هل سألت نفسك.. كيف يستشعر المحب بحبك ويصدقك عليه؟ فقد قال العلماء والعامة بعد مرور السنين وتقلبهم فى التجارب.. أنه بالإخلاص إلى المحب.. وغاية الإخلاص عبادة الله تعالى.. ومعنى «خلص» أى وصل إلى الشىء المراد إليه.. والإخلاص دلالة على النقاء والصفاء.. وأخلص الدين لله تعنى قصد وجهه ونبذ الرياء.. ولذلك استثنى إبليس عباد الله المخلصين من فتنه للناس وذلك لاستحالة قدرته على اختراق قلويهم المحصنة بالإخلاص للإيمان وجاء فى قوله تعالى قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ والإخلاص سر الإيمان وهو من الدرجات العليا عندما يصل إليها المحب وهو أيضًا النهج والمفتاح فى دعوة الأنبياء.. وقد وصف المولى عز وجل موسى عليه السلام فى قوله تعالى وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً.. ووصف كذلك نبيه يوسف عليه السلام قائلًا كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ. *** واتفق العلماء فى تعريف الإخلاص أن يكون الإنسان سلم النية وقصد حركاته وسكناته وكل عبادة سواء ظاهرة أو باطنة خالصة لوجه الله تعالى دون أن تمسها شائبة من شهوات الدنيا أو تزاحمها هوى أو نفس ناقصة.. حيث قال تعالى Mک ک گ گ گ گ ? ? ? L. وقد تأتى نجاة الإنسان يوم الهول العظيم من سوء أعماله بسبب إخلاصه لعمل واحد ابتغى به وجه العلى العظيم.. كما قال الرسول ( صلى الله عليه و سلم ) «لقد رأيت رجلا يتقلب فى الجنة فى شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذى المسلمين». ولذلك كانت ضرورة استحضار النية الخالصة لله وتنقيتها من الفتن والالتزام بالاستقامة والاستغفار مع التوبة.. ويسلم الإنسان من لسانه مع التقرب المستمر إلى الله بكل الفضائل والفروض.. وهو ما يؤكده الحديث القدسى على لسان رسولنا ( صلى الله عليه و سلم ) «وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلى مما افترضته عليه ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصره ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لأعطينه ولئن استعاذنى لأعيذنه». وعلى النقيض من هؤلاء العباد يساق الحديث ليفصح عن رياء بعض العباد فى عبادة الله كما فى الرواية.. يؤتى برجل تعلم العلم وقرأ القرآن.. قال فما عملت؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن.. قال: كذبت ولكن تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل.. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار.. ويقول تعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) والرياء لا يأتى مع المخلص بل يلفظه.. لأنه يخضع قلبه لحب الله دون سواه.. ويتفتح قلبه طواعية دون قسر وتنطق جوارحه بالصدق.. فالحبيب يذوب شوقا وعشقا إلى رؤية حبيبه ويبذل العطاء بسخاء دون ملل.. ويفعل كل ما يرتضيه منه حتى تصبح الدماء التى تجرى فى عروقه لا تحمل إلا الشوق له.. فالقلب لا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يخضعه له مهما وصل من سطوته ولكن يخشع لمن يحب.. والعبد المخلص يسمو فى محبة الله ويسبح فى رحاب النور الإلهى والإيمان النقى حتى تغشاه الطمأنينة ويتخلله الاستقرار النفسى. " ??* وعندما أيقن أعداء الدين أن هذا سر قوة المسلمين.. بدأوا فى التخطيط لفتنتهم وملاحقتهم بكافة الحيل ليصرفوهم عن روح الدين.. ونجحوا فى صرف الكثير حتى صارت العبادات عادات وحركات للجوارح مع غياب القلب عن هدف العقيدة واللهث وراء ملذات الدنيا.. ولكن يبقى دائما على طول الزمان عباده المخلصون وإن انخفضت نسبتهم وقد حدد الله تعالى سمات هؤلاء العباد فى سورة الفرقان فى قوله تعالى وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63). حتى آخر الآيات 63 - 76 حيث شرفهم بنسبهم إليه.. ومنحهم العفو والصفح لأنهم القدوة فى ضرب المثل لنبذ الانتقام.. ** وما أحوجنا الآن إلى التحرى بجدية عن هؤلاء لنتعلم منهم وننهل من قبس نورهم لننجو من شر الشتات والتناحر لنقيم مجتمعا متماسكا يواجه أعداءه ويبنى مستقبله.