فى خضّم معركة الحياة, قد تسوء نفوس البشر وقد يتم إصلاح فسادها.. قد يتغير القلب من النقيض إلى النقيض, وقد يظل على حاله بلا تغير.. قد تتحسن نظرتك للحياة, وقد تظل على سوء ظنك فيها.. الثابت والحقيقي هنا هو أنك شخص قابل للتغير سواء للأحسن أو للأسوأ.. لكن أتدرى أن هناك أرواح وُلدت نقية، وقُدّرَ لها النقاء حتى المنتهى ؟!. تلك الأرواح الملائكية في بلادي يسمونهم "معاقين ذهنيًا" وأنا أرفض هذه التسمية بشدة وأسميهم "ملائكة الخلود".. قلوبهم ما زالت على فطرة النقاء, ونفوسهم ما زالت على فطرة الخير، خيالهم لا يتوقع عالماً فيه ولو قدر ضئيل من الشر.. بل خيالهم لا يعرف ما الشر أصلاً.. أجسادهم معنا هنا في الأرض ونفوسهم تسمو عند جنات السماء. إن قُدِّرَ لك وتعاملت مع أحد منهم.. مجرد أن يبتسم لك, هذا كفيل بأن يُشعرك بمدى نقاء وصدق تلك القلوب.. أما إن أحبك أحدهم وتعلق بك فاعلم أن فيك من الملائكية ما قد سما على ضعف بشريتك. فى بلادى يستهزئون بهم ويقولون "فيهم لله".. ورغم سوء المعنى في نفوس القائلين, إلا أن اللفظ فى حد ذاته صادق وواقعي، فقلوبهم جاءت من عند الله بأنوار السماء ولم تستطع خطايا الدنيا أن تدنسها, فلو أن قلب أحدهم وُضع مكان قلبك فلن يتحمل كل تلك الشهوات التي تدنس لُب نقاءه.. لأن تلك القلوب قد خُتم فيها عهد النقاء. لذا لو كان الأمر بيدي لعاقبت كل من أسماهم ب"المعاقين".. فالإعاقة الحقيقية في نظري هي تلك الروح التي تعجز عن وصل قلبها بأنوار السماء ثم إفاضة تلك الأنوار على نفوس الخلق. ولهذا فإن أشد ما يؤلمني أن أجد شخصاً ما يصفهم ب"الجنون ".. أيوصف قلبٌ يعجز عن الشر بالجنون ؟!!.. أيوصف روحٌ تخطت سماء الدنيا من نقاءها وارتفعت حتى جنات السماء بالجنون ؟!!.. أيوصف الطُهر متجسداً في روح بالجنون ؟!!، أيوصف اختيار الله لشخص بالنقاء الدائم بالجنون؟!!، فليحيا الجنون إن كان يعنى النقاء والبقاء على الفطرة. وعلى كلٍ فإن جُل ما أتمناه وأسعى إليه الآن هو أن يتعامل المجتمع مع هؤلاء الأشخاص على أنهم "هبة" من الله مقدمة إلينا.. لا عبئا ثقيلا يعجز المجتمع عن تحمله, فكيف لنا أن نكون قوما شاكرين إذا ما اعتبرنا الهبات الإلهية أعباء ثقيلة.. ؟!!.