تمثل تحدياً جسيماً وخطيراً لسياسة إيران الإقليمية، ومؤشراً على تغير جوهري في معادلة الصراع بينها وبين العسكر المناوئ لها، سواء كان إقليمياً أو دولياً. فإيران وسوريا مرتبطان بعلاقة تحالف استراتيجي وتشكلان معا رأس محور ما يسمى " المقاومة والممانعة في مواجهة إسرائيل والغرب " بحسب ما هو شائع. وكانت طهران قد ساندت جميع ثورات الربيع العربي إلا أنها وقفت إلى جانب حليفها النظام السوري ضد المتظاهرين السوريين، تحت دعوى وجود مخطط أمريكي لزعزعة الاستقرار في سوريا. ويشير المدير العام لشؤون الشرق الأوسط والخليج في وزارة الخارجية الإيرانية أمير عبد اللهيان الى أن " مخططات أميركا غير المباشرة لتغيير النظام في سوريا فشلت "، وزعم أن " التحركات في سوريا لم تكن عفوية وإنما جرى التخطيط والتنظيم لها بعد مدة من الثورات العربية". وزعم عبد اللهيان أن " أميركا تسعى من خلال مواقفها وحربها الإعلامية والدبلوماسية ومن خلال تزويدها المجموعات الإرهابية بالسلاح والذخيرة إلى إخراج سوريا من معادلة المقاومة في المنطقة ". وفي نفس السياق جاءت تصريحات السفير الإيراني أحمد موسوي حين قال إن " سوريا ستخرج من محنتها الراهنة منتصرة والشيطان الأكبر سيهزم في المنطقة "، في إشارة إلى الولاياتالمتحدة. ونقلت وكالة مهر للأنباء عن موسوي تصريحاته لصحيفة " الوطن " السورية أنه " لا توجد منطقة في العالم لا تحتاج للإصلاحات لكون الذين يحكمون العالم ليسوا ملائكة فلذا الإصلاحات حاجة ضرورية لكل البلدان ". وأضاف السفير الإيراني أن " سوريا تحتاج للإصلاحات ولكن الإصلاحات التي يريدها الشعب السوري تختلف عن الإصلاحات التي يطالب بها أعداؤه". بيد أن الموقف الإيراني الداعم لنظام الأسد في سوريا، يأتي على النقيض من موقف الأطراف العربية أبرزها السعودية، وقوى دولية أخرى كتركيا والولاياتالمتحدة، التي أعلن رئيسها باراك اوباما صراحة مطالبته للأسد بالتنحي في 18 أغسطس الجاري. لذا فالتغيير في سوريا يمكن أن يربك العديد من الحسابات الخاصة بطهران في المنطقة ويغير من معادلة القوة فيها، فتغيير النظام السوري سيرتبط أيضا بموقف حزب الله اللبناني في الجنوب وقدرته على المواجهة أمام إسرائيل في ظل غياب الدعم السوري له إذا ما تغير النظام فضلا عن إمكانية اندفاع النظام الإيراني إلى المضي قدما في برنامجه النووي من اجل ليكون هو أداة الردع والنفوذ الرئيسية لها في المنطقة .